النسخة الكاملة

النائب الضمور : امامنا تحديات جسام ولا وقت للمجاملات

الإثنين-2018-12-31 08:47 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - كتبت النائب منال الضمور  لا شك أننا أمام تحديات جسام ولا وقت للمجاملات وعبارات المديح والاستهلاك العام فيما الوطن يئن من اقصاه الى اقصاه تحت قسوة العيش وتعثر الإدارة الحكومية ، ولعل مناقشة الموازنة بأرقامها وسياساتها في الظروف التي تمر بها بلادنا اليوم فرصة لتصويب المسار واسترداد ثقة مفقودة .. تسعى الحكومة لإعادة بنائها ومثلها نحن ، وكل النخب الأردنية المعنية بالشأن السياسي والاقتصادي العام .
الملاحظات والمفارقات والإيجابيات والتشوهات بخصوص موازنة العام الجديد عديدة  وساوجزها فيما يلي :
أولا - لمست وغيري كثيرون تكرارا مفرطا في بناء هيكل الموازنة على ذات الأسس التقليدية التي لجأت اليها حكومات سابقة ولم تحدث فرقا في حياة الأردنيين ، بل على العكس أعادتهم الى الوراء وجعلتهم يتغنون بأوجاع الامس خوفا من قلق الغد .. موازنة أعدت بتخطيط ونوايا مسبقة مع صندوق النقد الدولي لزيادة الإيرادات الضريبية ، ومن أين ستأتي هذه الزيادة زميلاتي وزملائي الا من جيوب الأردنيين كما نعلم جميعا  ؟
ثانيا - تتوقع الحكومة ايرادات تقفز فوق ٨ مليارات دينار ، منها ايرادات ضريبية بمبلغ خمسة مليارات وربع المليار دينار ، وأكثر من ثلثي هذه الإيرادات ستأتي من ضريبة المبيعات وبنسبة ٦٨ بالمئة ، بينما حصة ضريبة الدخل من هذه الإيرادات  ٢٢ بالمئة منها وتذهب الحصص الصغيرة الى ايرادات الجمارك وضريبة بيع العقار .. والسؤال هنا الذي لم تجب عليه الحكومة ، كيف  تبني الحكومة موازنة تقشفية على حساب زيادة الإيرادات الضريبية بأكثر من ٧٢٣ مليون دينار ؟ وهي الحكومة التي اعترف أركانها على الملأ ان ضريبة المبيعات تعبر عن تشوه في التحصيل المالي اذ يساوي بين الفقير والغني .
ثالثا - بالمعنى السابق ، فإن الموازنة استندت  في شكلها ومضمونها الى رفع العبء الضريبي لا سيما من عموم المواطنين عبر زيادة ضريبة المبيعات وذلك من ان قامت الحكومة بخطوة استباقية لرفع العبء الضريبي بخصوص ضريبة الدخل على الأفراد وباقي القطاعات الاقتصادية .
ويرتبط بهذا النهج الحكومي غير العقلاني في تقديري فرضية حالمة تعتقد ان بالإمكان زيادة الضرائب واستمرار النمو ، وهو ما لا يمكن الاستناد اليه منطقيا ولا يقره علم الاقتصاد ، فسياسة التوسع في فرض الضرائب تتناقض مع توجهات واهداف تحقيق النمو التي تنادي بها الحكومة ، وبالأساس هناك انكماش لمسناه جميعا في الوضع الاقتصادي لعام ٢٠١٨ وشح في السيولة ، فكيف سيكون عليه الأمر اذا اتسعت دائرة الاستهداف الضريبي وحمل العبء فيها جميع المواطنون وفي مقدمتهم الفقراء ؟ 
وحتى الإيرادات غير الضريبية التي تقدرها الحكومة بمبلغ مليارين وسبعمئة وسبع وثلاثين مليون دينار والمفترض ان تتأتى من الرسوم والبدلات والفوائض المالية من الوحدات الحكومية وحصص الحكومة من أرباح مساهمتها في الشركات .. فكيف سيتسنى زيادة هذه الإيرادات ان استمر الانكماش لعام جديد ، او ساءت الأحوال الاقتصادية وفقا لاستمرار ذات التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني ونحن نعلم انها تحديات مستمرة بل ومتدحرجة .
رابعا - استوقفني كثيرا بند النفقات الجارية في الموازنة ، الذي ارتفع بمقدار ٢٥٧ مليون دينار ليتجاوز حجم الاتفاق الجاري ٨ مليارات دينار الحصة الأكبر منه ذهبا لرواتب العاملين والمتقاعدين التي لم يتم زيادتها باستثناء زيادات هامشية لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولماذا لم تظهر الأرقام هنا مساعي الحكومة في خفض الإنفاق ؟ والتناقض يحتاج الى توضيحات ، فإذا كانت الحكومة تتحدث عن ضبط حقيقي في الإنفاق الجاري في الوقت الذي لم تقدم فيه زيادات تذكر لرواتب العاملين والمتقاعدين ، فما المبرر لزيادة هذا البند في هيكل الموازنة وبحجم يتجاوز ربع مليار دينار ؟
أما الدعم النقدي ودعم الأعلاف والمعالجات الطبية ، فلقد جاء خجولا بمبلغ ٣٠٠ مليون دينار فقط وهو بالكاد يكفي حاجة نصف محافظات البلاد ، اذ تتعامل الحكومة هنا بمنطق إطفاء الحرائق ، غير لا تحقق أهدافا استثنائية في هذا المسار المتعثر .
خامسا - قدرت  الحكومة النفقات الرأسمالية بنحو 1242 مليون دينار بزيادة مقدارها 180 مليون دينار لعام ٢٠١٩ ، والأهم ان الموازنة اظهرت ان مخصصات  الموازنات الرأسمالية للمحافظات ستصل الى 300 مليون دينار ، وهو أيضا مبلغ لا يسهم في احداث فرق في أي من محافظاتنا العطشى بسبب السقاية الشحيحة التي تصلها من المركز ، ولقد شاهدنا في الربع الأخير من عام ٢٠١٨ حجم حاجة الأطراف للعناية والرعاية بعيدا عن الوعود والكلام الفضفاض ، اذ لم يكن مستشفى الشونة الجنوبية مؤهلا بشكل كاف لمواجهة حتى الحالات العادية خلال فاجعة البحر الميت .
وفي الأذهان سؤال مزمن عن الإنفاق الرأسمالي في الاردن ، فكثير من المشاريع التي تدرجها الحكومة تحت بند النفقات الرأسمالية لا يمكن اعتبارها مشاريع رأسمالية بالمعنى الحقيقي كي تحقق نموا اقتصاديا على نحو ملموس ، بل هي اقرب الى النفقات التشغيلية ، والقيمة المضافة فيها ومنها محدودة جدا ، ولا تشغل اياد عاملة جديدة ولا تسهم في حفز الصادرات .. ولكن الحكومة الحالية ومثلها حكومات سابقة تدرجها ضمن بند الانفاق الرأسمالي .
سادسا - ملف المديونية وفيه يسجل للحكومة ان شهيتها للاقتراض ليست كبيرة كما أظهرت ارقام الموازنة  ، وهناك تأكيدات حكومية بأن الاقتراض من اجل دفع الرواتب بات من الماضي ، وان المحاولات جادة من اجل خفض نسبة المديونية الى نسبة ٩٤ بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ، وهو امر يحتاج الى مفاوضات وجهود حثيثة من المانحين وكبار الدائنين ، اضافة الى ضرورة احراز دعم دولي متواصل ليتسنى للمملكة مواجهة جدولة مديونية قروض حصلت عليها حكومات متعاقبة ضمن سندات اليوروبوند ذات الفوائد العالية ، وهي بحجم ١٢ مليار دولار والتي يبدأ استحقاقها في ٢٠١٩ وتنتهي في عام ٢٠٢٣ .
سابعا - هناك ما هو اهم من الأرقام ، انه التخطيط والتفكير القويم لتصويب المسار الاقتصادي والاجتماعي وقبلهما السياسي ، فلقد صدمنا جميعا بخصوص ما تورده التقارير المحلية حول منتهى الخطط الحكومية ومدى جديتها في محاولة احداث الفرق في حياتنا ، فتقرير حالة البلاد الذي صدر مؤخرا عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي ودرس بتفصيل اكثر من ١٢٠ استراتيجية قطاعية تبين ان هناك عجز متكرر ومتراكم عن تحقيق الأهداف المعلنة وهو ما تسبب في تعميق فجوة الثقة بين الحكومات والمواطنين  ، أضف الى ذلك ان معظم الاستراتيجيات التي اعلنتها حكومات خلت لم تقترن بخطط تنفيذية ولم ترتبط بجداول زمنية ولم تخصص لها أي موارد مالية .
الزميلات والزملاء المحترمين :
في الختام ، يجب الاعتراف بأن اللحظة الراهنة قاسية علينا جميعا بكل تفاصيلها وملامحها ، وأنين الأردنيين يمكن سماعه في كل ارجاء الوطن .. والموازنة ليست أرقاما صماء ، انها معيشة اهلنا في عمان والمحافظات .. نريد ويريد الأردنيون خططا واستراتيجيات وأموالا تخصص لتحسين شروط حياتهم لا مجرد موازنات وخطط كذر الرماد في العيون تزيد من أحمالهم الثقيلة ، وتقلل من قدراتهم على التكيف .
استوقفني مطولا وانا اقرأ بعناية بيانات الموازنة  ما حل بالعسكري البطل سلامة العمرو الذي دافع قبل نصف قرن عن شرف الأمة كلها وليس عن الاردن وفلسطين فحسب .. سلامة العمرو ابن الكرك وبطلها أصيب إصابة أقعدته في معركة الكرامة .. أقصى أمانيه ان تجد احدى بناته وظيفة كي يطمئن على مستقبلها .. سمع وعودا كثيرة منذ سنوات ، ويبدو ان موازنات وحكومات مضت لم تلتفت الى أنين احد ابطالنا الشجعان ومن يشبهه ممن يبحثون عن العدالة والحرية والعيش بكرامة .
قال العلي القدير " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ "صدق الله العظيم
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير