جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب د. عدلي قندح
يقدر حجم السيولة في الاقتصاد الأردني بحوالي 36.6 مليار دينار كما في نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وغالبية هذه السيولة، 30.7 مليار، مودعة لدى البنوك، ومنها حوالي 5.9 مليار نقد بين أيدي الجمهور.
جزء كبير من السيولة المتوفرة في البنوك انتقل الى الاقتصاد الحقيقي عن طريق التسهيلات الائتمانية التي قدمتها البنوك لمختلف القطاعات الاقتصادية.
السؤال المحير الذي قد يطرحه البعض هو: لماذا لم تخلق التسهيلات الائتمانية نموا كبيرا في الاقتصاد ينعكس في النمو الاقتصادي، ممثلا بارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي؟
بالرجوع الى مختلف العوامل والمتغيرات التي قد تؤثر في معدلات النمو الاقتصادي في الأردن، وبعد تحليل هيكل التسهيلات الائتمانية المقدمة لمختلف القطاعات الاقتصادية في الأردن، يمكن التوصل الى الاستنتاجات الآتية:
أولاً: إن التسهيلات الائتمانية المقدمة من قبل البنوك التجارية العاملة في الأردن هي أحد أهم مصادر التمويل للاقتصاد الأردني، وقد شكلت التسهيلات الائتمانية حوالي %78 من الناتج، وقد تكون هذه التسهيلات هي العامل الرئيسي الكامن وراء تحقيق معدلات النمو التي كانت تتراوح بين 2 % و2.5 % خلال الأعوام العشرة الماضية.
ثانياً: تركزت التسهيلات الائتمانية في ثلاثة قطاعات رئيسية؛ التجارة العامة، والإنشاءات، والصناعة، وقد شكلت أكثر من %50 من إجمالي التسهيلات الممنوحة من قبل البنوك، وهذا يشير إلى أهمية هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي.
ثالثاً: تشير معظم الدراسات الى وجود علاقة إيجابية بين التسهيلات المقدمة من البنوك والناتج المحلي الإجمالي؛ حيث إن زيادة التسهيلات الائتمانية بمقدار مليون دينار أردني تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار سبعين ألف دينار -حسب إحدى الدراسات- وقد تساعد هذه النتيجة على تفسير جزء مهم من النمو المتحقق في الناتج المحلي الإجمالي طوال العقد الماضي.
رابعاً: ولكن ما يحتاجه الاقتصاد هو معدلات نمو اقتصادي أكبر مما هو متحقق طوال العقد الماضي وإذا كانت السيولة المتوفرة في الاقتصاد كافية لتلبية الطلب على الائتمان التقليدي، فما الذي يحتاجه الاقتصاد حاليا وفي الأعوام المقبلة لإحداث قفزة نوعية في النمو الاقتصادي؟ وإذا كان لدينا سيولة فائضة تقدر بحوالي 4 مليارات دينار لدى الجهاز المصرفي ومودعة لدى البنك المركزي وجاهزة لتلبية الطلب على الائتمان ضمن إطاره التقليدي الذي عهدناه طوال الأعوام العشرة الماضية، فكيف يمكن تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة عند متوسطها الذي يدور حول 2 % الى 2.5 %.
خامسا: وإذا كانت السيولة التي توفرها الحكومة من خلال الموازنة العامة وتقدر في مشروع موازنة 2021 بحوالي 9.93 مليار دينار ويأتي معظمها من الضرائب وتذهب في غالبيتها (88 % منها) للرواتب والأجور والتقاعد وخدمة الدين والدعم والمعونات، وحوالي 12 % منها نفقات رأسمالية على مشاريع بنية تحتية مساهمتها في الناتج ضيئلة جداً، فمن أين لنا بالسيولة الضخمة اللازمة لإحداث قفزة في معدلات النمو الاقتصادي؟
باعتقادي أن مصدر هذه السيولة غير تقليدي يجب أن يكون عبر زيادة الاستثمارات المحلية وتدفق الاستثمارت الأجنبية الجديدة في مشاريع كبرى تحدث نقلة على مستوى الوطن؛ كالمدن الجديدة، ومشاريع المياه والطاقة والزراعة والنقل والصحة والبنية التحتية ومشاريع وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. بغير ذلك سنبقى نعمل بالسيولة المتوفرة لتلبية حاجاتنا التقليدية من إنفاق على استهلاك سلع منتجة في الخارج ولا تحقق قفزة ملموسة في نمو الناتج المحلي الإجمالي يشعر به الوطن والمواطن.