جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب د . عدلي قنديح
الشمس هي المديونية العامة للمملكة، وتغطيتها بغربال يعني رسمياً تبني آلية جديدة لاحتساب المديونية نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي تستثني من اجمالي الدين العام ديون الحكومة من صندوق أموال الضمان الاجتماعي. وهذا ما تم بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي بغض النظر عن مدى مشروعيته واغراضه.
الخوف من المضي في هذا المسار هو أن ننسى العبء الاصلي والحقيقي للمديونية ونمضي قدماً بطريق الاقتراض، محليا وخارجيا، لنفيق مستقبلا عند مرحلة تكون فيها أعباء الديون ثقيلة جداً على خزينة المملكة، فنضطر عندها للجوء لبدائل صعبة لتسديد الديون تجعلنا نبيع باقي ما تبقى من أصول وممتلكات عامة للوفاء بأعباء الدين وهذا في العادة له ثمن باهظ جداً.
مالية الحكومة العامة بدأت تنشر بيانات الدين العام الاجمالية بعد استثناء ما يملكه صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي من دين على الحكومة، وكان الأجدى أن يتم نشر رقمين اجماليين، الاول قبل استثناء ما يملكه صندوق استثمار أموال الضمان والثاني بعد الاستثناء، حتى نكون شفافين في بيانات الحكومة مع الشعب، وذلك أسوة بأرقام العجز/الوفر في الموازنة العامة قبل وبعد المنح.
اجمالي أرقام المديونية غير المبينة في جدول رقم (9) في نشرة مالية الحكومة وصلت حسب ارقام شهر ايلول الماضي الى 33.2 مليار دينار أو ما نسبته 106.4 % من الناتج المحلي الاجمالي. وهي أرقام ونسب مرعبة. نشرة وزارة المالية تشير الى اجمالي مديونية تصل الى 26.5 مليار دينار فقط، وبنسبة الى الناتج وصلت الى 85.2 % فقط، وذلك بعد استثناء 6.7 مليار يملكها صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي. وهنا يكمن الغربال.
مؤشرات الدين العام في العادة تقاس بالإضافة الى نسبته الى الناتج المحلي الاجمالي بعدة مؤشرات، من أبرزها نسبة الدين الخارجي الى صادرات السلع والخدمات باستثناء خدمات عوامل الانتاج، ونسبة الاحتياطيات الاجنبية للدين الخارجي، ونسبة الدين قصير الاجل الى الاحتياطيات الرسمية، والمتوسط المرجح لعمر القروض بالأشهر لكل سنة، وحصة الفرد من الدين، بالإضافة الى حجم فوائد الدين السنوية نسبة للايرادات المحلية، ونسبة فوائد الدين للصادرات. علاوة على معدل زيادة الدين العام مقارنة مع معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي والتي يجب أن يكون معدل الاخيرة فيها أكبر حتى نسيطر على نسبة الدين العام للناتج.
نريد الوصول الى مرحلة يكون عندها الدين العام أو المالية العامة للدولة مستدامة. واستدامة الدين العام تعني ضمان عدم اضطرار الدولة إلى التوقف عن خدمة دينها ولا يؤدي إلى وقوع الدولة في مشكلة التعثر في خدمة الديون. وتعرف استدامة الدين بأنها قدرة الدولة على الوفاء بالتزامات خدمة الدين الحالية والمستقبلية بصورة كاملة وبدون أن تلجأ لطلب إعادة جدولة ديونها أو شطب جزء منها، أو دون أن تلجأ إلى التوقف عن خدمة دينها، ومن ثم تراكم المتأخرات عليها من مدفوعات خدمة الدين. ومع ذلك، يجب التذكير بأن التزام الدولة بتسديد ديونها يكون في كثير من الاحيان على حساب نفقاتها الجارية ومنها عدم تسديد التزامات حكومية للقطاع الخاص المحلي. وقد تعني أيضا، وهذا هو الاهم، ضآلة حجم الانفاق الاستثماري الجديد في الموازنات العامة للدولة وهذا كله على حساب التنمية الاقتصادية المحلية وتأجيل المشاريع وضعف البينة التحتية وارتفاع مؤشرات البطالة والفقر.
بيانات حجم المديونية العامة في الاردن ونسـبة الجزء الأجنبي منه تتجه لمنطقة الخطر، والاتجـاه العام التصاعدي للدين العام يدعو إلى القلـق. علاوة على أن كلفة خدمة الدين العام والتي وصلت الى 1.5 مليار دينار في مشروع موازنة 2021 تؤثـر سلباً على النمو الاقتصادي وميزان المدفوعات كما تؤثر على الموازنة العامة وتمتص الإيرادات التي كان يمكن إنفاقهـا لتمويل المزيد من الخدمات أو الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في قطاعات النقل والاتصالات والصحة والتعليم. وقد أثبتت جائحة كورونا أن في الاردن قطاعات تعاني بشدة وانعكست أحوالها السلبية على شكل بطء شديد في تنفيذ شبكة النقل العام، وعدم وصول 30 % من طلابنا الى منصات التعليم عن بعد، وازدحام مرضى كورونا وغير كورونا في المستشفيات العامة، ما اضطرنا، متأخرين جداً، لبناء مستشفيات جديدة لم ننته الا من واحدة منها فقط.
موازنة التمويل للعام 2021 بمصادرها واستخداماتها، وهي خلاصة لما يمكن تسميته ادارة الدين العام، مقلقة وأرقامها تتفاقم سنة بعد الاخرى، والسبب غياب استراتيجية صارمة وملزمة لإدارة شمسها في الاردن، تعتمد على أسس غير قابلة للتعديل والتغطية بغربال.