النسخة الكاملة

عشائر الاردن ذلك الآخر الذي لن تنتهي الحرب معه !؟

الخميس-2011-09-15
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - محمد البدارين
تبلغ الحملة الدعائية ضد العشائر في الاردن ذروتها هذه الايام  وتشتد خطورتها بعد ان تبين ان سفارة واشنطن في عمان ، هي التي تتولى قيادة هذه الحملة عبر من تسميهم المرتبطين معها، وهي تسمية لطيفة لمن يسمون في القاموس العملاء او الجواسيس اوالمخبرين، ومن الضروري ان نؤكد ان هذه الحملة ما كانت لتبلغ ذروتها هذه لولا انها تقع ضمن استراتيجية الستيويشنال الظرفية المعتمدة في البلاد منذ عقدين من الزمن.
فهذه الاستراتيجية ستتيح لحكومات الاردن اتباع سياسات وبرامج ظرفية تتسم بقدركبير من الخفة والاستهتار والاستذكاء والمغامرة والتعلق بأي قشة ، ورغم انها استراتيجية لا تخلو من اي منطق على الاطلاق، الا ان خطورتها تكمن في انها بطبيعتها متقطعة ومتقلبة ومتناقضة واحيانا تلفيقية، وهي لذلك يصعب توفير درع شعبي لها ، الامر الذي سيؤدي في النهاية الى تسييل الدولة الاردنية بمكوناتها الثلاثة الصلبة الارض والشعب والحكم لاغراض التكيف المفرط مع المتغيرات.

فعبرعمليات تكيفيّة متسارعة متلاحقة ومبالغ فيها على مدى عشرين سنة استجابة لمقتضيات السياسات الظرفية المتبعة، سيكون من السهل ملاحظة التحولات الجارية في احوال الدولة التي ستنتقل سريعا من حالة الصلابة الى المرونة فالليونة ثم الى حالة السيولة ، وسنلاحظ ترويجا خاصا لمرحلة التسييل كقصة نجاح لها ابطالها ككل القصص ، ولا مانع ان نعتبرها كذلك لولا قابليتها الشديدة للتبخر منذ ان طرأ ارتفاع طفيف على درجات الحرارة عام 2008 ،  ذلك ان العمليات التكيفية البراغماتية المتطرفة تحمل في داخلها عناصر خطورتها على الكائن المتكيف نفسه.
وهنا بالتحديد بين حالتي التسييل والتبخرسنلاحظ اشتداد الحملة ضد العشائرالاردنية في توقيت بدا ملائما لاصحاب الحملة ووكلائها،ولفهم ادق لاهداف الحملة سيكون من المناسب التدقيق في سلاحها المستخدم،وهو لحسن الحظ سلاح تقليدي يجري استخدامه منذ مئات السنين في الحروب النفسية بين الاعداء، فهو باختصار يقوم على رسم وترويج صورة نمطية قبيحة ضد العدو او الخصم لتعبئة الانصار بالكراهية واقناع المحايدين واستنزاف الهدف، وقد لا نستثني من هذا التعميم سوى عرب الجاهلية الذين كانوا يترفعون عن تقبيح  العدو اوالخصم لا بل ويشيدون بما لديه من فضائل ان وجدت.
 
وبحسب هذا السلاح نفسه المستخدم ضد عشائر الاردن حاليا يبدو الاردني في صورة نمطية جامدة لا تتبدل، فهو ذلك الاخر البعيد عن المركز صاحب السحنة السمراء حد السواد والشوارب الغليظة المنفرة واللهجة العدائية والاسم الممعن بخشونته ، انه ذلك المتخلف المتعصب صاحب الدشداشة  الهمجي الكسول عديم الجدوى الذي يعتاش على الاعانات والهبات والاعطيات المعادي للاصلاح والتقدم الذي يقمع المرأة ويغتصب حقوق الاكثرية من دافعي الضرائب المتحضرين في الدولة.

صورة متداولة في مقالات منشورة في الاردن وخارجه مخصصة لتقبيح الانسان الاردني والحط من قدره والتقليل من شأنه وتشويهه وتسخيفه لصالح تمجيد الذات المهاجمة وتضخيمها ورفع مكانتها، لكن ما يهمنا من هذه الصورة النمطية التقبيحية المستخدمة في الحملة هو انها تدلنا على هوية المشغّل الاصلي للمشروع كله.

