النسخة الكاملة

المصري : الكورونا كشفت كم هو اقتصادنا هش، والزراعة منسيّة وتراكم مشاكل الشباب تتجاوز معضلة البطالة

الخميس-2020-09-07 12:05 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز يعتقد رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري أن واحدة من المفارقات الكشّافة، هي اننا انتظرنا أطول من اللازم لنكتشف مطارح ضعفنا البنيوي وأوجاعنا الكثيرة.. إلى ان اجتاحتنا الجائحة ووضعتنا في مواجهة الحقائق الصعبة التي كانت تّخفيها الدولة الريعية.. ونتواطأ معها في ذلك.
فقد كشفت الكورونا كم هو اقتصادنا هش، وكم هي عاداتنا الاجتماعية مسممة بما طرأ عليها في السنوات الماضية من استعراض مكلف، وكم ان ثروة وطنية هائلة كالزراعة منسيّة، وكم أن مشاكل الشباب تتجاوز معضلة البطالة وكيف ان الوظيفة أضحت مظنّة.
كما كشفت الكورونا ان دورة الحياة اليومية للمواطن الأردني محكومة للركض السريع الذي يقطع الانفاس ولا يترك مجالا كافيا للانسانيات التي أجبره الحجر المنزلي أن يعيد اكتشافها.
طاهر المصري ربما كان رجل الدولة الوحيد الذي يقبل أن يتحدث عن الكورونا بهذه الاحاطة والاطالة فهو يرى الجائحة من زاوية التحدي القسري الذي أجبر الجميع، دولة ومؤسسات ومواطنين،على اعادة برمجة الذات، بعد أن رهّلتها البيروقراطية وجعلتها تّعاند التغيير والاصلاح.
شكرا للكورونا إذ جعلت طاهر المصري يتحدث بعيدا عن السياسة بالذي يوجع، وهو كثير.
لكم ملاحظة عالية الصوت تشكو من ان الثقافة الأردنية مبنية من طوب الاعتماد على الدولة.. لعله نفسه الذي يسمونه الدولة الرعوية. وبعد فترة قصيرة من تلك المقولة، جاءت جائحة الكورونا مصحوبة عالميا بنظريات طبية وعلمية تطالب بتنفيذ نظرية القطيع في العلاج.. كل دول العالم وضعت، بدرجة وبأخرى، أحرازا لمفهوم الراعي والرعية، كعلاقة بنيوية بين الدول والمواطن، لكننا عشنا في الأردن هذه المعادلة بدرجة احتفالية عالية:
في السابق كانت بلادنا منشأة حديثا في بداية تأسيسها عام 1921، مطالع عشرينات القرن الماضي حيث كان طبيعيا أن تقوم الدولة بدور كبير فيما يتعلق بمعيشة الناس وترتيب أمورهم الأخرى مثل التعليم والصحة وغيرهما.
بعد ذلك نما الأردن وتوسع وأصبح بلدا رئيسيا في المنطقة حيث بلغ عدد سكاننا الآن ما يقارب 10 ملايين موزعين في كافة أنحاء المملكة، وأصبحت هناك ثروات وآليات تنمية. وبسبب موقع الأردن من القضية الفلسطينية ومسؤولياته تجاهها، حصل على مساعدات عربية من مؤتمرات القمة وأخرى عينية من دول أوروبية كثيرة. ذهب مواطنونا إلى الخليج وأبدعوا وكونوا ثروات، فبدأ التحول التدريجي من الرعوية التي كنا بحاجة لها لقلة الموارد، إلى بداية تكوين القطاع الخاص الذي جاء مع زيادة التعليم والوعي فبدأ التحول نحو القطاع الخاص.
في هذه الأثناء أيضاً نما في العالم كله قطاع مؤسسات المجتمع المدني. مع تطور السكان والوعي والتعليم أصبح بحاجة إلى المجتمع نفسه ليؤدي حاجاته ويقوم بمهامه المجتمعية، وأصبحت مؤسسات المجتمع المدني أساسية في العالم، وانتقل هذا الأمر لدينا ولكن بأسلوب ضعيف.
حصل ذلك في موضوع حماية المستهلك، على سبيل المثال. وهناك جمعيات خيرية تساعد فقراء، وأنا أساعد في كثير منها، وهي تعتمد على الأفراد وليس على الحكومات.
وفي نفس الوقت لم تنته مسؤولية الحكومة في جوانب أخرى، على سبيل المثال لدينا صندوق المعونة الوطنية، التأمين الصحي، التعليم المجاني، وكلها من مهام الحكومة، فأصبح هناك تزاوج واقتسام في المسؤولية. كلما قوي المجتمع المدني وأصبح القطاع الخاص قويا أيضا، تراجع دور الحكومة في إدارة البلاد ليتجه دورها الى تنيظم حياة المجتمع وفتح الآفاق أمامه وأمام الحكومة نفسها لتطوير البلد ورفع مستوى معيشة المواطن.
لا يوجد تناقض إطلاقاً بين ما قلته سابقاً وما أقوله الآن حسب سؤالك.  وخلال أزمة الكورونا ثبت أن القطاع الخاص له أهمية في البلد، ليس فقط القطاع العام هو الذي أدار الأمر. خلال العقود العشرة الماضية ظهر نشاط وديناميكية الفرد الأردني وأصبح نفس القطاع الخاص ديناميكيا أيضاً، وهذا تطور طبيعي وانا مقتنع بهذا الكلام، ومقتنع بضرورة تقوية القطاع الخاص وتقليص دور الحكومة.  
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير