النسخة الكاملة

مجلس وطني لحماية الأمن والسلم المجتمعي

الخميس-2020-10-20 01:50 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب - د. هزاع عبد العزيز المجالي 
إن الحديث عن الجريمة البشعة في مدينة الزرقاء بحق فتى صغير لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره, والتي هزت وجدان وضمير كل الأردنيين, باعتبارها حالة شاذة من جرائم الانتقام, لا يوجد وصف لألفاظ أو كلمات يمكن أن يوصف بها مرتكبو هذه الجريمة, لما فيها من إنحطاط للقيم والأخلاق الإنسانية. يقال إن الاعتراف بالمشكلة نصف الحل, فربما صحيح أن مثل تلك العصابات لا ترتقي بافعالها بهذه الجريمة الى مستوى الجريمة المنظمة, ولكنها مقدمة لما يعرف بعصابات (الاتوات), وهي منتشرة على الأغلب في المناطق الشعبية, بالإضافة الى ما ترتكبه تلك العصابات من جرائم أخرى مثل المخدرات والسرقة، فهي تفرض مبالغ مالية على تجار المنطقة التي يعيشون بها بالقوة, مقابل السماح لهم بالعمل و حمايتهم تحت طائلة الانتقام بالتكسير وحرق المحلات. والأهم أن هناك تفاهما أو إتفاقا ضمنيا أو معلنا فيما بين تلك العصابات, يحدد بموجبها مناطق نفوذ كل منهم, بل ويتم فيما بينهم تبادل للخدمات الجرمية، كما لوحظ بالآونة الأخيرة أن هناك ارتفاعا بأعداد المنضوين لتلك العصابات مما يجعل من صاحب أي شكوى عرضة للانتقام من باقي أفراد العصابة.

لقد تعددت وتشعبت أعمال تلك العصابات, حتى أصبحت ُتستخدم من قبل البعض, مقابلا ماديا لتحصيل الديون أو خدمات أو الانتقام الناجم عن الخلافات العائلية. والمضحك أن هناك فئة لا تلجأ للقضاء في كثير من القضايا مثل: تحصيل الديون والشيكات أو إخلاء المأجور أو غيرها من الخلافات الشخصية, باللجوء الى هؤلاء الزعران لتحصيل حقوقهم مقابل نسبة مالية. وفي المقابل فإن عمل وتحرك الأجهزة الأمنية مرتبط بضوابط تشريعية وقانونية تحكم عملها, فلا يمكن التحرك وإلقاء القبض عليهم دون وجود شكوى رسمية, وكما نعلم الأردن ملتزم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية المتخصصة المتعلقة بحقوق الإنسان تجعل من أي إجراء خارج حدود القانون تعديا على حقوقهم الشخصية, و تصنيف الأردن بأنها دولة لا تحترم الحريات وحقوق الإنسان.

إذن المطلوب لحل هذه المعضلة المواءمة بين المحافظة على الأمن والسلم المجتمعي, ومن جهة أخرى السيطرة ومنع انتشار واتساع هذا النوع من الجرائم، والأهم إعادة النظر في شكل ومحتوى المنظومة التي تتعامل مع الجرائم المجتمعية, على المستوى الرسمي والشعبي بتوحيد الجهود المشتركة لكافة مؤسسات الدولة المعنية, بإنشاء مجلس وطني يطلق عليه (المجلس الوطني لحماية الأمن والسلم المجتمعي), على أن يُمثل بالمجلس بكافة الجهات الرسمية ذات العلاقة مثل: وزارة الداخلية, العدل، التنمية الاجتماعية، «التربية» و"التعليم العالي", الأوقاف،الثقافة, المركز الوطني لحقوق الإنسان, وغيرها من المؤسسات المعنية بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني, وذلك لتقييم المرحلة السابقة, وتحديد نقاط الضعف والخلل ووضع الخطط والبرامج لمعالجة المشكلة بصفة جذرية. والأهم أن ينبثق عن المجلس لجنة مختصة تضم كبار الفقهاء والقانونيين والقضاة السابقين تتعاون مع الجهات القضائية, لإعادة النظر بالتشريعات والقوانين التي تسهم وتحد من هذه الظاهرة.

مستشار قانوني وأستاذ القانون الدولي العام