النسخة الكاملة

بلاغ حكومي كفيف..

الخميس-2020-10-26 10:37 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب- ابراهيم عبدالمجيد القيسي.

حين تتراكم التعقيدات، وتتناسل الأزمات، وتشعر الحكومات بالوحدة وانهيار الثقة، أو حتى حين ينتابها الحماس الشديد، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة أن تجترح إنجاز ما، تفقد الرؤية، وتصبح قراراتها من نوع Take Away ولدي هنا ما يسمى بلاغا حكوميا، اصدرته حكومة د هاني الملقي، ولم يتوفر فيه بعد نظر اعتدنا رؤيته في القرارات السياسية والإدارية حين تصدر على مستوى رئاسة وزراء.

البلاغ الحكومي رقم ١١ لعام ٢٠١٧، فيه ترجمة حرفية لتفريغ الدولة من كفاءاتها وخبراتها وعقولها ومهنييها الخبراء، وهي نزعة سيطرت على أجندات دولية تم توجيهها لدول وحكومات وطنية فيها، وعملت على شل قدراتها وإفقادها المقدرة على إدارة شؤونها العامة، وسقطت في شرك السوق وفلسفة الشركات والشراكات الخاسرة، ولا أعتقد أنه كان في ذهن أو وارد د.هاني الملقي مثل هذا البعد السيادي السياسي حين قام بإصدار مثل هذا البلاغ، الذي يحتوي عدة بنود، وأهمها بل أخطرها على موظفي القطاع العام هو المتعلق بحرمان الموظف الحكومي من تقديم خدماته وخبراته المهنية إلى مؤسسة حكومية أخرى، وهذه نزعة تجارية لا تجدها الا في اقتصاد السوق وعالم الشركات.

الدولة ومؤسساتها تنوء تحت وطأة قلة الموازنات، وتقشفت كثيرا حتى قبل الجائحة التي استنفدت كل شيء تقريبا، وانعكس شح مالها على موظفي القطاع العام، بإيقاف مكافآتهم الشهرية، التي تعتبر هي الراتب الفعلي الذي يتسلمه الموظف، فراتبه الرئيسي (مربوط) بالتزامات وقروض ..الخ، وحتى في نهاية عام ٢٠١٧ لم يكن الوضع مختلفا كثيرا عن بداية عام ٢٠٢٠ موعد انطلاق الجائحة وتداعياتها السيئة.

هناك نقص شديد في بعض الخبرات المهنية والعلمية، يعاني منه القطاع العام، كأطباء الإختصاص في وزارة الصحة مثلا، ومهن أخرى كثيرة، والسبب قلة الرواتب التي يقدمها القطاع العام مقارنة برواتب القطاع الخاص، الأمر الذي يدفع بوزارة الصحة أن تتعاقد مع أطباء من القطاع الخاص لمعالجة امراض ما وإجراء عمليات جراحية، وتدفع لهم لقاء خدماتهم، وحين يتم حرمان موظف حكومي اكتسب مهارة وخبرة في مجاله، من تقديم خدمته لمؤسسة حكومية مقابل مكافأة ضئيلة، فهذا يعني أن تتحمل المؤسسات أعباء مالية جديدة، حين تلجأ للقطاع الخاص، وتقوم بتعيين شخص يملك الخبرة ذاتها وربما أقل منها بكثير أو تتعاقد معه بعقد مؤقت، وتدفع له مكافأة كبيرة أو تعينه براتب فلكي، وهذا سيدفع موظفها الحكومي الذي يملك هذه الخبرة للخروج من القطاع العام، للعودة إليه ثانية بعقد فلكي، فأية رؤية وبعد نظر هذه!.

الطامة الكبرى تحدث حين يتم تصنيف هذا البلاغ بدرجة أعلى من قانون، كقانون الخدمة المدنية مثلا، وتتفرغ مؤسسات رقابية لمتابعة تطبيقه في مؤسسات بعينها وعلى أشخاص يتم انتقاؤهم من بين غيرهم في هذه المؤسسات، وهذه بطولة أخرى اجترحها فرسان نزاهة في حكومات سابقة، لا تملك إلا ان تدرجها ضمن التمييز بين الأردنيين والتفاوت في تطبيق القوانين عليهم.

أنا أكتب هذه المقالة وأنا أعلم تمام العلم بأن رئيس الوزراء الحالي رجل قانون، ولا يتأفف من الحديث المهني الموضوعي، ويملك قرارا وموقفا، وأعتقد بأن هذا البلاغ وغيره جدير بهبة قانونية حكومية تحسم الدجل والانتقائية، التي استمرأ سياسيون في السابق على استخدامها لمناكفات ونكايات وانتقاما من خصوم سياسيين ولتنفيع محاسيب..