جفرا نيوز - كتبت - مها الصالح
إنغماس بعض الناس بمعرفة أسرار وخبايا حياة الآخرين سواء بقصد الحشرية ,أو بطريقة عفوية, أو حجرشة في النفس البشرية ما هو إلا ضرب من ضروب جنون الحياة العربية التي تحاول أن تختبأ خلف التحضر والمدنية, لكن بطريقة فجة وفيها إخلال بالحرية الشخصية, إما أن يحب صاحب العلاقة هذا التدخل بحياته الأسرية, أو يرمي بها على عاتق الآخر لينجو من الإنتقاد إن لاقت سخرية, أو يمسحها بكبسة زر من الأجهزة الذكية لتخلصه من الإحراج الذي إرتآه مدخلا لحياة الشهرة الغبية.
أردت أن أدخل في هذا الموضوع بطريقة نثرية ساخرة على ما يحصل من زيادة في جرحة الإسفاف والسطحية وإدراك كيف أن أصبحت حياة الناس الخاصة مشاع تتناقله جميع وسائل التواصل الإجتماعي إما بإذن صاحب العلاقة الذي يحاول أن يخلق "هالة مصطنعة" لنفسه ( لغاية في نفس يعقوب) وتكون محط أنظار العالم واهتمام أصدقائه وعائلته والأغراب, أن يكون الأمر عفوي لا يُقصد منه الإساءة لأحد وأن لا يجعل الناس تتطفل عليه بقصد, لكن بفعل ضعاف النفوس ومن يكون شغله الشاغل فقط التلصص على حياة البشروخلق قصص وإشاعات وقد تكون بكثير من الأحيان فضائح. لكن السؤال هل يعي صاحب الشأن المعنى الحقيقي لتلك الصورة التي يحب أن يشرك الناس بها ويطبعها بأنظار العالم أو خبر من أخباره اليومية؟ أم أنها صورة واهية, شاحبة يريد أن يخلقها لنفسه لعقدة نقص يعاني منها ويريد تعويضها باستئثار الناس بالحديث عنه سواء كان سلبا أو إيجابا؟ وأحب أن أنوه بهذا السياق أنه ليس المقصود من يشرك الناس ببعض لحظاته بطريقة تحترم العقل والمنطق والخصوصية, فهذا شيء طبيعي في ظل التطور والتكنولوجيا.
لا أريد ولا أسعى إلى جلد أي إنسان, لكن الأمور قد وصلت إلى أوجها من التفاهة والسطحية والإستخفاف بعقول الآخرين. ما قد يظهره البعض من صور أو مقتبسات توحي بالمثالية إلى حد بعيد كل البعد عن الواقعية, قد يجعلنا أن نضع سؤالا بين أيديكم وفي عقولكم: لماذا وصلنا إلى هذا الدرك من صنع لا شىء؟ عندما يمضي بعض الأشخاص ساعات متواصلة على بعض وسائل التواصل الإجتماعي يحدثك عن العائلة والمثاليات الخرقاء وما يدور بخوالج نفسه وحتى العبادة, فكيف تدَعون حبكم للعائلة والأولاد وحب الله وأنتم تمضون ساعات متواصلة أمام هذه الشاشة الذكية بعيدين عن أولادكم ومشاكلهم وعن سجادة الصلاة وقريبين جدا من ملاحقة صور وتعليقات وفبركة فضائح لبعضكم البعض؟
التملق والنفاق هما سمتا واقع العصر العربي الذي نعيشه, فما الداعي أن تشرك الناس بمأكلك ومشربك وغرفة نومك؟ هم ليسوا بحاجة لمعرفة تلك الأمور لكنهم يتسلون ويمضون وقتا بصحبتك عبر الشاشة الذكية التي خلقت منا عقليات غبية. يجاملونك, لكنهم هم أنفسهم يستغيبونك, يبتسمون لك وهم أنفسهم يضحكون عليك. فلا تكن أداة أو وسيلة لغاية مشبوهة من أي أحد, فأنت صاحب القرار ومالك حياتك الشخصية, فدع المُلك للمالك ولا تترك للضالين والمنافقين مأوى عندك قد يضرك فيما بعد وتندم ندما شديدا. قد مللنا الكذب والمراآة وإظهار عكس الحقيقة, سئمنا المظاهر المتملقة بما يخدم مصالح البعض. نحن لسنا قديسين لا نخطىء, بل نحن بشر خطاؤون, لكن الفرق بين من يخطىء عفويا وبين من يختار الخطأ كمن يصر على التعلم وعدم الإستسلام أو أن يمتهن النفاق طريقا لخطاياه. الخطأ يعلم الصواب والإصرار على الخطأ لا يعلم سوى الكذب والنفاق.
قلت وما زلت أقول بأن التكنولوجيا سلاح ذو حدين ونحن كمستخدمين لها نحدد أي حد أو مسار نمشي به وكيفية إرتباط حياتنا بها وعمق إبحارنا في ماءها وأفق تحليقنا بسماءها. ما نأخذه من التكنولوجيا ما يزال يمثل قليل القليل مما يجب أن نأخذه من التطور والرفعة في هذه الألفية الثالثة. هناك ضرورة ملحة بأن نغير حالنا لأفضل حال ويجب أن ينبع هذا التغيير من دواخلنا قبل الشكليات, ولن نفعل حتى نؤمن بهدفنا ونخلق الإرادة. ما بني على باطل فهو باطل وما بني على حق فهو حق, لنحق الحق وندحض الباطل الذي أحببناه وأدخلناه بيوتنا, نحبه لكن بطريقة تعلمنا وتطورنا وهذا الذي أنا لست ضده على الإطلاق بل على العكس, فالتكنولوجيا هي التي ساعدتني أن أصل إلى ما أنا عليه لأني أيقنت أسرارها وجمالها الذي خلق مني إنسان مؤثر بطريقة أيجابية للكثيرين.
السلام على الماضي ببساطته وغناه, السلام على بشر نحتوا الصخر علما وأدبا وشعرا باقي إلى الآن, السلام على الأرض العربية التي روت بخصبها وجمالها عقولا أينعت حبا علا سماه, السلام على أموات قضوا بعيدا وذهبوا لكن بقيت صورهم حاضرة حية لا يموت فيها الجمال. السلام الآن على ماذا..........؟