ونستدل على هوية هذا المشغل الاصيل حين نعود الى اصل هذه الصورة النمطية المقولبة التي يجري استخدامها منذ مئات السنين ضدنا كعرب او كمسلمين ولا مانع في حالتنا من تركيزها على العشائرحصرا لايهام الوكلاء الفرعيين انهم ليسوا مشمولين بهذه الصورة المستعملة بواسطتهم  ضد اخوانهم وابناء عمهم، فالمشغّل الاصلي يعرف ان العشائر هي المكون الاكثر صلابة في هذه الامة الذي لا بد من تحطيمه لانجاز المهمة التاريخية وحسم هذا الصراع الطويل.

فمنذ القرن السابع والثامن كانت العشائر العربية قد غيّرت بصورة مذهلة وجه التاريخ للابد ، وسيوصيها عمر بحّث اجيالها على الاستمرار بالانتساب الى قبائلهم لا الى مساكنهم مهما طال الزمن، وسنجد في وقت مبكر حربا خفية وعلنية ضد هؤلاء الناس الذين سيستعيدون السيطرة على مجالهم الحيوي المسلوب منهم في معارك حاسمة على جبهتين في آن واحد، وسنجد الصورة نفسها المنشورة الان ضد عشائرالاردن تملأ كتب القرون الوسطى ، ولا يزال جميع التلاميذ في فرنسا حتى يومنا هذا يعرفون تاريخ موقعة بواتييه وتتساءل كتبهم ماذا لو لم يكن شارل مارتل هناك في مواجهة عبد الرحمن الغافقي؟! وفي الصورة النمطية المظلمة فان العرب نهابون خاطفون مدمرون للمدن ولا تنسب لهم اية فضيلة، وعلى الجانب الشرقي سيتخصص الفيروزابادي شاعر الفرس الاكبر بهجاء امة العرب الغدارة وسيبصق بقصائده على الزمن الذي جعل الحفاة الرعاة المتخلفين يهزمون امبراطورية كسرى المتحضرة ،  وستكافئه جمهورية ايران الاسلامية باطلاق اسمه على اكبر شارع في طهران.

 صورة واحدة سيكرسها لاحقا  المستشرقون ورجال الاستخبارات والرحالة  بدون اي تعديل او تبديل، وسيذكّرنا بها فيما بعد مناحيم بيغن في مذكراته بوصفه لبلادنا بانها بلاده شرقي الاردن الخالية الا من اطلال البدو والابل، وفي دليل احدث سيهتف جمهور نيوزيلندا عام 1982 ضد منتخب الكويت المنتصرعلى فريقهم في تصفيات كأس العالم : عودوا الى الصحراء يا رعاة الابل ودعوا كرة القدم لاهلها.. هكذا سيهتف شبان وفتيات لا يعرفوننا قط  لكنهم يرضعون حقد البشرمنذ الصغر، غير مدركين انهم من سلالات رعاة البقر وان ثمة فرق نوعي بين رعاة الابل ورعاة البقرلو كانت الحملات الدعائية تحتكم للعلم والمنطق.

اما المرتبطون مع السفارة في عمان الذين يعيدون استعمال ذات الصورة ضد عشائر الاردن ، فهم كما تدلنا الاسماء شبيهون بتلك النخب المزعومة من المخصيين والجواري والمهرجين والعبيد والغلمان والمترجمين والمخبرين والكتبة الذين كانت تمتلىء  بهم  بلاطات الخلفاء والسلاطين والملوك في دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة واستنبول ممن كانت لهم ادوارخفية خطيرة جدا في هذه البلاطات .

وكما كانت للاسلاف من النخب المزعومة ادوارهم التآمرية ضد اسيادهم واولياء نعمتهم، فان نخب عمان المزعومة اليوم  يكررون نفس الادوار، ادوار البرامكة والسلاجقة ومستشاري اسطنبول ونشاطات مدحت باشا ووزرائه المتنورين، بشكل يختصر الزمن ويكشف عن عمق الصراع ، ادوار لهم  واسعة ومنظّمة في عمان ستخترق سياسات الدولة وبرامجها وحلقاتها الفنية وخطابها الرسمي، حتى سيسأل حاكم اردني سابق في خطاب علني مكتوب او سيتساءل ما هو الاردن ؟ حيلة بلاغية دسها المستشار في الخطاب فاستهلكها الحاكم وهو لا يدري انها تنفي وجود البلد الذي يحكمه! تماما مثلما دس مستشاراخرالشعارالشهير شتى المنابت والاصول الذي ينفي وجود الشعب ويحوله الى اشتات بشر، مستشار ينفي وجود الوطن ومستشار اخر ينفي وجود الشعب فماذا يبقى من الدولة ؟!

لكن العشائر لا تفنى ولا تستحدث فمن ثورة عشائرالبلقاء والكورة التي اطاحت بحكومة الركابي وادت الى مغادرته البلاد نهائيا، الى ثورة عشائر الزرقاء التي اطاحت بحكومة مضر بدران الى ثورة عشائرالجنوب الاولى التي اطاحت بحكومة زيد الرفاعي الى ثورة عشائرالجنوب الثانية التي اطاحت بحكومة الكباريتي، مرورا بحروب الامة كلها، سيتدفق نهر من دم ابناء العشائر الاردنية للحفاظ على الهوية والدفاع عن المصير، فالعشائر في هذا البلد هي واجهة امة وتحمل كل ملامحها الانثربولوجية التي لا تعجب المرتبطين مع السفارة.

والعشائر تفهم انها مستهدفة كرمز للامة اكثر مما هي مستهدفة لذاتها وتعرف حقيقة البرنامج التحقيري الموجه ضدها وتعرف انه ممنهج وممول من جهات تملك المال ووسائل الاعلام ومستلزمات التزويرواساليب الاختراق والخداع وتلوين الاشياء وطمس الحقائق، وتعرف انه في سياق هذا البرنامج التآمري  قد جرى اختلاق شيوخ ووجهاء في صفوفها  بقرارات رسمية لاغراض تضحيك الزوار وتعديل امزجة الحكام بهدف تكريس الصورة المشوهة لابناء العشائر وتقديمهم  على هيئة متسولين وموظفي ريسبشن باللباس الوطني لخدمة الصورة النمطية التحقيرية.
انها العشائراذن ذلك الاخر الذي تجب محاربته كعدو او كوجه للعدو وهي حرب تدور هنا في هذه الارض وعليها ومن اجلها وبسببها منذ القرن السابع الميلادي الى يومنا هذا وكأن القرون مجرد ايام واسابيع، فها هو الجنرال غورو يدخل دمشق فيتوجه الى قبر صلاح الدين ليؤكد استمرارية الصراع : ها قد عدنا يا صلاح الدين هكذا قال غورو المنتصر لتوه في معركة ميسلون ، والمستشرقون يعرفون ان عشائر الاردن هي جيش صلاح الدين الذين انتقاهم لتحرير القدس، القدس التي سيوصي الحسين بن علي بأن يدفن فيها في رسالة لا تحتاج الى تفسير عن اسباب نفيه وتمزيق مملكته الموعودة.

ولن تعمينا عن رؤية هذه الحقيقة الكبيرة  كل المصطلحات المستحدثة  والاسماء الناعمة وتقارير المرتبطين ومقالاتهم ، ولن تلهينا برامج التمويل الاجنبي بأكاذيبها عما يسمى جرائم الشرف والتحرش الجنسي والمباعدة بين الاحمال، فقضيتنا الحقيقية اسمها فلسطين حتى لو تخلى  المرتبطون عن حقهم فيها طمعا بمناصب حكومة عمان وبرلماناتها المزورة ، فصراعنا الحقيقي هو الصراع الذي تفرضه علينا حقيقة وجودنا وهو صراع لم تنهه للاسف لا كامب ديفيد ولا اوسلو ولا وادي عربه ولا مشروع برشلونة ولا اتحاد المتوسط ولا الحوار بين الشمال والجنوب، فيبدو انه كما يقال صراع  وجود لا صراع حدود.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير