النسخة الكاملة

30 سنة ديموقراطية

الخميس-2020-08-04
جفرا نيوز - جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
قبل ثلاثة عقود وفي عام 1989 بالتحديد أشرقت شمس الديموقراطية مجدداً على ربوع الوطن بعد توقف قسري دام سنوات طوال، ثمانون نائباً أفرزتهم الإرادة الشعبية ليشكلوا مجلس النواب الحادي عشر، الذي ضم طيفاً واسعاً من القوى، إسلاميون وشيوعيون وقوميون ووجوه عشائرية معروفة ورجال دولة متمرسون، شخصيات وطنية من طراز رفيع من أمثال طاهر المصري، ذوقان الهنداوي، عبد اللطيف عربيات، عبد الرؤوف الروابدة، ليث شبيلات، عبد الكريم الكباريتي، حسين مجلي، عبد الله النسور، سليمان عرار، عيسى المدانات، يوسف العظم وغيرهم، اجتمعت تحت قبة البرلمان لتشكل مجلساً مَثّلَ علامةً فارقة في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية، مجلس وقفت أمامه حكومة السيد مضر بدران وجلة متهيبة تطلب الثقة، لتحصل عليها بشق الأنفس وبعد أن تعهدت بتلبية الغالبية العظمى من طلبات النواب، حتى التعجيزية منها وغير القابلة للتنفيذ.
انتهت مدة برلمان 1989 والذي كان من المؤمل أن يشكل تأسيساً لحياة برلمانية متطورة، تمثل الإرادة الشعبية الحرة وتعكس مشاركة حقيقية من المواطنين في حكم أنفسهم وصولاً إلى حكومات برلمانية تستند إلى أحزاب سياسية ناضجة تتبنى آمال الناس وطموحاتهم لتحقيق الحياة الحرة الكريمة وللنهوض بالوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، إلا أن نظرة متفحصة للأمور بعد إنقضاء ثلاثة عقود وبعد مرور مياه كثيرة من تحت جسور أقيم كثير منها على عجل، تبين أن أي تقدم لم يحصل في هذا المجال، لا بل أن تراجعات كثيرة تم تسجيلها منذ ذلك التاريخ، فالأحزاب في غالبيتها العظمى شكلية ولا تأثير يذكر لها، وخيار الحكومات البرلمانية أضحى حلماً بعيد المنال، والرضا الشعبي عن مجالس النواب في أدنى مستوياته، فمن ننتخبهم اليوم ونحملهم فوق الأعناق إلى قبة البرلمان، نلاحقهم باللعنات غداً ونطالب برحيلهم، والمنظمات السياسية والحزبية غابت واختفت لصالح مؤسسة العائلة / العشيرة / القبيلة، مما فتح الباب على مصراعيه للمال السياسي لِتَسَيِد الموقف، فلا مكان في المجلس التشريعي إلا للأغنياء والمقاولين وكبار التجار، ولا عزاء للفقراء ومتوسطي الحال، أما بشأن البيئة الناظمة للعملية الإنتخابية برمتها ففيها من التخبط والإرتجال الشيء الكثير، فالصوت الواحد ما زال عقبة في طريق الديموقراطية، ولا استقرار تشريعي في قوانين الإنتخاب فمن الدوائر الوهمية إلى القوائم الوطنية إلى القوائم النسبية، كما أن أعداد النواب في تغير مستمر فمن (80) إلى (110) إلى (120) إلى (150) ثم إلى (130) نائباً ولا نعلم ماذا تخبىء الأيام القادمة من مفاجآت أو "اختراعات" مذهلة في هذا المجال
إن العملية الديموقراطية ليست مجرد تمرين لإلهاء الناس أو تسليتهم، ولا تهدف إلى "تحريك" السوق من خلال الملايين التي ينفقها المرشحون على حملاتهم الإنتخابية، إنها المشاركة في الحكم بغية تحقيق العدالة وإرساء ركائز الحكم الرشيد بما يقود إلى التنمية وتحقيق التقدم والرفاه للشعوب، لذا يحق لنا أن نتساءل عما حققته مجالس النواب المنتخبة لدينا من هذه الأهداف عبر أكثر من ثلاثين عاماً من الحقبة الديموقراطية انتجت ثمانية مجالس وتاسعهم سيأتي بعد صيف، ألم تكن هذه المجالس شاهداً على تضاعف مديونية البلد من مليارات قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة إلى عشرات المليارات، ألم تٌشَّرع هذه المجالس إنشاء عشرات من الهيئات والمؤسسات المستقلة التي أضحت عبئاً هائلاً على المجتمع والإقتصاد، ماذا عن معدلات الفقر المتزايدة سنة إثر أخرى، وماذا عن إرساء أسس العدالة في التعيينات والوظائف، ثم ماذا عن العجز المتزايد في موازنات الدولة التي لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة النواب ومباركتهم 
لا بديل عن الخيار الديموقراطي الحقيقي إذا أريد للوطن أن يعبر نحو العافية والتقدم بثقة وأمل، هذه ليست مداخلة لزرع القنوط والإحباط والعراقيل في درب قطار الإنتخابات الذي انطلق بصدور الامر الملكي بإجراء الإنتخابات النيابية هذا العام، والذي سيصل بإذن الله إلى محطته النهائية بعد نحو مائة يوم، وإنما دعوة للمراجعة واستخلاص الدروس والعبر، وإتخاذ ما يلزم من الإجراءات وضمن ما يسمح به الوقت المتاح، للتغلب على كافة المعيقات التي أفقدت العملية الديموقراطية مضمونها ومحتواها، والمسؤولية هنا جماعية بامتياز بدءا من المواطن العادي مروراً بالأطر السياسية والإجتماعية وانتهاءا بالحكومة والهيئة المستقلة للإنتخابات، فغياب المجالس النيابية وتعطيل الحياة البرلمانية أفضل كثيراً من مجالس لا تمارس دورها بكفاءة وفاعلية.
حفظ الله الوطن وأهله الطيبين وجنبهم كل مكروه.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير