النسخة الكاملة

تجاهل المحادثات الإلكترونية.. هروب من الرد أم “تهميش” للمرسل؟

الخميس-2021-01-22 09:15 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك التنوع الكبير جعلاها وسيلة فعالة وسريعة قريبة من الجميع تختصر المسافة والوقت وتمنح روادها الخصوصية والأمان. وتتعدد طرق التواصل عبر هذه المنصات بين مكالمات فيديو وصوت وأخرى رسائل نصية، لكن أحيانا تحدث بعض التصرفات التي تؤثر سلبا على شكل العلاقات الاجتماعية، فمثلا هناك من يقرأ رسالة صديق له أو قريب، ويتجاهل الرد عليها، لأسباب قد يجهلها المرسل، لكنها في الوقت نفسه تزعجه وتشعره بالحزن والضيق والإهانة سواء كان ذلك عبر "واتساب” أو "ماسنجر” أو غيرهما من المواقع الأخرى.

تساؤلات كثيرة تلك التي تدور في ذهن المرسل حين يجد تجاهلا من الطرف الآخر يتمثل في عدم الرد على رسالته رغم يقينه بأنه قرأها، وهذا حتما يجعله في حيرة من أمره محاولا توقع السبب الكامن خلف ذلك التجاهل بوضع الكثير من الاحتمالات المتباينة بين الانشغال والنسيان والتهرب.

صداقة عمرها تسع سنوات انتهت بين العشرينية رهام ماهر وصديقتها، وذلك نتيجة التجاهل المستمر لرسائلها عبر موقع "واتساب”، تقول إن إحساسا بالانزعاج والقلق والحزن كان يزداد في داخلها مع مرور الوقت، وذلك كلما شعرت بأن هناك استهتارا واضحا من قبل صديقتها المقربة في الرد على رسائلها، موضحة أنها باتت أكيدة من أن صديقتها تلجأ إلى التهرب في كل مرة لا يعجبها محتوى الرسالة المرسلة لها، فهي كثيرا ما تتأخر في الرد أو أحيانا لا ترد نهائيا وهذا يثبت بالفعل اختيارها للتهرب.

ظهورها أكثر من مرة بعد إرسال الرسالة وبقاؤها متصلة لوقت طويل من دون أي رد منها تصرفان يثيران الشكوك ويجعلانها تبحث عن تخمينات تطفئ بها ذلك الغضب الذي يتملكها رغما عنها ويتسرب إلى روحها المحبة للتقدير.

وتبين أن عتابها لصديقتها أكثر من مرة ومصارحتها بأن تجاهلها غير المفهوم لرسائلها يضايقها جدا طريقة لم تثمر عن شيء لكون الذريعة الوحيدة لصديقتها هي الانشغال الدائم.

أما الثلاثينية لينا فهي الأخرى تجد أن رسائل "واتساب”، وخاصة مع زوجها، باتت تهدد حياتها الزوجية، وتتسبب في نشوب خلافات كبيرة بينهما، تقول إن سفر زوجها وطبيعة عمله الخاصة سببان يفرضان عليهما أن يكون التواصل بينهما طوال اليوم من خلال الرسائل النصية لكونها سريعة ومتاحة في أي مكان. لافتة إلى أنها تعتمد عليها كثيرا في إطلاعه على أدق التفاصيل حتى يبقى حاضرا بينهم كعائلة وحتى تخفف من مرارة الغربة.

وتبين أنها في الفترة الأخيرة بدأت تشعر بتجاهله الواضح لرسائلها مكتفيا فقط بالرد على الضروري والمستعجل منها.
تقول إن علامات القراءة هي ما تزيد من شعورها بالغضب وتدفعها إلى إرسال المزيد من الرسائل لزوجها كردة فعل على عدم مبالاته بها، وحتى يتسنى لها معرفة السبب الذي يجعله يتجاهل الرد عليها هذا كله كان يحول الموضوع إلى خلاف كبير بينهما، معللا تجاهله ذلك بالنسيان وكثرة المشاغل، لكن جوابه لها لم يكن يقنعها، بل على العكس كان يضاعف من حجم الحزن لديها ويتركها رهينة لتخمينات قاسية تحرضها في أغلب الأحيان على طلب الطلاق، وخاصة أنه يتعمد تبسيط الأمر وتسخيفه ويراه أمرا عاديا لا يحتاج منها لكل ذلك الضيق والانزعاج.

ويرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الاهتمام أساس مهم ومتين في العلاقات الإنسانية على عكس التجاهل الذي يعني أحيانا إهمال الطرف الآخر وعدم المبالاة به، وفي حال إرسال رسالة لأحد الأشخاص أو التكلم معه ومخاطبته وتجاهل هو الرد، يكون بذلك تسبب في إحداث الجرح والضيق للآخرين ممن تجمعه بهم علاقة صداقة أو قرابة أو زواج.
ويضيف أن من الذوق واللباقة والتقدير أن يقوم الشخص المتلقي للرسالة بالرد على المرسل سلبا أو إيجابا مهما كان مضمون الرسالة سواء أعجبه أو لم يأت على هواه، فمن حق الآخر عليه أن يبادله التقدير والاهتمام.

ويلفت مطارنة إلى أن مراعاة مشاعر الآخرين دليل على الرقي واحترام الشخص لنفسه ولمن حوله، أما تجاهل الرد فليس له مبرر حتى وإن كانت هناك أعذار قوية يستند إليها المتلقي فحتى الانشغال والنسيان لا يشفعان للمتلقي استهتاره وتطنيشه، لأن بإمكانه الرد حتى لو متأخرا وجميعنا نعرف جيدا مدى التصاقنا الكبير بهواتفنا وعدم مفارقتها لنا ومهما أبعدتنا المشاغل عنها لا بد أن نعود لها بين الحين والآخر ونتفقدها.

ويتابع "لذا من الضروري جدا أن نكون حريصين في تعاملنا مع أصدقائنا وأحبتنا وأن نجنبهم تلك المشاعر السلبية المتمثلة بالضيق والقلق والحزن، وربما أحيانا الانطواء والعزلة والإحساس بالتهميش كل ذلك يخلقه التجاهل في نفوسهم، وخاصة عندما يجهلون السبب الكامن خلفه”.

ويذهب الاختصاصي الاجتماعي محمد جريبيع إلى أننا جميعا نتلقى العديد من الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتنقسم هذه الرسائل إلى ثلاثة أقسام: أولها رسائل يرسلها الأهل والأقرباء للاطمئنان على أحوالنا، أما القسم الثاني فيكون من أصدقاء مقربين يرسلونها بهدف التودد والحب أو حتى الاستفسار عن بعض الأمور الخاصة، وهناك قسم ثالث تكون فيه الرسائل من أشخاص افتراضيين لم يسبق أن تعرفنا عليهم في الواقع. ويتابع أن لجوء البعض للتجاهل وعدم الرد على رسائل معينة قد يكون سببه أحيانا انزعاج الشخص المتلقي من إلحاح المرسل وكثرة طلباته أو ربما لا يرغب بالرد عليها، لأنه يريد فعلا قطع العلاقة معه وتجاهله في هذه الحالة يكون ردا بحد ذاته يحاول من خلاله توصيل رسالة مبطنة مضمونها قراره بإنهاء العلاقة، موضحا أن البعض ممن يرسلون الرسائل يتعمدون التدخل في خصوصية الطرف الآخر ويسألون عن أشياء دقيقة وحساسة، وهذا كثيرا ما يؤدي بالشخص المتلقي للرسالة إلى عدم الرد والتطنيش رغم قراءته لها وتأكد المرسل بالمقابل من أنها قرئت.

ويشير جريبيع إلى أن التجاهل يؤثر سلبا على نفسية الآخرين، وخصوصا أولئك الذين تربطنا بهم علاقات قوية ويعنون لنا كثيرا الألم في هذه الحالة يكون أكبر وأعمق، لكونهم يتوقعون منا أن نبادلهم الحب والاهتمام والثقة، فتجاهل الرد على رسائلهم يشعرهم حتما بالإهانة وعدم الاحترام.
يقول إن اختيار البعض للتجاهل يساعدهم في مرات كثيرة على التهرب من الإجابة محاولين بذلك تأجيل المواجهة أو حتى التخفيف من الخلافات الحاصلة بين الطرفين، فهم يجدون أنهم بردهم هذا سيؤججون النيران وسيسمحون للمشكلات بأن تزيد ويصبح من الصعب السيطرة عليها وحلها بشكل ودي.