جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب علاء الدين أبو زينة
يقول موقع الأمم المتحدة الإلكتروني عن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام: «يُحتفل هذا العام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 1 كانون الأول (ديسمبر) 2020 بسلسلة من الاجتماعات الخاصة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث ستجتمع اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وهي هيئة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة تعمل على تعزيز حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال. وسيحضر الاجتماعات المعنية باليوم الدولي ممثلو الدول الأعضاء، والأمين العام، وممثلو المنظمات الحكومية الدولية والمجتمع المدني، وغيرهم ممن سيدلي ببيانات حول قضية فلسطين ويشارك في الافتتاح الرسمي لمعرض افتراضي بخصوص الاحتفال».
هذا إذن هو ما في جعبة الأمم المتحدة، أعلى هيئة دولية، وأمينها العام ولجانها وهيئاتها، للتضامن مع الفلسطينيين! وكان ينبغي أن تكون هذه الهيئة هي بيت العدالة الذي يذهب إليها المظلومون من أجل إنصافهم والانتصار لقضاياهم. لكن هذه الأنشطة المذكورة تقام في نيويورك، في بيت الدولة التي تمتلك الأمم المتحدة وقراراتها وآلياتها، والتي تقف بشكل رئيسي في طريق الشعب الفلسطيني نحو حريته، وتفعل كل شيء لتجريده من إرادته ومقومات وجوده وأي أدوات قد تُسند نضالاته. والمفارقة مضحكة، مبكية! الأمم المتحدة، ممثلة العالَم، تجعل من نفسها أضحوكة بهذا «التضامن» الذي يقول فقط كم هي عاجزة ومتناقضة وهزيلة.
يستحق الفلسطينيون تضامناً يومياً، وليس موسمياً، لأن قضيتهم ليست محلية بقدر ما هي نتاج آخر للاأخلاقية العميقة التي تُدار بها خبرة البشرية ككل. وكانت نتاجات هذه الإدارة دائماً تهمش ونهب وإقصاء الضعفاء من أبناء الجنس البشري على يد الجشعين الذين يستأثرون بأدوات القوة، وأكبر الحصص من كل شيء، والقرار العالمي، ووضع التعريفات والروايات. ولذلك، كان هناك دائماً سادة ومستعبدون، وغزاة ومستعمَرون، ولصوص ومسروقون، ومهيمنون طاغون ومسحوقون.
تنتمي القضية الفلسطينية، بالتعريف والتفاصيل، إلى ذلك الصراع الإنساني الملازم لخبرة هذا الجنس البائس، بين أنصار القيم الإنسانية العزيزة: الحق والعدالة والضمير، وبين الكافرين بهذه القيم الذين يفعلون كل شيء لتقويضها. وبهذه الصفة، لا ينبغي في الأساس أن يكون الخيار صعباً عندما يتعلق الأمر بالانحياز إلى قضية الشعب الفلسطيني. وينبغي أن تفضي أي قراءة محايدة ومنصفة للبيانات التاريخية والموضوعية الوفيرة للصراع في فلسطين كافية لاعتناق موقف أخلاقي، -أو لاأخلاقي- على أساس الانضمام إلى أحد المعسكرين.
من حيث المبدأ، يستحق الفلسطينيون التمتع بالعدالة والكرامة وتقرير المصير، والعيش على ترابهم الوطني أحراراً مثل الآخرين. وبقراءة الطريقة التي نشأ فيها المشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، واستيلاء المهاجرين الغرباء عن الأرض والمنطقة على الأرض وتشريد أهلها، فإن التضامن الحقيقي غير المنافق والمستند إلى العدالة التي اصطلح عليها الناس، يعني مناصرة حقهم في استعادة وطنهم التاريخي كله، والتي ينبغي أن تتحقق على الأقل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم أينما كان على تراب فلسطين. ولا يتعلق الأمر بالميثولوجيا أو الثيولوجيا حين يتملك الفلسطينيون صكوك ملكية مسجلة في الأرشيفات العثمانية، وحينما يكون أبناء فلسطين الذين ولدوا فيها، وهُجروا منها أطفالاً، ما يزالون أحياء يُرزقون.
ثمة المتضامون الجزئيون مع الحق والعدالة للفلسطينيين، الذين يطالبون لهم بوطن ودولة في جزء صغير من وطنهم التاريخي. ويرى هؤلاء المتضامنون أن المستعمرين- المستوطنين كسبوا، بقوة السلاح والخدمة كقاعدة أمامية للمصالح العظمى، الحق في امتلاك الجزء الأكبر من فلسطين. ويصعب في الحقيقة تصنيف هذا التضامن بالنسبة لمعظم أبناء الشعب الفلسطيني من أصحاب ثلاثة أرباع فلسطين الذين يُترَكون في العراء بتجريدهم من حقهم في استعادة مدنهم وقراهم واقتراح أن ينهوا مطالباتهم.
إذا كان يُمكن قبول هذا التضامن مع ثلث أو ربع الفلسطينيين وغمط حق الباقين من الذي لا يعرف كل الحقيقة، أو الذي له مصالح تجعله يخدّر ثلثي ضميره ويتعامى عن الحقيقة، فإنه لا يمكن أن يكون مقبولاً من العرب بشكل خاص. ولا يمكن أن يكون مقبولاً ممن يدعي لنفسه ضميراً كاملاً مستيقظاً. وبالأحرى، لا يمكن بأي شكل قبوله من فلسطيني– أو يزعم أنه كذلك- والذي يقول بأعلى صوته أن الأبيض أسود في ما لا ينتمي سوى إلى الشر الأسود وكراهية الذات والانتحار الشيطاني. أما قول إن قضية الفلسطينيين «ليست أبيض وأسود»، فطريقة للإعلان عن تضامن ناقص لن يترك للفلسطينيين أي شيء!