أبوعودة لـ "جفرا": الأردن يتعامل مع التصريحات الإسرائيلية على أنها تهديد مباشر لكيان الدولة الأردنية
الإثنين-2019-12-16 09:31 am

جفرا نيوز -
الملك لن يقبل بأي إجراءات تمس بكيان الدولة الأردنية أو تهدد استقرارها ومستقبلها
العلاقة مع إسرائيل غير مريحة ولسنا بصدد القطيعة والرهان على معاهدة السلام فشل
الصفدي: الاحتلال الإسرائيلي "استعمار"..والمصري: بوصلة العرب تائهة بالصحراء
الروابدة: "الأردن مستهدف مثل فلسطين ومعها"..والفايز: "المستوطنات مستعمرات"
جفرا نيوز – سعد الفاعور
لا تشير المعطيات التي بحوزة "جفرا نيوز" إلى أن العلاقات "الأردنية-الإسرائيلية" وصلت إلى حد القطيعة. ربما وصلت إلى أفق مسدود. ربما أن السياسيين الأردنيين يعيشون لحظة فقدان توازن وغياب الأمل برؤية ضوء في نهاية النفق، أيضاً أمرٌ مرجحْ، لكن ليس ثمة ما يشي بأن صانع القرار الأردني قد يقدم على اطلاق رصاصة الرحمة على العلاقات التي تربطه بحكومة الإحتلال.
المعطيات ذاتها لا تشي بأن حل الدولتين تلاشى أو أوشك، وليس ثمة ما يرشح من معلومات يمكن الجزم من خلالها بأن الخيار الأردني سيكون عنوان لحظة الحقيقة في ظل مشهد الانكشاف السياسي "الأردني-الفلسطيني" أمام التغول الإسرائيلي الذي يتحرك تحت تأثير نشوة الإحساس بتفرق النظام العربي وتباين مصالحه؟
بعض من تحدثت إليهم "جفرا نيوز" كانوا متحفظين جداً في هذا الشأن، لكنهم يبررون هذه الثنائية "الأردنية-الإسرائيلية" العجيبة بما يصفونه بموازين القوى الدولية والوضع الجيوسياسي للدولة الأردنية وتحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة الذي تشكل في حقبة الرئيس أيزنهاور في عام 1958، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تبدو كما لو أنها "بيضة القبان" في تحديد بوصلة ووجهة السياسة الخارجية.
من وجهة نظر هذا الفريق، هناك جملة حقائق على الأرض تفرض على الأردن أن لا يكون البادئ في أي تصعيد سياسي أو دبلوماسي، والفريق ذاته يقول إن ما يستطيع الأردن فعله هو استثمار الاستفزازات التي تصدر عن السياسيين الإسرائيليين لتظهير موقف سياسي أردني مستجد يرقى إلى خطوة استعادة أراضي الباقورة والغمر، مشيرين إلى ورقة اتفاقية استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي التي يمكن استثمارها كورقة ضغط سياسية أردنية للتلويج بإسقاطها أو اسقاطها بالفعل إن استدعى الأمر بالاستفادة من المناخ الشعبي والبرلماني السائد.
هناك فريق آخر يرى أن استثمار اللحظة أردنيا لم يرق إلى المستوى المطلوب في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية وإن أقصى ما جرى رصده هو تصريحات غير مسبوقة لمسؤولين أردنيين رفيعي المستوى هاجموا وانتقدوا بشدة وبلغة غير مسبوقة الاستفزازات الإسرائيلية بمفردات جديدة غير مألوفة أو متداولة في قاموس الدبلوماسية الأردنية.
ففي أواخر تشرين أول الماضي، وصف وزير الخارجية أيمن الصفدي الاحتلال الإسرائيلي بـ "الاستعمار" خلال مشاركته بأعمال القمة الثامنة عشرة لدول عدم الانحياز في أذربيجان، فكان مؤشراً واضحاً على مستوى التردي في العلاقات مع تل ابيب.
الخميس الماضي أيضاً، تم رصد تصريح لافت لرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز في لقاء علني بمقر نقابة مقاولي الإنشاءات الأردنيين في "ديرغبار" وهو يرد على سؤال خاص لـ "جفرا نيوز" وصف خلاله المستوطنات الإسرائيلية بأنها "مستعمرات".
وبعد تصريحات الفايز بـ 24 ساعة، جاء على لسان رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة تحذير بالغ الوضوح من خطر المخطط التوسعي الإسرائيلي، وذلك خلال كلمته الجمعة الفائتة في المؤتمر السنوي الثالث لجماعة الإخوان المسلمين في البحر الميت وقوله إن "الأردن مستهدف مثل فلسطين ومعها".
"جفرا نيوز" سألت السياسي الأردني المخضرم، عدنان أبوعودة، عمَّ إن كان يرى كسياسي ومراقب للوضع أن العلاقات "الأردنية-الإسرائيلية" تسير صوب القطيعة؟
أبوعودة قال: نحن لا نستطيع أن نصف الوضع مع إسرائيل بأنه وضع مريح، لكن بنفس الوقت لا يمكن أن نستنتج أننا بصدد خلق قطيعة. وبكلمات أكثر وضوحاً يقول إن القطيعة تتم في حالة وجود علاقات حميمية ودافئة بين طرفين يميزها تفاعل وعمل سلمي مؤثر، مؤكداً أن هذا غير موجود أصلاً، والعلاقات "الأردنية-الإسرائيلة" لا يمكن وصفها بأنها حميمية ودافئة.
أبوعودة وعند سؤاله عمّ يقلق الأردن من إسرائيل وعن سر تصاعد حدة خطاب المسؤولين الأردنيين ولجؤهم إلى مفردات غير مألوفة في التعاطي مع الجانب الإسرائيلي، يشير في معرض رده على سؤال "جفرا نيوز" إلى أن الأردن غير راضٍ عن التصرفات الإسرائيلية، وغير راضٍ أيضاً عن تصريحات المسؤولين الإسرائيلين، خاصة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن غور الأردن.
يؤكد أبوعودة أن الأردن ينظر إلى هذه التصريحات الإسرائيلية على أنها نوعاً من أنواع الاستهتار، بل أخطر من ذلك، فالأردن يتعامل مع هذه التصريحات على أنها تشكل تهديداً مباشراً لكيان الدولة الأردنية ونقضاً صريحاً لأي إلتزام من جانب إسرائيل بمعاهدة السلام.
وعن الخطوات التي بوسع الأردن القيام بها للتصدي للاستفزازات الإسرائيلية، يشير إلى أن الأردن استخدم ورقة عدم التمديد للجانب الإسرائيلي باستئجار أراضي الباقورة والغمر، وهذا كان في حكم القرار الأردني السيادي، وبالتالي لم يعد بيده شيء آخر يفعله.
عبارة "لم يعد بيده شيء آخر يفعله" تأخذنا إلى ما قاله رئيس الوزراء السابق طاهر المصري، الذي رأى أن "البوصلة العربية تائهة في الصحراء" في معرض تعليقه على الموقف العربي الذي ترك الأردن منكشف الظهر بعد قرار نتانياهو بضم غور الأردن. قبل ذلك وفي شهر حزيران الماضي قال المصري في مقابلة تلفزيونية عبر فضائية روسيا اليوم إن بعض "الأشقاء خذلوا الأردن".
وبالعودة إلى أوراق الضغط الأردنية، يلفت أبوعودة في حديثه مع "جفرا نيوز" إلى أن هناك تحرك شعبي يتبناه مجلس النواب، يتعلق باتفاقية "نوبل إينرجي" أي استيراد الغاز من إسرائيل، وهنالك مطالبات من النواب بانهاء هذه الاتفاقية، وهذا طلب من النواب – بتقدير أبوعودة- يجد مساندة شعبية تستند على مبدأ أن الأردن لا يجوز أن يضع مستقبله في موضوع الطاقة بيد إسرائيل.
يلفت أبوعودة هنا إلى أن هذه المواقف الشعبية تتزايد وتجد دعماً عاماً، ملمحاً إلى أن الضغط الشعبي والنيابي لإلغاء الإتفاقية قد يتحول إلى ورقة ضغط رسمية بيد الحكومة في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية.
وبسؤاله إن كان بمقدور الأردن استثمار الوجود العسكري الأميركي فوق الأراضي الأردنية، كورقة ضغط على الإدارة الأميركية، لتزيد الأخيرة من ضغطها على "تل ابيب" وتجبرها على وقف تأييدها السياسي للخطوات الإسرائيلية الاستفزازية وخاصة مواصلة بناء المستوطنات وضم الأراضي؟
يوضح أبوعودة أن الأردن انشأ علاقات تحالف قديمة مع الولايات المتحدة منذ إعلان مبدأ أيزنهاور عام 1958، ودخل بتحالف عسكري وسياسي مع الولايات المتحدة يشمل الحصول على معونات مالية عسكرية وغير عسكرية يأخذها من الولايات المتحدة مقابل تسهيلات عسكرية وتعاون أمني واستخباري.
وعليه –من وجهة نظر أبوعودة- فإنه لا يمكن اعتبار الوجود العسكري الأميركي ورقة ضغط يمكن استخدامها أو التلويح بها من أجل دفع مسيرة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، فاستخدام هذه الورقة كما يخلص أبوعودة يشبه التلويح بهراوة في وجه الحليف الأميركي، والرسالة ستكون خاطئة، وسيفهم منها الحليف الأميركي أنه هو المستهدف ومصالحه هي المستهدفة وليس الضغط على إسرائيل، وهذا أمر ليس في صالح الأردن ولا يخدم القضايا والمصالح الوطنية الأردنية ولا المصالح الوطنية الفلسطينية.
وحول الطريقة التي يمكن استثمارها للاستفادة من التحالف "الأردني-الأميركي" في دفع عملية السلام والتصدي للاستفزازات الإسرائيلية، يشير أبوعودة إلى أن علاقاتنا مع الولايات المتحدة قديمة ونحن نحرص عليها، لكننا أيضاً لا نقبل أي علاقة تنطوي على خطر يمس بوجودنا وكياننا الأردني، لأن أساس أي تحالف هو الحفاظ على وجودنا ودولتنا.
ويضيف: العمل الدبلوماسي الدؤوب لجلالة الملك يستثمر في إطار هذه العلاقة، وجلالة الملك يخبر الحليف الأميركي بطرق مختلفة بأن الأردن لايمكن أن يقبل بأي إجراءات إسرائيلية أحادية، أو بغطاء أميركي، تمس بوجود وكيان الدولة الأردنية وتهدد استقرارها ومستقبلها.
وحول مستقبل معاهدة السلام مع الجانب الإسرائيلي، لا يخفي أبوعودة فشل الرهان على المعاهدة. وأن مؤشرات عديدة يمكن رصدها تؤكد عدم وجود رضا رسمي أردني لنتائج مسيرة السلام بعد نحو ربع قرن من توقيع الاتفاقية.
أبوعودة يقول إنه بعد معاهدة السلام التي كان يُراهَنْ عليها أنْ تُحدِث حالة من التناغم والسلام والاستقرار مع اسرائيل، لم يحدث شيء من ذلك، بل العكس تماماً، لأن سلوك إسرائيل مع الفلسطينين عدائي واستفزازي، ونحن بالأردن أكثر نظام عربي تَأثُراً بانعكاسات التصرفات الإسرائيلة على الجانب الفلسطيني.
يضيف: ارتباط الأردن الجوهري مع القضية الفلسطينية، ووضع مؤسسات الدولة الأردنية بخدمة الجانب الفلسطيني، وتسخير الجهد الدبلوماسي والسياسة الخارجية الأردنية لتكون نصيراً للمفاوض الفلسطني يزعج الجانب الإسرائيلي كثيراً، وإسرائيل ترى في هذه المواقف الأردنية تهديداً لها، وهي تصر على فصل المسار الأردني عن المسار الفلسطيني حتى تنفرد بالمفاوض الفلسطيني، لكن الأردن يؤكد على الدوام أنه حاضر في كل الملفات وبتوافق مع الجانب الفلسطيني، لذلك نرى إسرائيل تتصرف بطريقة استفزازية وتستمر بالاستيطان والسياسات التوسعية الصهيونية خاصة فيما يخص القدس وأراضي الضفة الغربية وأخيرا غور الأردن.
يرى أبوعودة في حديثه إلى "جفرا نيوز" أن الأردن حذر دبلوماسيا وهو يحاول أن يحمي نفسه من النشاط الاستيطاني لأن المقصود في النهاية من هذا النشاط التوسعي الاستيطاني هو تطبيق فكرة قومية الدولة اليهودية، بمعنى أن لا يبقى في فلسيطين أي فلسطيني، وهذا بالتأكيد يزعج الأردن كثيراً، والأردن حذر جداً في التعاطي مع هذه المسألة.

