النسخة الكاملة

هبوب الجنوب يكتب : ياحمام الدوح

الإثنين-2020-03-09 01:27 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - خاص - كتب –هبوب الجنوب
هل يعرف الرئيس حمام الدوح ؟ ذاك السؤال ليس في معرض النقد أو الإستهزاء بل هو في معرض التوطئة لما سيأتي , أظنه لايعرف حمام الدوح ..ولكنه في الموروث الشعبي العربي , هو الأكثر نداء والأكثر حضورا من قبل الشعراء ..هو الحمام الذي يأتي على غفلة ويتسلل في أطراف (الدوح ) أي بيت الشعر , ويبدأ بالهديل ..وهو ليس بالهديل بل ( ونين) ..وينفذ لقلب العاشق , ومع (ونة) الحمام تلك ..ينساب الشعر من القلب , كأن (هديله) هو المفتاح للحزن والبوح والنجوى والعذاب .. ياحمام الدوح ...ومؤخرا خصه الشاعر العراقي (عباس جيجان) بقصيدة كاملة فيما بعد صارت أغنية مرتبطة بالحزن , ينثرها العراقي في معاركه واغترابه ..ويقول مطلعها : ( ياحمام الدوح وشمالك تون ..وانت ربع اللي أونه ونيته مش انت بس يمر بيك الحزن اني حزني من الصغر ربيته ) الأردن صار يشبه بيت الشعر , ونحن الجالسون في أطرافه , ليس لنا شغل سوى (الونين) ..الفيس بوك صار شكوى وتعب , والمواقع الإخبارية صارت بلوى تتلوها بلوى , والناس في مأزق انهيار المعنوية , وما من رحيل لهديل الحمام ..وما من بارقة تحمل فرحا .. حين تمر أي دولة في أزمة , تلجأ فورا إلى مانسميه رفع المعنويات ..أكاديميا يسمونه الشحن المعنوي أو تعبئة الجماهير , وحتى تجيد هذا الفن عليك أن تفهم التاريخ الإجتماعي للناس , وتوظف الموروث الشعبي والأغنية والخطاب الإعلامي في رفع هذه الروح ...ترى من يجيد هذه اللعبة في الحكومة ؟..سامي الداوود مثلا أم موسى المعايطة ؟ ..من يجيد الوقوف على مايكريفون ويستفز شعور الناس اتجاه الوطن ..ويستنهض المعنويات , لا أحد بالطبع ... وتلك هي خطيئة هذه الحكومة , أنها لم تراعي هذا الجانب في خطابها ..هي أشبه (بونين الحمام) الذي يزيد حزنك حزنا , ويحرق قلبك فوق احتراقه .. ذات يوم في العام (89) قدم مضر بدران خطابا , في مجلس النواب ..ردا على هجوم الإخوان , واستطاع أن يجعل الكراسي تصمت قبل الألسن , لدرجة أن هذا الخطاب درس في معاهد عالمية ..كنموذج للرد السياسي الذي يستثير عواطف الناس ..مع أن الخطاب كان فقيرا في الحقيقة لكنه كان غنيا بالعاطفة , ومضر إذا ارتدى الشماغ الأحمر (وميله) قليلا ..وإذا زاد التلفاز كاميراته في البرلمان , فعليك أن تعرف أنه يخطط لمخاطبة الشارع وليس البرلمان , وكان يجيد هذا الفن ويختطف قلوب الناس كلهم ... حتى خالد الكركي , حين كان يستحضر المتنبي في خطاباته , ويبدأ بتمييل الرأس قليلا ..كان يقصد الشارع وليس الحضور , واستطاع أن يختطف قلوب الألوف المألفة في براعة الخطاب وشكله . هذه الحكومة تفتقد أبسط أساسيات الخطاب الجماهيري , لدرجة أن مسلسل (أم الكروم) الذي أعيد بثه في التلفاز الأردني مؤخرا , حرك في وجدان الشارع أكثر مما حركت الحكومة عبر سنوات خدمتها المريرة , وشاب مثل بلال العجارمة حقق مشاهدات على (اليوتيوب) ..عبر تقرير مدته دقائق معدودة ضمن برنامج يسعد صباحك , أكثر مما فعله موقع رئاسة الوزراء من أول تأسيسه .
في النهاية القصة مرتبطة بالهوية , والإنسلاخ عن الهوية ..مرتبطة بالهووية حين تقرر أن تستحضرها تاريخيا ووجدانيا في خطابك , ومرتبطة بالإنسلاخ عنها حين تعمد إلى تكسيرها عبر إحضار وجوه ..مرفوضة شعبيا , ومشهود لها بالإنتهزاية السياسية , ومصنفة على أنها ضعيفة وتجيد مسايرة الرئيس فقط ؟
في الأردن قصتنا بسيطة , فمنذ أن وجد هذا الوطن والنار حولنا , وكنا نطفأها عبر البندقية تارة وعبر استنهاض همم الناس ..وتلك ميزة وصفي التل , هو لم يصنع معجزات ولم يكن نبيا ..ولا معصوما , ما فعله أنه أنتج شخصية أردنية حقيقية وأنتج خطابا تعبويا يليق بالمرحلة ... نحن للأسف كسرنا الهوية تماما , ومزقنا الخطاب ...وصارت الحكومات لدينا مثل حمام الدوح فقط , تتسلل إلى سقوف بيوت الشعر وتطلق (ونينها) وتستفز فينا الحزن , والشكوى ..تستفز فينا كل بلوى خلقت , وعلينا أن نبكي ونداري الحال بالحزن فقط ... هل عرفت معنى حمام الدوح ...يا رفيقي الليبرالي .  
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير