العراق يواجه كورونا بخزينة خاوية ونظام صحي متدهور
الخميس-2020-08-21 09:43 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - منذ ظهور أول حالة إصابة بـ”كوفيد-19″ في العراق في أواخر شباط (فبراير) 2020، واستمرار حالات الإصابة خلال الصيف، كافحت الدولة العراقية للتعامل مع الاقتصاد الراكد، والاضطرابات السياسية، وانقسام الرأي العام. وعلى الرغم من المحاولات المبكرة لإبطاء انتشار الفيروس، تسببت العلاقة المتوترة بين الشعب العراقي وحكومته في مشاكل للجهات الحكومية وعززت انتشار الوباء في البلاد.
حتى الآن، كان التعاون الشعبي مع الحكومة محدوداً، ففي حين تعاطى الكثير من سكان مراكز المدن مع تفشي الوباء بجدية، والتزموا بإجراءات الوقاية والسلامة التي أقرتها وزارة الصحة، فإن هؤلاء يظلون الفئة الأقل عددا بين السكان. أما الفئة الأكثر شيوعاً فهي تلك التي تقطن في أطراف المدن والمناطق الريفية، والتي تنكر وجود الوباء، أو تؤمن بنظرية المؤامرة، أو تسخر من الإجراءات الوقائية، أو تخرج بتأويلات ومبررات دينية أو غيبية تعزز إنكارها.
أدت هذه التوجهات الشعبية، إلى جانب انعدام الثقة في الحكومة والمشاكل الاقتصادية، إلى الحد من نجاح الجهود العراقية للتعامل مع تفشي الوباء، ما يساعد على تفسير تزايد عدد الحالات خلال فترة الصيف، من دون وجود أي بوادر للتراجع.
جهود مبكرة تحت إشراف مسؤولي الصحة
أبلغ العراق عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 24 شباط (فبراير) 2020 في مدينة النجف الأشرف. وبعد ثلاثة أيام من ظهور هذه الحالة، أبلغت بغداد عن أول حالة فيها. وفي الرابع من آذار (مارس)، شهدت البلاد أول حالة وفاة بفيروس كورونا في إقليم كردستان.
وعندئذٍ، كان على وزير الصحة العراقي أن يقوم بدوره، وهو ما حصل، فقد كان الوزير الطبيب جعفر صادق علاوي، الأكثر نشاطاً من بين الوزراء واستطاع قيادة الدولة وكسب احترام جزء من الشارع العراقي الغاضب، ربما لخبرته الطويلة باعتباره أنه كان واحداً من أشهر الأطباء العراقيين المقيمين في بريطانيا، وتمكن هذا الوزير من توظيف خبرته وعلاقاته وقام بتشكيل فريق متخصص لمواجه الوباء، ودفع الحكومة الى القيام بإجراءات مبكرة للوقاية من الجائحة، على الرغم من أن هذه الإجراءات قوبلت من الناس بالاستهزاء والرفض في بداية الأمر.
كانت إجراءات الوزير مبكرة؛ ففي 28 كانون الثاني (يناير) 2020 أعلنت وزارة الصحة العراقية اتخاذ إجراءات وقائية لمنع وصول فيروس كورونا إلى العراق، واعتمدت تدابير احترازية في منافذ العراق الحدودية تحسباً لأي إصابات محتملة، كما ناشدت وزارة الصحة الزعامات الدينية بالحد من التجمعات الدينية. وبعد أسبوعين من تلك الإجراءات وبعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا قد أصبح وباءً عالميًّا، اتخذت اللجنة الحكومية المختصة برئاسة وزير الصحة العراقي إجراءات إضافية، منها منع التجمعات الدينية والاجتماعية وإغلاق المطاعم.
لكن هذه الإجراءات التي اتخذها الوزير لم تنجح في منع دخول الجائحة للعراق، بسبب إخفاق الحكومة في إدارة ملف العراقيين العائدين من الخارج، ولم تفلح الجهات الصحية في السيطرة على المنافذ الحدودية للعراق، ولم تتمكن الأجهزة الإعلامية العراقية من إقناع المواطنين بتطبيق إجراءات الوقاية والسلامة.
لذلك حاولت الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وجدية، ففي 26 آذار (مارس) 2020، قرر مجلس الوزراء العراقي تشكيل لجنة عليا للصحة والسلامة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء العراقي، واعتبارها الجهة العليا المعنية بمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد في العراق، إضافة الى اللجنة التي يترأسها وزير الصحة.
فشل حكومي وانعدام ثقة عام
ظهرت جائحة كورونا والعراق يعيش أخطر أزمة سياسية منذ نيسان (أبريل) 2003 حيث الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات الكبرى والتصادمات مع عناصر مكافحة الشغب وسقوط عشرات الضحايا، وما رافق هذه التطورات من غضب شعبي وتوتر أمني وتوقف الكثير من الأنشطة التجارية في قلب العاصمة بغداد.
لهذا دق خطر الجائحة أبواب العراق في ظل ظروف سياسية معقدة، ضاعف تعقيدها انهيار أسعار البترول وانكشاف الاقتصاد العراقي الذي يعتمد النفط كمصدر أساس لتمويل كل عمليات الإنفاق التي تخص الدولة العراقية، التي بدت أكثر ضعفاً من أي وقت سابق نتيجة تدهور الاقتصاد، وتراجع المستوى المعيشي، وهيمنة الأحزاب وقوى خارجية على القرار السياسي. كما أن الحكومة العراقية كانت مستقيلة، ومتقاطعة مع الشارع، وتمارس صلاحيات تصريف الأعمال، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي اختار لنفسه (الغياب الطوعي) عن إدارة الدولة، استجابة لمطالب الشارع العراقي.
انعكست القطيعة بين الشارع والحكومة في العراق على الإجراءات الحكومية الهادفة الى الحد من انتشار الفيروس، فلم يكن المواطن العراقي يتفاعل مع تعليمات وزارة الصحة، والأسباب كثيرة أهمها أن الجزء الأكبر من الشعب العراقي لا يملك الثقة الكاملة بمؤسسات الدولة. والأدهى من ذلك أن هناك من شكك في وجود الفيروس بالأساس، أو اتهم الحكومة بالمبالغة في الإجراءات، لغرض فرض حظر التجوال وإحكام السيطرة على الشارع العراقي المنفلت أصلاً.
وهناك عامل مهم هو عدم تمكن الحكومة العراقية من معالجة الآثار المعيشية والاقتصادية الناتجة عن الإجراءات الحكومية لتقييد حركة المواطنين للحد من تأثير الجائحة، التي سببت الضرر الكبير لأصحاب المهن والمصالح الحرة، وأوقفت أرزاق الكثير من العمال الذين يكسبون قوتهم من عملهم اليومي، وأصبح المواطن العراقي أمام ضغط مزدوج هو الجائحة والحالة المعيشية، لذلك استمر تجاهل الإجراءات والتعليمات الحكومية خلال الأشهر الأولى لانتشار الفيروس، وذلك على الرغم من ارتفاع معدلات الإصابة وانتشار الأخبار عن كوارث تجتاح دولاً أخرى -خاصة إيران المجاورة.
مع استمرار ارتفاع الحالات،
العراق يسعى إلى التوجيه
في 6 أيار (مايو)، صوت البرلمان بالثقة للحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي مع تغيير وزير الصحة الذي قاد الجهد الحكومي منذ بداية ظهور الجائحة بوزير جديد أقل خبرة، وهو إجراء أثار الجدل داخل العراق.
وفي شهر حزيران (يونيو)، أصبحت الأمور أكثر جدية؛ بات الخطر واضحا، والكارثة أخذت ترعب أغلبية الجماهير العراقية، حتى تلك التي كانت تشكك بوجود وخطورة تلك الجائحة. ففي 5 حزيران (يونيو) 2020 تخطى العراق حاجز 1.000 إصابة يوميا بعد أن أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 1.006 حالة جديدة في ذلك اليوم. احتاج هذا الوباء من العراقيين ثلاثة أشهر ليتجاوز حاجز الألف إصابة يومياً، لكنه في شهر واحد انتقل من 1.000 إلى 2.000 إصابة في اليوم. ومن المتوقع أن يستمر هذا العدد في الارتفاع، حيث تجاوز عدد الحالات اليومية أحيانًا 3.000 في أواخر تموز (يوليو) وأوائل آب (أغسطس).
وفي حين شاهد العراقيون ارتفاع أعداد الإصابات، ورأوا أيضًا تأثير الفيروس في الداخل وبين بعض الشخصيات العامة المحببة لهم في البلاد، فمن بين المتوفين جراء الفيروس كان هناك رياضيون وإعلاميون وفنانون وأعضاء في البرلمان والنجم الدولي الأكثر شهرة في العراق، أحمد راضي، الذي فجعت وفاته العراقيين بمختلف مستوياتهم.
ويحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وحكومته وفريقه المتخصص إيقاف الصعود المرعب في معدلات الإصابة باستخدام شتى الوسائل، لكن الأمر ليس باليسير والخيارات صعبة. ففي الوقت الذي توقع فيه الناس قيام حكومة الكاظمي بفرض حظر شامل للتجوال، أقدمت الحكومة على تغيير تكتيكاتها باتخاذ استراتيجية جديدة، هي حظر التجمعات والسماح بالتجوال، مع ترسيخ مفهوم التباعد الاجتماعي والالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة.
على الرغم من إعلان الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الحكومة في 6 أيار (مايو) 2020 أن مواجهة وباء كورونا من أولى أولويات حكومته، إلا أنه لن يتمكن من إيقاف التدهور في الخدمات الصحية. كما أدى عجز المؤسسات الحكومية، والإهمال، والفساد، وأنظمة الرعاية الصحية غير الملائمة، والاضطرابات السياسية الى امتناع معظم العراقيين المصابين عن التوجه إلى المستشفيات الحكومية واختيارهم الحجر المنزلي كوسيلة وحيدة للنجاة، وأصبح الشارع العراقي ينظر الى مستشفيات الدولة على أنها أماكن موبوءة تضاعف الخطورة.
وعلى الرغم من خطاب رئيس الوزراء الجديد الذي وعد بتسخير كل الجهد الحكومي والشعبي لمواجهة الجائحة، لم يلمس الشعب العراقي وجود استراتيجية أو خطة واضحة للمواجهة، وتبدو الأمور متجهة إلى مناعة القطيع، وصاروا يواجهون مستقبلاً غير مريح وغامض مع استمرار تفشي الفيروس.
لذلك، أصبح أمام العراقيين خيار التعايش مع الوباء، والاتجاه نحو مناعة قطيع، أو التعاون من أجل إيقاف الصعود المرعب لأعداد الإصابات ونسبة الوفيات من خلال تقييد أنفسهم بالالتزام الشديد بإجراءات الوقاية، وهذا مرهون بدعم الحكومة والدعم الدولي واحتمال ظهور لقاحات أو أدوية تغير نتيجة المعادلة. ولكن، في كل الأحوال يبدو أن شهر آب (أغسطس) هو الأكثر حسماً في تحديد هوية المنتصر، هل هو كورونا أم العراقيون.