النسخة الكاملة

لماذا تخلى ديوان المحاسبة عن دوره الوقائي القبلي ؟

الخميس-2020-12-21 01:45 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز- بقلم د. سامي المجالي 

قبل عدة أيام نشر ديوان المحاسبة تقريره السنوي  لعام ٢٠١٩ ،وفي طياته كثير من التجاوزات المالية والإدارية ،والمخالفات الصريحة للتشريعات المعمول بها دون الالتفات إلى مستوياتها. وبما أن هذه المخالفات وخاصة(المالية)، هي هدر للمال العام فهي تصنف ضمن نطاق "الفساد" . وقد اصبح في عرف كثير من الناس أن الفساد قد يقتصر على فئة معينة دون سواها ، وأن الفساد يقاس بالحجم والقدر ، كما أنه يصنف إلى فساد أصغر وفساد أكبر . ولكن الحقيقة أن الفساد هو فساد بغض النظر عن هذه التصنيفات. وفي ضوء تقرير ديوان المحاسبة ( والحديث هنا عن التجاوزات المالية) ، والذي أثار صخباً واسعاً على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ، أود طرح مجموعة من الأسئلة الهامة في هذا المجال : 

أولها أين هي أجهزة الرقابة والتفتيش والتدقيق الداخلي في هذه الوزارات والمؤسسات ؟ والمتعارف عليه أنه في كل وزارة ومؤسسة وهيئة توجد إدارة أو وحدة للرقابة والتدقيق يفترض أن تقوم بمهامها التي أنيطت بها بتدقيق كافة المستندات المالية ، وتصويب الأخطاء والمخالفات قبل إجازة الصرف . حيث أن الأدوار الجديدة لهذه الأجهزة هو الرقابة القبلية . 

وثانياً ما هو دور ديوان المحاسبة ووحداته المتواجدة والمنتشرة في غالبية هذه المؤسسات؟ ولماذا تخلى ديوان المحاسبة عن دوره الرقابي الوقائي (القبلي)، وتحول إلى دور رقابي بعدي ؟! إننا بغنى عن هذه التقارير السنوية الصادرة عن ديوان المحاسبة ، ويمكننا المحافظة على المال العام،إذا ما قام ديوان المحاسبة بالعودة ودون تردد إلى دوره الرقابي القبلي( أي قبل إجازة مستندات الصرف والشيكات ).نحن لسنا بحاجة إلى تدقيق هذه المستندات والشيكات ومن ثم رصد التجاوزات والمخالفات وإعداد التقارير بعدها ، إذا ما أحسنا إحكام الأمر من بدايته، وقبل الوقوع في الخطأ . فلا يجوز أن ننتظر إلى أن يقع الخطأ ثم نقوم برصده. 

أعلم تمام العلم بأن ديوان المحاسبة قد تحول دوره وقبل سنتين إلى رقابة الأداء، وإلى التدقيق البعدي بناء على تفاهمات ما بين ديوان المحاسبة ووزارة المالية وبمباركة من رئاسة الوزراء، إضافة إلى(توصية) من المنظمة العالمية لأجهزة الرقابة. ولكن واقع الأمر أن هذه التوصيات غير ملزمة ،وأنه يمكن للديوان القيام بدوره الحقيقي بالرقابة القبلية وعدم تركها لأجهزة الرقابة الداخلية في هذه الوزارات والمؤسسات لوحدها.  

إن مثل هذا الإجراء العملي(والذي هو بحاجة إلى جهود مضاعفة ،وتعزيز الكوادر الرقابية)،سيؤدي حتماً إلى المحافظة على المال العام، والحفاظ على هيبة الدولة أمام نفسها أولاً ،ومن ثم أمام المنظمات والهيئات الدولية والجهات المانحة ثانياً .
إن الأمر بحاجة إلى مراجعة شاملة ، ودراسة الأبعاد من كافة جوانبها، والعمل بشفافية مطلقة ؛ حتى نصل إلى مرحلة يصان فيها المال العام "ذاتياً"، وإلى التخفيف على هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وعلى اللجان المالية في مجلس النواب، وخاصة إذا ماعلمنا أن كثيراً من هذه الأموال قد يصعب تحصيلها ، أو أنها تضعف بالتقادم والأمثلة على ذلك كثيرة.