جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب جميل النمري
بصراحة حان الوقت لوقف هذا الهدر في الوقت والجهد والمال، مال الحكومة ومال الناس. وأقصد هذا السباق الغريب لإجراء أكبر عدد من فحوصات الكورونا يوميا.
لو نتوقف لحضة ونسأل .. لما يستمر هذا السباق اليومي ولما نتفاخر بزيادة عدد الفحوصات وهي وصلت الى 25 الف فحص يوميا؟! ناهيك عن الفحوصات لدى القطاع الخاص ودفع 35 دينارا لمختبر طبي (بدأت بخمسة واربعين دينارا) وهو بزنس يتوسع ويزدهر محليا وعالميا ويطمع القائمون عليه بالمزيد.
لنفكر قليلا ! الفحوصات في البداية كانت تهدف لمطاردة كل حالة جديدة وكشفها وحجرها في المستشفى لمنع اصابات جديدة والقضاء على الوباء في المهد ووصلنا بالفعل الى صفر حالات في الموجه الأولى. لكن بعودة الوباء ودخول مرحلة «التفشي المجتمعي» لم يعد لهذا النهج معنى. لدينا الآن 5 آلاف حالة يوميا وكل واحد من هؤلاء كان قد خالط قبل اكتشافه العشرات يستحيل متابعتهم وعند اكتشاف اي منهم يكون قد خالط كثيرين وهكذا يستحيل تتبع مصادر الاصابات وحصرها. وعليه فقدت الفحوصات المسحية اي وظيفة، ثم أننا من زمان بطلنا قصة الحجر في الفنادق والمستشفيات للمشتبه بهم و المخالطين او حتى المصابين فما جدوى التعرف على المصابين الذين لا تظهر عليهم اية اعراض ما دامت الاجراءات هي نفسها لهم ولجميع الآخرين؟! فكل شخص اليوم هو مصاب محتمل لم تظهر عليه اعراض ويجب ان يلبس الكمامة ويقوم بالاجراءات الوقائية في كل لحظة وكل مكان. وبالمناسبة ايضا فلم يعد هناك أي دول تقريبا تقوم بالفحوصات العامة على طريقتنا. الآن يتم فقط فحص من يراجعون ولديهم اعراض تشبه الكورونا.
يبقى الهدف الآخر وهو لغايات احصائية والاستنارة بحجم الانتشار لوضع الخطط والاجراءات وهذا لا يتطلب السباق اليومي لأكبر عدد من الفحوصات! بل مسوحات دورية كل اسبوع او اثنين او ثلاثة حيث يتم مثلا اجراء ثلاثين الف فحص عشوائي في جميع مناطق المملكة في يوم واحد وفقا لنظام العينات التمثيلية فنحصل على النسبة الدقيقة لعدد المصابين في المملكة وتطور هذه النسبة كل اسبوع، وعليه نستطيع تقدير نسبة الحالات التي ستظهر عليها اعراض وما سيحتاج منها الى ادخال ونسبة الاسرة والاجهزة التي يجب توفيرها الخ. واذا حسبنا بالطريقة الجديدة عدد الفحوصات الضرورية أكان لتشخيص الحالات التي تراجع أو الفحوصات الدورية لغايات احصائية فهي لن تزيد عن 15 % مما نقوم به حاليا وهكذا يمكن توجيه الموارد والاشخاص المنخرطين في هذا الجهد العبثي الى اعمال واحتياجات اخرى ضرورية.
الحال اننا اليوم كمن انطلق في سباق لهدف معين ثم لم يعد الهدف موجودا والسابق يستمر! هكذا وفقط لأننا بدأنا به. لكن ثمة كلفة لذلك تقدر بأكثر من 100 مليون سنويا وفق ما قاله أحد الخبراء في حلقة نقاشية مغلقة عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية يوم أمس.
وقد أثلج صدري ان معظم الخبراء الحضور ومنهم اعضاء في لجنة الأوبئة ووزراء صحة سابقون تحدثوا بقوة وبنفس الرأي حول موضوع الفحوصات لكن وزير الصحة الذي حضر الاجتماع وقدم عرضا ممتازا حول الوضع الوبائي مع رسوم بيانية واحصائية بقي متحفظا تجاه الأمر ولم يعد بشيء محدد. ونحن نتفهم موقف الوزير ونقدر هدوءه وحكمته ونعرف ان عليه تمحيص الأمر داخل الأطر المعنية مثل لجنة الأوبئة أو الحكومة لكن ثمة كلفة يومية متطاولة للتباطؤ في القرار، ونحن لسنا حالة فريدة دون بقية العالم لنستمر في هذا المسار. إن من حق الرأي العام أن يحصل اليوم قبل الغد على نتيجة وقرار.