جفرا نيوز -
جفرا نيوز- بقلم د.نهلا عبدالقادر المومني
مرة أخرى، كثيرة هي التشريعات التي ما تزال في أدراج السلطة التشريعية تنتظر أن يتم استكمال دراستها واقرارها لتستكمل مراحلها الدستورية، ومن أبرز هذه التشريعات التي ما تزال تراوح مكانها مشروع القانون المُعدل لقانون منع الاتجار بالبشر لسنة 2019، والمُحال إلى مجلس النواب بتاريخ 12 تشرين الأول لعام 2019.
صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وعلى بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. وتفرض هذه الاتفاقيات على الدول الاطراف فيها التزامات عدة، في مقدمتها ضرورة تعديل المنظومة التشريعية الوطنية بما يتوافق مع بنودها التي جاءت لوضع حد لظاهرة أمست عالمية وهي الاتجار بالبشر.
بالرغم من مصادقة الأردن على هذه الاتفاقيات الدولية وبالرغم من الجوانب الايجابية التي جاء بها قانون منع الاتجار بالبشر، إلا أن التطبيق على أرض الواقع كشف عن العديد من الإشكاليات في التنظيم القانوني لهذه الجريمة بموجب القانون الحالي رقم9 لسنة 2009، أبرزها:
-عرفت المادة الثالثة من قانون منع الاتجار بالبشر جريمة الاتجار بالبشر، واتسم هذا التعريف بالاتساع وعدم دقة ووضوح بعض المصطلحات؛ علما أن المشرع ليس من وظيفته التصدي لمهمة التعريف وإنما تعد هذه المهمة غالبا من المهمات التي يتصدى لها الفقه القانوني، وفي حال ارتأى المشرع ان يتصدى لتعريف هذه الجريمة كما هو الحال في القانون الأردني النافذ فإنه كان من الأولى بالمشرع أن يعدد صور جرائم الاتجار بالبشر وأن يحدد الركن المادي في هذه الجرائم بصورة دقيقة وواضحة وذلك من شأنه أن يجعل تطبيق القانون من قبل القضاء أكثر فاعلية.
انطوى القانون الحالي على قصور عن الاحاطة بصور الاتجار بالبشر بصورة تامة وشمولية، خاصة المستحدثة منها؛ الأمر الذي أدى إلى افلات البعض من العقاب أو عدم تحقيق العقوبات التي اوقعت عليهم بموجب التشريعات العقابية الأخرى على مفهومي الردع العام والخاص.
-خلو القانون الحالي من نص يتعلق بإنشاء صندوق لتعويض ضحايا الاتجار بالبشر، وعدم وجود نظام حماية متكامل للمجني عليهم وللشهود إذا تطلب الأمر ذلك، ولم ينص القانون ايضا على توفير الرعاية النفسية والجسدية والصحية والتأهيلية اللازمة للمجني عليهم وتوفير المساعدة القانونية المجانية لهم.
هذه الاشكاليات القانونية تم تلافيها من خلال مشروع القانون المُعدل لقانون منع الاتجار بالبشر لسنة 2019، والذي جاء ثمرة لمخرجات عمل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر واللجان الفنية المنبثقة عنها، والذي انطوى على العديد من الايجابيات منها ادراج التسول ضمن مفهوم جريمة الاتجار بالبشر المعاقب عليها بعقوبات جنائية مشددة في حال ارتكابها بشكل منظم بحق من هم دون 18 عاما، كما تم إنشاء "صندوق مُساعدة ضحايا الاتجار بالبشر”، والمُخصص لتقديم المُساعدة القانونية للمجني عليهم والمُتضررين من جرائم الاتجار بالبشر هذه الخطوة التي تعد من الخطوات الايجابية والنوعية في مشروع القانون المعدل.
إلا ان مشروع القانون ذاته ما يزال بحاجة إلى مزيد من التعديل والتجويد ليكون اكثر شمولا واحاطة بصور جريمة الاتجار بالبشر كافة، حيث إن المادة الثانية من مشروع القانون المُعدل على سبيل المثال لم تُبين صور جريمة التسول وفق الأساليب المُستحدثة لها كالتستر بالتسول عبر عرض السلع زهيدة الثمن او تقديم الخدمات الظاهرية كمسح زجاج المركبات وغير ذلك، والتي تتجاوز مدلولاتها صور جريمة التسول الواردة في المادة (389) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م. كما أن هناك حاجة لشمول بعض الافعال التي تشكل انماطا مستترة لهذه الجريمة مثل احتجاز أو إخفاء أو إتلاف وثائق السفر أو الإقامة أو البطاقة الشخصية الخاصة بقصد استغلال الأشخاص.
كما يؤمل ان يتم تعديل م المادة (13/ب) من مشروع القانون بصورةٍ تكفل استخدام التقنيات الحديثة لحماية الشهود جميعهم وعدم اقتصارها بمن لم يتم الثامنة عشرة من عمره. بالاضافة الى تخصيص موارد مالية لهذا الصندوق ضمن المُوازنة السنوية لوزارة العدل، وعدم اعتماده على مُجرد التبرعات والهبات والمِنح.
في المقال السابق تحدثت عن مشروع قانون الاسلحة والذخائر لسنة 2016 والأمل بأن يتم الإسراع في اقراره من قبل المجلس النيابي التاسع عشر. واليوم نضيف مشروع القانون المعدل لقانون منع الاتجار بالبشر إلى هذه القائمة، فهناك تشريعات يجب أن لا تبق قيد الانتظار.