النسخة الكاملة

قانون منع الجرائم (ضرورات الوجود وأضرار الهدم)

الثلاثاء-2020-01-07 01:26 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. عبد الكريم محسن أبو دلو
في ظل الهجمة الانتقادية التي يتعرض إليها الحكام الإداريون بسبب أعمالهم المرتبطة بالتوقيف الإداري، لا بد من تسجيل الملاحظات الاتية:
أولا: يؤدي الحاكم الاداري وظيفة أصيلة وأساسية بحفظ النظام العام بالدولة بعناصره المختلفة بالإستناد إلى قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954 بشكل أساس، باعتباره الأداة القانونية الأكثر فاعلية بتحقيق هذه الوظيفة الأمنية الوقائية التي تهدف إلى المحافظة على أمن المجتمع وسلامته بإتخاذ الإجراءات الوقائية التي تمنع الجريمة أو تحد من ارتكابها، وبوصف غاية منع الجريمة من الغايات الفاعلة التي تبلور منظومة عمل الحاكم الاداري بمساهمته المؤثرة بالمحافظة على أخلاقيات المجتمع واستقراره، اتساقا مع تطلعات السياسة الجنائية التي تكرسها الدولة بمجموعة التشريعات المنظمة لاختصاصات وصلاحيات هيئات الضبط الإداري والقضائي.
ثالثا: تحدد المادة 3 من قانون منع الجرائم أصناف الأشخاص التي يمارس الحاكم الإداري صلاحياته الضبطية وفرض القيود المذكورة بالقانون عليها، اذ قدّر المشرع أن وجود أي شخص ينتسب لأي من هذه الأصناف يعقد الاختصاص للحاكم الاداري بإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لما تمثّله هذه الأصناف من خطورة جرمية تزعزع استقرار المجتمع وتشكل خطرا على الأمن العام وحياة الناس، ولولا تلك الاجراءات الردعية لزادت فرصة تلك الاصناف من الاشخاص بممارسة نشاطها الجرمي ومضاعفة ارتكابها الجريمة وخطرها على المجتمع بشكل عام، وهذه الحالات هي: 
1.كل من وجد  في مكان عام أو خاص في ظروف تقنع المتصرف بأنه كان على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه.
2. كل من اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة الأموال المسروقة أو اعتاد حماية اللصوص أو إيواءهم أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة أو التصرف فيها.
3. كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً على الناس.
رابعا: خوّل القانون الحاكم الإداري صلاحية فرض مجموعة من القيود الإحترازية (الضبطية) على تلك الأصناف من الأشخاص، وهذه القيود هي: 
1.التعهد: الأصل أن ينظم بحق الشخص الذي يثبت انتمائه إلى أحد الأصناف الواردة بالقانون لمدة لا تزيد على سنة يلتزم بموجبه بالمحافظة على الأمن أو الامتناع عن القيام بأفعال من شأنها أن تكدر صفو الطمأنينة العامة أو أن يكون حسن السيرة.  ولكن أجاز القانون للحاكم الإداري أن يقرر توقيف ذلك الشخص كأثر لعدم تقديم التعهد اذا تخلف الشخص عن تقديم التعهد. ويلاحظ أنّ التوقيف الإداري لا يقرر بصفة أصلية, فلا يملك الحاكم الإداري توقيف الشخص ابتداءً عند مثوله أمامه وثبوت التهم المسندة إليه, إنما يقرر تكليفه بتقديم ذلك التعهد, فإن تخلَفّ الشخص عن تقديم التعهد, يقرر الحاكم الإداري توقيفه لحين تقديم التعهد المطلوب أو انقضاء المدة المحددة.
2.فرض رقابة الشرطة مدة لا تزيد على سنة من خلال بعض القيود التي من شأنها الحدّ من النشاط الجُرمي للشخص وتقييد خطره عن الناس. 
خامسا: تضمن قانون منع الجرائم مجموعة من الأحكام الإجرائية التي يجب أن يتقيد بها الحاكم الإداري قبل حضور الشخص المعني أمامه او اثناء الحضور, وتُشكل هذه الاحكام مجموعة من الضمانات التي تكفل عدالة الاجراءات التحقيقية وعدالة القيود الضبطية المتخذة بحق الشخص.
سادسا:  من الضمانات الأساسية أيضا التي تكفل التزام الحكام الإداريين بالتطبيق السليم لأحكام قانون منع الجرائم خضوع القرارات التي تصدر عنهم للرقابة القضائية. اذ يعتبر القرار الذي يصدر بمقتضى قانون منع الجرائم قراراً ادارياً يخضع للطعن أمام المحكمة الإدارية بموجب المادة 5 من قانون القضاء الإداري رقم 27 لسنة 2014, وبالتالي إذا وجدت المحكمة الإدارية مخالفة بتطبيق قانون منع الجرائم فإنها تقرر إلغاء القرار المخالف. بالإضافة إلى إختصاص للمحكمة الإدارية بالنظر في طلبات التعويض عن الأضرار اللاحقة نتيجة تلك القرارات والإجراءات.
كما تخضع تلك القرارات للرقابة الإدارية من قبل وزير الداخلية، اذ أجازت المادة 10 من قانون منع الجرائم لوزير الداخلية في أي وقت شاء أن يلغي أي تعهد أُعطي بمقتضى قانون منع الجرائم أو أن يعدله لمصلحة الشخص الذي أعطاه, وتستند هذه الصلاحية إلى السلطة التقديرية لوزير الداخلية بمراقبة أعمال الحكام الإداريين, باعتباره يشكل سلطة رئاسية أعلى لها حق مراقبة أعمال الوزارة.
ذلك لتقدير المشرع أن صاحب السلطة  قد يُخطئ بتطبيق القانون سواء من ناحية اجرائية أو من ناحية موضوعية - كما هو الحال بالأحكام القضائية، إذ تصدر أحيانا أحكام قضائية يشوبها عيب مخالفة القانون ويتم الطعن بها استئنافا او تمييزا مما يؤدي الى نقض تلك الاحكام-  فاحتمالية صدور قرارات مخالفة للقانون يتوقع من كل صاحب سلطة إدارية كانت أم قضائية، لذلك عقّبها المشرع بالرقابة وأحيانا بالمساءلة.
سابعا: بالنتيجة، يعتبر قانون منع الجرائم من القوانين الضرورية بالدولة التي تكفل المحافظة على النظام العام وبالتالي تكرّس الإستقرار المجتمعي وحفظ الأمن العام. وبالتالي إن وجود مخالفات من بعض الحكام الإداريين بتطبيق أحكام هذا القانون، ليس مبررا للمس بأساسات  القانون أو الغائه، إنما يجب التعامل مع هذه المخالفات وفق ظروفها ونطاقها التي تحكمها الرقابة القضائية والرقابة الادارية ويعالجها دعم المعرفة والتأهيل للحكام الإداريين. وخلاف ذلك، في ظل السياق المجتمعي العام، فهل لنا أن نتخيل المشهد إذا ما تم إلغاء قانون منع الجرائم !
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير