جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم الدكتور محمد أبو عمارة
في إحدى الاجتماعات المهمة ، قمت بطرح بعض القضايا العملية على زملائي المعلمين والمعلمات، و الاتفاق معهم على خطة العمل و آليات تنفيذها ،و حقيقة بأن آراء البعض كانت بناءة وإيجابية ولكن آراء الكثيرين كانت صادمة جدا لدرجة أنني ذهلت من بعض الإجابات و من بعض ردود الفعل، ولذلك طرحت السؤال التالي على بعض الزملاء :
-أستاذ فراس
- تفضل دكتور
- لماذا اخترت مهنة التدريس ؟
- والله أنا لم أختارها لكنها هي من اختارتني فأنا حصلت على معدل 75% بالمئة في التوجيهي ، وعندما قدمت طلب القبول الموحد حصلت على مقعد فقط في كلية التربية ودرست تخصص معلم الصف لأنه كان خياري الوحيد وها أنا ذا اعمل معلما للصفوف الأساسية.....
- ولكن هل أنت مقتنع بعملك وموقعك ؟
-الصراحة لا !
- لماذا؟
لانها مهنة ووظيفة سقف التطور فيها محدود والرواتب كذلك فأنا كشاب أجد أن أعباء الحياة لا تستطيع ان تكفيها هذه المهنة .
ولن أعيش حياة كريمة أبدا طالما أنا أعمل بها، لذا فأنا أعتبرها محطة للبحث عن عمل افضل وأينما ووقتما لاحت لي الفرصة فمن المؤكد بأنني سأترك هذه المهنة لغيري ، فلربما كان عطاؤه أكثر أو و لربما قد ورث مالا يكفيه و يؤمن مستقبل أطفاله، أما أنا فغير اسف على هذه الوظيفة ولا على هذه المهنة
– لا حول و لا قوة الا بالله - سيدفع الجيل القادم ثمن ذلك !!! أشكرك أستاذ على الشفافية....
- و أنت أستاذ أيمن لماذا تعمل مدرسًا للرياضيات !؟ و هل أنت مقتنع بالمهنة ؟.
-و الله يا دكتور لقد درست الهندسة الميكانيكية بالجامعة لأنني حصلت على معدل 97% بالثانوية العامة وطبعا الأهل حصروا خياراتي ، بين مهندس أو طبيب و لم أحصل على مقعد في كلية الطب ، فكان خياري الوحيد الهندسة ، و عندما تخرجت و كنت من الأوائل ، أضعت سنتين بالبحث عن العمل في مجال تخصصي و لكن دون جدوى أو فائدة ، و عندما يئست قمت بتقديم الطلبات للالتحاق بمهنة التدريس، و كون لغتي الإنجليزية جيدة ، تم قبولي و الحمد لله ، و ها أنا ذا معكم.
-هل أنت سعيد بهذه المهنة .
- جدا جدا حقيقة أنني وجدت نفسي بالتدريس و حققت ذاتي و شعرت بلذة محبة الطلبة لي ، و للأمانة بأن تخصصي يسمح لي بدخل إضافي أيضا ، فأنا أعمل في عدد من المراكز الثقافية و الحصص الإضافية مما جعل دخلي يضاهي أي مهندس متمرس ،
-و لو عرض عليك مهنة في الهندسة فهل ستترك التعليم و تقود لها ؟
- مستحيل طبعا فإن مهنة المعلم أفضل بكثير من الهندسة
-هل تعاني من مشاكل معينة
-نعم أحيانا تنقصني بعض المعلومات التي يمتلكها فقط صاحب التخصص، ولكنني أبذل جهدا كبيرا لستر الهوة و معالجة الخلل .
- يعني هنا توجد حالة مناقضه، شخص يحب المهنة مع أنه ليس معلما بالأصل .
- و أنت مس زين لماذا اخترتي مهنة التدريس !!؟
- حقيقة السبب هو والدي ،فوالدي مقتنع أن الفتاة لا تصلح لها إلا مهنة التدريس فهي مهنة محترمة و تصلح للبنت المحافظة أكثر من أي مهنة أخرى ، خاصة بعد الزواج.
- وهل أنت مقتنعة بهذه المهنة ؟
- حقيقة لا !! لأنني كنت أتمنى أن أكون مصممة أزياء ، و كنت أطمح بأن أرى صوري على غلاف المجلات و دائمة الظهور في الشاشات و لكن مع هذه المهنة لا أعتقد أن هناك أمل في ذلك ,
- و أنت أستاذ يوسف !!.
- أنا وضعي مختلف ، فأنا ابن لأب و أم كلاهما يعمل معلما و حقيقة أنني طالما تمنيت أن أصبح معلما .. و اخترت هذه المهنة عن قناعة و حب، لأنني أعلم أنها من أهم المهن التي من الممكن أن تكون ، و قد كان على الدوام أبي هو قدوتي و حاولت أن أسير على خطاه .
- رائع ، ألا ليت كل معلم يعمل بمهمتنا يختار هذه المهنة عن قناعة .
- و أنتم زملائي أتمنى من كل منكم أن يكتب لي سبب أختياره لهذه المهنة و هل هو مقتنع بها أم لا ، و ذلك اختصارا للوقت .
- انتهى الاجتماع و استلمت الأوراق و قرأت بعض ما سرني و الكثير مما لم يسرني !! و جعلت أبحث عن أسباب عزوف المعلمين عموما عن مهنة التعليم و عدم رغبة الكثيرين بها، و أيضا اعتبارها مرحلة عبور و ليست للاستقرار ، فالكثيرون يعملون بها بشكل مؤقت أملا بوجود فرصة عمل أفضل في قطاع اخر، فوجدت أن الأسباب كثيرة تبدأ و لا تنتهي ، أهمها : تدني الأجور لهذه المهنة مقارنة بباقي المهن ، و التطور الوظيفي محدود جدا وضمن سقف توقعات متواضع ، و الاحترام المجتمعي متدن لمهنة التعليم للأسف، و أعباء المهنة كثيرة و تنتقل مع المعلم من العمل إلى المنزل ، و أيضا عدم وجود عدالة في التقييم ، فالمعلم المتميز يفقد تميزه بمرور الأيام لشعوره بعدم التقدير عند مساواته مع أقرانه غير المميزين من حيث الترفيع و المكافات خاصة وان النظام التربوي يرسخ ذلك. و الأهم من ذلك كله ضياع الهوية لطالب الثانوية العامة الذي يصل لهذه المرحلة دون أن يقرر ماذا يريد أن يكون ، و يترك نفسه لقائمة القبول الموحد ، و التي غالبا تذهب به إلى غير ما يرغب ,,,
و للأسف يقود العملية التربوية عدد كبير من المعلمين الذين لا ينتمون للمهنة و التي دخلوا إليها بالمصادفة ، وبالتالي تبدأ عمليات المراهنة على الجيل القادم من الطلبة....
حقيقة أنها مشكلة نعاني منها في قطاع التعليم كثيرا .
فكرت ووجدت أن على أصحاب القرار أخذ كل الملاحظات على محمل الجد إذا ما كانت هناك نوايا حسنة لرفع هوية الجيل القادم ....
فالمعلم أهم لبنة لبناء المجتمع و يجب أن يولى كل الأهمية لينتج الجيل الذي نريد...
ويجب علينا الاعتراف بالخلل وعدم الكذب على انفسنا .
لملمت أوراقي ،،، و قررت أن أحمل على عاتقي مهمة رفع سوية معلمي مدرستي ، و أن أزرع حب المهنة لديهم كتجربة في بيئة صغيرة قد تنتشر لدى الاخرين وتصبح ظاهرة .
فمهنة مدير المدرسة هي قيادة كل أركان المدرسة في أجواء نخلقها نحن كما نريد وكما نتمنى....