النسخة الكاملة

الوزير ابو رمان "أنا سلَفي" !!

الأحد-2019-04-14 05:50 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - محمد العبيدي
اطلعنا على كتاب "أنا سلفي" للكاتب د. محمد أبو رمان، وقد جاء فيه تحليل للتيار السلفي والبحث عن هويته، وهو محاولة لتحليل التيار السلفي وقراءته، وقد جاء في جلسة حوارية عقدت لدراسة هذا الكتاب أن السلفية "ظاهرة تحاول أن تستعيد الإسلام بصورته النقية كما كان في القرون الثلاثة الأولى من الحضارة الإسلامية"، وأنها "جاءت رداً على الحركات التي كانت تشكل خطراً على نقاء الإسلام مثل الصوفية والمعتزلة والفلسفة اليونانية".
ونقول لتوضيح ما جاء في الكتاب من أخطاء علمية وتاريخية: "السلفية" ذات هوية معاصرة، وواقعها متجذّر في الانغلاق على فهم واحد للنصّ، أدى بصورة ملحوظة إلى تطرّف وتطرّف عنيف، ممثلاً في الحركات السلفية الجهادية كرأس حربة تنفيذية، ومدعوماً بما يسمى بالسلفية العلمية أو الرسمية التي تغطي التطرف بالغطاء العلمي المغلوط الذي يسعى إلى تفسير النصوص بصورة أحادية لا تقبل التفكيك.
والسلفية باعتبارها تياراً معاصراً تحاول أن توجد لنفسها شرعية مفقودة في الواقع عبر الزعم بأنها ممتدة في التاريخ الإسلامي، وتلك الاستراتيجية الخادعة تتمثل في دعاوى: تنقية الإسلام من البدع، والأخذ من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وتجديد الإسلام وتخليصه من الخرافات الصوفية، والبعد عن المغالاة في التفكير العقلاني المأخوذ من المعتزلة وفلاسفة اليونان.
لكن المتأمل في التراث الإسلامي من أهل الاختصاص يعلم علماً يقينياً أن السلفية بشتى أساليبها (جهادية أو حركية أو علمية) تنبع من مصدر واحد، نشأ بعد الألفية الأولى من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن هذه الأسماء مهما اختلفت إلا أنها ترجع إلى مصادر واحدة في الفهم والتفسير، بل ترجع إلى نمط واحد من المنهجية في التعامل مع النصوص، بدليل أن السلفيين الجهاديين يأخذون بأقوال السلفيين الرسميين في مسائل التكفير والحاكمية والتبديع والتفسيق وهجران المجتمع ومن فيه ممن يرونهم كفاراً أو مبتدعة.
والمتتبع للتراث الإسلامي الممثل في المؤسسات العلمية العريقة كالأزهر الشريف والزيتونة والحواضر الإسلامية العظمى في مختلف بقاع المدن الإسلامية يجد أن السلفية المعاصرة ليس لها سلف سابق قبل ذلك في التاريخ الإسلامي، بل هي عبارة عن تجميعات وترقيعات لأخطاء كبيرة وقعت فيها فرق تنتسب إلى الإسلام، كمذهب الكرامية القائلين بالتجسيم، أو مذهب الخوارج القائلين بالخروج على الحكام وتكفير مرتكب الكبيرة كتكفير تارك الصلاة، ومذاهب الباطنية الغلاة الذين ينفون الأدلة العقلية والتفكير المنطقي ويقولون بعصمة أئمتهم فعلياً، حيث كان لهم دور سلبي كبير في تدمير الحواضر الإسلامية لما كانوا يمثلونه من "طابور خامس" في خاصرة المجتمع والدولة.
بالإضافة إلى ما سبق؛ تحاول السلفية تبرير وجودها المقلق للمجتمع والدولة بأنها لتنقية الهوية الإسلامية من التصوف والخرافات، في حين أن التصوف الأصيل كان موجوداً منذ العصر الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، حيث كان هناك مجموعة من فقراء الصحابة من أهل الذكر يواظبون على العبادات والأذكار، وكانوا يسمون بـ "أهل الصفة"، وهؤلاء الذين ينتسب إليهم الصوفية مدحهم الله في القرآن الكريم، وأوصى نبيه برعايتهم والمحافظة عليهم.
والصوفية بعد ذلك على مرّ تاريخ الإسلام كانوا سبباً في نشر ثقافة الحب والسماحة والاعتدال والاتساع لجميع الناس، ورعاية شؤون الخلق مع البقاء في حضرة الحق سبحانه، كل ذلك بإخلاص لله تعالى، فلا شك أنّ الصوفية سيكونون مرمى لسهام السلفية المعاصرة لأنها تشكل الصورة المعاكسة تماماً، وبضدها تعرف الأشياء.
المشكلة مع السلفية المعاصرة هو نوع العداء الذي تشكله لمجموع الأمة الإسلامية، فمن جهةٍ نجد أن السلفية تدعي الرجوع إلى السلف الذين تعاديهم، ومن جهة أخرى نرى السّلفية تعادي المذاهب الفقهية الأربعة، وتحكم بابتداع من يسير على وفقها، وتعادي الصوفية وتتهمهم بما ليس فيهم، وتعادي المذاهب الفكرية الاعتقادية وتحكم بكفر أصحابها، وتدعو إلى اعتزال المجتمع لما فيه من البدع والضلالات، لذلك تكون لهم مساجد معينة، ودروس خاصة، ولباس خاص، ومرجعيات خاصة.
يبقى المجتمع السلفي ذا هوية قلقة في نفسها، ومقلقة لمن حولها بما تثيره من عداوات في الأسرة الواحدة أحياناً عبر ما تثيره من مسائل التبديع والتفسيق، مما يؤدي إلى عقوق الأبناء للآباء وتفرقة بين الأزواج وهدم العلاقات بين الأرحام وغير ذلك من الإشكالات.
ويذكر أن السلفية تيار ضئيل بالنسبة إلى غيرهم، ومتأخر جداً في الظهور، في حين أن الصوفية والمعتزلة والفلسفة اليونانية الذين يقول الكاتب د. أبو رمان أن السلفية جاءت رداً عليهم إنما كانوا في القرن الأول الهجري وأن السلفية لا يمكن أن تكون رداً عليهم لأنها متأخرة جداً، وأما دعوى انتشار السلفية في العالم العربي فهو غير صحيح، بل الانتشار الأوسع كان حاضراً على مدار التاريخ الإسلامي لمذاهب أهل السنة والجماعة وفقهائهم بدليل انتشار ذلك في الحواضر الإسلامية وتصدر هذه المذاهب لدى الدول الإسلامية، بل كان حضورهم على المستوى الفكري ماثلاً في مؤسسة القضاء والإفتاء في شتى بقاع الدول الإسلامية.
كانوا يقولون في المثل: رمتني بدائها وانسلت، وهذا ما ينطبق على الحركة السلفية حين تدعي أنها تتنوع أنواعاً مع أنها فكرة واحدة بسيطة، مفادها الانطواء على الذات وعدم قبول الآخر مطلقاً.  
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير