جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب حمزة العكايلة
يحيى محمد محمود السعود (أبو محمد)، هذا النص أكتبه وأنت اليوم لا تقرأه، لا قيمة للأشياء يا صديقي، بالأصل أنت لم تكن مغرماً بالألقاب، لا سعادة ولا محامي ولا سواها، لكني أعرف أنك كنت تحب أن يبقى اسمك مقروناً دوماً بفلسطين.
يا صديقي يُنسبُ القول للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين اشترط معرفة المرء بصاحبه أن يكون قد صاحبه في سفر، وأنا صاحبتك في سفر، وأشهدُ أمام الله ومن ثم الناس أنك كنت طيب المعشر، حسن الخلق، وأشهد أنك بادلتني الود بل سبقتني إلى ذلك، حيث كانت العلاقة بيننا في إطار الرسميات فقط، لكنك كنت تأسر القلب، بعباراتك العفوية "شلونك يا ابن عمي".
في مطار الملكة علياء الدولي التقينا، ووجهتنا دبي ومن ثم طهران، للمشاركة في مؤتمر برلماني إسلامي حول القدس، وكنت في مهمة إعلامية مع الوفد، مشينا سوية في ردهات المطار، وفي دبي ترافقنا سوية إلى أحد المطاعم، ثم في الصباح توجهنا لطهران، وهنالك تآلف القلب وامتزج الدم بالدم، وتذكرنا عيمة، تلك القرية مسقط رأسينا في بطن الوادي شمال الطفيلة، كان صديقي أبو محمد يتحدث بطريقة عفوية، يضحك ملء جوارحه، وقلت في نفسي هل هذا هو يحيى الصلب.
يا صديقي لقد أدركتُ حقيقة لا جدال فيها: فبحجم صلابلتك، كنت تحمل في صدرك قلب طفل بريء، وأشهد أنك ما كنت يوماً تحمل في نفسك ضغينة، وأن مواقيت الغضب لديك لا تتعدى دقائق.
في طهران: التقينا بالكابتن الطيار عز الدين يحيى السعود، تفاجئتُ بوجوده هنالك، لكن أبو محمد أخبرني أنه يخدم بضعة أشهر مع إحدى شركات الطيران، حيث الاشتراط على المتدربين قطع مسافات طيران معينة في أكثر من دولة.
هنالك وجدتُ شاباً يشع بالذكاء، رحبّ بي وتعانقنا، وكان في شغف ليصطحبني في جولة، لكن كان لديه من قبل مهمة أخرى، فمنبع الأصل في عروقه كان يتدفق وهو يرحب بالوفد الأردني ويولم لهم طعام العشاء، يا لها من ليلة لا تنسى، كنتُ أنظر ليحيى الأب وهو فخور برجولة ابنه، ويقول دير بالك على ابن عمك.
ثم مشيتُ مع أبو محمد إلى الفندق وكان برفقتنا النائب السابق خميس عطية، ودار حديث كثير عن حي الطفايلة، ثم بدأ يسألني عن عمي سليمان على ما أذكر وخالي الطبيب العبد، وعن دار الندوة في حي الطفايلة تلك التي كان يتجالس فيها عدد من أبناء الحي، ويقول ضاحكاً (ما لقيتوا غير اسم دار الندوة، ويضحك هادراً بصوته، هاي سواليف حمودة حميد وعلي سليمان).
بعد أن انتهت أعمال المؤتمر: كان الكابتن عز الدين ينتظرنا بفارغ الصبر، في جولة أخيرة، ركبنا سوية، وإذ بصديقي أبو محمد يقف على بوابة الفندق، ويقول: وين رايحيين خذوني معكم يا محترمين، ركبنا ثلاثتنا، وأذكر أنني طلبت من الكابتن أن يعطيني الرقم السري لشبكة هاتفه على الانترنت كي أتمكن من إيصال هاتفي بالشبكة، قال حينها أبو محمد مخاطباً عز الدين: يابه أعطي حمزة اللي بده إياه، بلكن العكايلة تذكروا إنو اعطيناهم انترنت في إيران.
في اليوم الأخير حانت ساعة الوداع، عز الدين سيلتحق بعمله، نحن على وشك المغادرة، بينما أبو محمد يجلس في غرفته والجميع ينتظره، أذكر حينها أن النائب خميس عطية قال لي: شايف علاقتك مع يحيى كلها محبة في محبة، اذهب إلى غرفته فقد رأيت في عيونه الحزن على فراق ابنه.
وبالفعل صعدتُ إلى غرفته، ووجدته يجلس واضعاً يده على رأسه، قلت له: يا أبو محمد لن أمارس عليك التنظير والفلسفة، أدرك جيداً أنك حزين على وداع عز الدين، لكن نحن نتعلم منك الصلابة، في تلك اللحظة تحدث يحيى بنبرة غير معهودة كانت الدموع تسكن عينيه، وقال على ما أذكر: الحياة مؤلمة، والله عندي ولادي بالدنيا، كيف الحياة بتسرقنا من بعض، وأخذتُ بيده ثم كان الوداع، والعودة إلى عمان.
تحدثتُ بعدها مع خالي الدكتور عبد: سردتُ له خلاصة تجربتي بمحبة عن يحيى، وعن صفاته، وابتسم وقال لي: هكذا هو يحيى يأسر القلوب، ولم أشاهد في حياتي شخصاً مثله على قدر من التحمل والصبر.
أختم بالقول لمن لا يعرف: لقد كان يحيى رضي الوالدين، ويعرف هذا كل أهالي حي الطفايلة، ويروي أحد الممرضين أنه وصل المستشفى وهو ينطق بالشهادة، ولا أنسى في هذا المقام أن أشهد بشهادة أهل وجيران شقيقه الحاج عمر (أبو حمزة) بأنه كان أحد أعمدة مسجد البقاعي، هذا المسجد الذي ودع منه الناس عمر ويحيى، يحيى الذي عاش ورحل واضحاً في خصومته وصداقته.
وداعاً يا صديقي.. لقد رأيتُ بأم عينيّ رجالاً ونساءً وأطفالأً يبكونك من كل عشائر الطفيلة، فأنت لم تكن فقيد السعود وحدهم.. العزاء لنا جميعاً.