النسخة الكاملة

كيف نستنصر لرسول الله

الخميس-2020-10-26 10:34 am
جفرا نيوز -
صل الله عليه وسلم
جفرا نيوز - بقلم: الدكتور ابراهيم العابد العبادي
الهجمة الفرنسية لم تكون الأولى ولن تكون الأخيرة، وان كانت الاساءة لنبينا وقدوتنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هذه المرة بقيادة الرئيس الفرنسي لتأخذ ابعاد سياسية وحضارية ودينية وعقائدية...الخ، وقد سبق فرنسا في ذلك دول عديدة وسيتبعها أخرون مستقبلاً لا محالة، وهو أمر مفروغ منه...فالقران دستوراً يصلح لكل زمان ومكان، فقد أورد في مواقع عديدة ظاهره الإساءة إلى الإسلام ورموزه على اختلاف دراجاتهم، كالأنبياء والرسول والعلماء وغيرهم، كما وثق القران العديد العديد من صنوف الإساءة اللفظية والفعلية منذ بدايات الاسلام، وحتى تاريخنا المعاصر والحاضر والمستقبل. ونورد بعض منها على سبيل التذكير لا الحصر، ومنها السلوكيات والافعال التي مارسها مشركو مكة ضد الرسول ( علية الصلاة والسلام)، وتعامل معها ورد عليها الرسول بمنتهى العقلانية والسكينة، فمثلاً... كان أمية بن خلف بن وهب إذا رأى الرسول (صلعم) بدأ بالهمز واللمز، فنزلت في حقه آيات (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)-(الهمزة:1)، وكذلك عندما جمع الرسول (صلعم) أهل مكة لدعوتهم للإسلام قال له أبو لهب (تبا لك ألهذا جمعتنا)، فنزلت فيه قوله تعالى ( تبت يدا أبى لهب وتب) -(المسد:1) ، كما أقر القران أن ظاهرة الإساءة إلى الدين ورموزه عملية مستمرة عبر التاريخ ...تتأكد من قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكلِّ نَبِيٍّ عَدوًّا مِنَ الْمجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)-( الفرقان:31)، لكن المولى عز وجل أقر على نفسه وفي محكم تنزيله أنه سبحانه سيحفظ الإسلام باعتباره الدين الخاتم، والقران باعتباره أخر الرسالات والكتب السماوية الى الارض، وقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة:3)، وهذه أكبر نعم الله تعالى على الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن. وفيما يتعلق بحفظ القران فقوله تعالى، ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، كما أشار إلى أن الله تعالى سيكفى رسوله (صلى الله عليه وسلم) المستهزئين ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ)(الحجر:95).
في ضوء ما تقدم علينا أن ندرك أن العداء للإسلام والمسلمين ورسولنا الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، يشكل نوع من الحرب التي تندرج ضمن اٌطر استراتيجية قائمة على جوانب تاريخية وسياسية واجتماعية نفسية للعنصرية ضد المسلمين، وتجمعت ضمن بوتقة مصطلح (الإسلاموفوبيا) ، بحيث يُظهر تناول الموضوع على أنه آراء موضوعية وشخصية، للتقليل من حقيقة المعاداة العنصرية. والا كيف يفسر عدم قدرة او استطاعة السياسيون في دول الغرب على تناول أو انتقاد اليهود واليهودية على سبيل المثال، كونهم مدركون وعلى معرفة تامة أن اعتراضهم او استهزاءهم او انتقادهم لليهود أو اليهودية بنفس الطريقة النقدية التي يُعامل بها المسلمون ستكون نتائجه انتهاء حياتهم السياسة الى غير رجعة، او لسنوات طويلة في حين تناول وذم الإسلام والمسلمين لا قيود عليه، ومّرد ذلك ضعف ووهن وخيبة وتبعية القيادات في دول العالم الاسلامي قاطبة من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها.
والسؤال الذي يطرح نفسه، وفي ظل هذا الواقع العالمي المتكالب والمتألب على الأمة الاسلامية، كيف نستنصر للإسلام ولرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؟؟... والجواب لا يتوقف عند حد أو وسيلة بعينها، بقدر وجود واعتماد آليات تتسم بالعقل والمنطق ومنها:
1- تطبيق سنة الرسول (صلعم)، وهذا يقود الى الخروج من اطار الرد النظري القائم على الكلام والتعابير اللفظية ذات التأثير اللحظي، والانتقال مباشرة الى الرد العملي المتمثل في حُسن الالتزام بمفاهيم وقيم وقواعد الدين من مصادرها الأساسية ( الكتاب والسنة).
2- تبليغ رسالة الاسلام- تثقيف وتدريب الشعوب في العالم الاسلامي على تجاوز وعدم الوقوع في مطبات الأساليب الخاطئة، وهذا لا يعني بالضرورة حظر ردود الافعال للشعوب أو إدانتها، بل توظيف ذلك وتحويلها من الشكل التلقائي إلى الشكل المنظم المؤثر. ولتكون رسالة العالم الاسلامي للعالم أجمع ( ان الإساءة إلى الإسلام ورموزه يرتبط بأبعاد متفاعلة " دينة، سياسية وحضارية وثقافية".
3- استخدام أمثل للإعلام- أهمية حسن توظيف التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصال والاعلام لإعادة التعريف بالإسلام ورموزه، وبشكل مكثف ووفق أسس وأساليب البحث العلمي المنطقي، وكذلك التوجه نحو ترجمة الفكر والحضارة الاسلامية والى مختلف اللغات الحية والدولية. فالإعلام المتزن المسؤول هو الحل الصحيح لمحاربة والتصدي لمختلف الجبهات والحملات والادعاءات التي تحاول النيل من الاسلام ورسولنا الحبيب محمد (صلعم)، مع أهمية التخلص من الاعلام المأجور الضعيف وخاصة في المجتمع العربي.
4- الدبلوماسية القانونية الدولية- أهمية تكفل الحكومات والجهات السياسية عبر القنوات الدبلوماسية، ومن خلال منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الفكرية الاسلامية والانسانية، باستخدام الوسائل القانونية، والاستناد إلى القوانين والاعراف الدولية التي تجرم الإساءة إلى معتقدات الآخرين والعنصرية والكراهية في الغرب ومختلف ارجاء المعمورة.
5- التعبير السلمي بالحجة والبرهان- استخدام كافه أدوات ووسائل التعبير السلمية، والرد على الأعمال المسيئة ودحضها بالحجة والبرهان انطلاقاً من النصوص الدينية الواردة بالقران والسنة النبوية بالدرجة الاولى، وما يتوافق معها بالمصادر المعتمدة.
6- العمل الممنهج المستدام- أن تصبح نصرة الرسول صلى الله علية وسلم ليس مجرد ردة فعل آنية او قصيرة المدى او نشاطا عابرا أو مناسبة طارئة سرعان ما تنتهي او يتم تجاوز وتيرتها، بل هي واجب مقدس ينبغي أن يشارك فيه كل مسلم ومن موقعه وبحدود إمكانياته، ليشكل منهجية عمل مستدامة.
7- الانتاجية مقابل المقاطعة- نشهد ونسمع في كل حادثة الدعوات لمقاطعة منتجات دولة ما.. ولهذا الأمر أهمية نسبية قليلة التأثير، كونها مؤقتة وطارئة من جانب، ولوجود بدائل تستطيع تلك الدول اعتمادها واتباعها لتسويق منتجاتها تحت مسميات وضمن نطاق دول أخرى، إلا أن الوسيلة الناجعة تكون في القدرة على التصنيع المحلي وزيادة الانتاجية وتحسين جودة المنتج ليكون منافساً وبديلاً حقيقاً محلياً وخارجياً، اضافة الى كون العمل عبادة ترضي الله سبحانه وتعالى وتحقق السنن النبوية.
8- تفعيل المؤسسات والمراكز الفكرية الاسلامية- للأسف ما زالت آليات ووسائل وغايات مؤسساتنا ومراكزنا الفكرية الإسلامية عقيمة هشة وضعيفة وخجلة، ولم تستطع ايجاد موقع قدم لها عبر مواقع المنظمات العالمية ذات الأثر، كما لم تتمكن من الوصول الى المجتمعات التي تجهل الكثير من شعوبها وأفرادها قّيم ومرتكزات وقواعد عظمة الدين والفكر الاسلامي القائم على مضامين وأبعاد الانسانية والرحمة، وكذلك مدى عظمة رسولنا الكريم سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم»، خاتم المرسلين، اذ يتطلب هذا الوصول الى جهود كبيرة ومتابعة حثيثة مدعمة بالعلم والمعرفة العميقة والمصداقية والتحليل المنطقي والوقوف ضد الاقوال والافعال والادعاءات الزائفة والمغرضة التي يحاول البعض افراداً وجهات تصيدها للإسلام والمسلمين.
9- اعتماد المنهج الثقافي المرئي والمسموع المستدام- من الأهمية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والتقدم التكنولوجي السعي بشكل اكثر عمقاً وانتشاراً التوجه نحو انتاج افلام ثقافية وروائية قصيرة وهادفة باللغة العربية ومترجمة الى مختلف اللغات الحية والدولية، تتناول سيرة الرسول واعماله وافعاله، والمشاركة فيها ضمن المسابقات المهرجانات الثقافية الدولية والعالمية، ومن خلال المراكز الإسلامية وغيرها عبر دول العالم وفق سياسة ورؤية واضحة ومخطط لها بعناية، وبأشراف جهات رسمية ذات مصداقية وقبول، وبشكل مستدام.
10- إدراك وجود فكر ومنهج معادي للإسلام- من الأهمية أن تكون الصورة واضحة وجلية، امام مختلف فئات المجتمع المسلم، وخاصة فئات صغار السن والاطفال والشباب، أن هناك جهات منظمة ومؤسسات وقيادات عنصرية تظهر عداء واضحاً للإسلام وللرسول الاعظم سيدنا محمد (صلعم)، وتعمل هذه الجهات على استغلال كافة الفرص للنيل من الاسلام، من خلال التركيز على قضايا ومصطلحات منها الانعزالية الاسلامية، والاسلاموفوبيا، والتطرف والميل للعنف، ...الخ، وذلك أمر متوقع من حملة الفكر الاستعماري العدائي، يهدف الى تحقيق مكاسب سياسية والاستمرار في قيادة الحكومات والوصول الى الحكم، وارضاء المؤسسة الصهيونية، وصنع السياسات، والمتحكمين بأسواق المال العالمية والاقتصاد الدولي، وينبغي ان نكون لهم بالمرصاد، وان نربّي نشئنا على الفضيلة والعقل والمنطق والانفتاح المتزن وفق احكام الشريعة والفكر الاسلامي الصحيح.
ختاماً، يرى البعض ويدفع بقوة نحو المزيد من المسيرات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية والخطابات التي ينظمها المسلمون وبعض رواد الوعظ النظري في العمل الاسلامي، للرد على الإساءة إلى رسولنا الحبيب (صلعم)، فإنها وإن كانت تٌّعبر نسبياً عن غضب المسلمين على المسيئين إلى الرسول الكريم، إلا أنها لا تنتج أثراً مباشراً في وقف الإساءة إلى الرسول محمد عليه أفضل الصلام والسلام، والادلة كثيرة وشاهدة تمتد منذ اكثر من الف واربعمائة عام وما زالت مستمرة، ولكن الله لهم بالمرصاد وهو خير الحافظين.