النسخة الكاملة

الى روح الحاج غازي الشريف

الخميس-2011-07-28
جفرا نيوز - جفرا نيوز - فارس الحباشنة رحل عنا صباح أمس الحاج غازي الشريف «أبو خالد»، 74 عاما، أمضى نحو 50 عاما من حياته وهو يؤسس لمقهى الشريف الدولي بفرعيه في جبل الحسين وشارع الجامعة الاردنية، وشاهدا على أسرار عمان لاكثر من نصف قرن، وناقلا لحكايات سياسيي وأعيان الاردن.

كل أركان مكان مقهى الشريف الدولي مطبوعة بالحميمية، ينتظر الزبائن الحاج «ابوخالد» ليجالسهم، ويستمع لاحاديثهم، ويداعبهم بقليل من الحكايات الشعبية والروايات الشخصية، أب يروي لابنائه قصصا تتخللها الدموع، والاشواق وكأننا أمام لعبة كسر الاحزان والالم والاوجاع.

يجعلنا في المقهى مأسورين لحكايات الماضي، والذكريات السعيدة والاليمة، والمتعبة كالتعب الذي تفعله بنا ساعات العمل الطويلة والاسئلة التي لا تنتهي عما يجري في الاردن والبلاد العربية المجاورة من أحداث دراماتيكية تنقلها كاميرات الجزيرة والعربية والـ»بي بي سي»، كل شيء في المقهى حميمي بحضور الحاج «أبو خالد» حضور مباراة لكرة القدم لها حميمية مختلفة عن كل أماكن عمان وخاصة عندما يكون فريقنا الوطني طرفا في المباراة.

«أبو خالد» مبتهج الان في قبره، بالتأكيد هو مبتهج الى أبعد الحدود، غادرنا، وكلنا الم وحسرة، وشوق لرؤيته، ولن ينتظرنا بعد اليوم في المقهى، لن نسمع منه تلك الحكايات الاردنية الجميلة والاثيرة عن سابق عهد عاشه الاردن، وعن رموز ووجهاء أردنيين أسسوا لاصلاح ذات البين، وعن احترام التعايش الوطني العميق والعريق بين الاردنيين بمختلف أصولهم ومنابتهم.

لكل منا حكايات احباط ونصر في العشق والسياسة والكتابة كنا نرويها للحاج الشريف، نفتش عن خيوط أسرار أولئك الوجهاء والابرار الذين لا زال أهل عمان يروون حكاياتهم وأخبارهم، ونحاول أن نفك لغز أحترامهم، وسر تاريخية أحداثهم، ولعلنا لم نكتشف السر ولا الحبكة، رغم أن الشيخ قد غادرنا، فيبدو أن الازمة فينا أكثر من غيرنا.

كان يلتبس علينا ذلك الوفاق الحميمي الملتهب بين أبناء جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والوصفة السحرية لسر الالفة بينهم، وتساقط كل المؤمرات التي كنا نحبكها لايقاع الخصومة والاختلاف والفرقة بينهم، فما أن يحضروا حتى تجدهم يلتفون حول بعضهم، ويبدؤون في سرد أسرار ماضيهم، وما يستجد من واقع حاضرهم.

رحل الحاج غازي الشريف، وهو مقهور من أشياء كثيرة، ولم يهن غضبه من أمور كبرى كانت تجري من حولنا اضطر ليكون مجاملا لها رغم كثرة أوجاعها، فارقنا الحاج الشريف ونحن متعبون من آثار السفر، ومن طموحنا الدائم المتحفز وما يضيقنا من اقتراف الرغبات والشهوات واللذات.

أيها الرجل الصالح في دار الاخرة، ايها الرجل الصالح في تابوت السفر لدار العدل والحق، اقول لك تستحق الحياة منا الا أن نودعك ونحن على ألم، ونحن على دعاء وعلى انتظار، وفداحة غياب من تستطيع أن تكون معه أو ضده، وأن يظلّ معك، ذكرياتنا الماضية وراءنا في رحاب الذاكرة، ولا شيء يرينا هول انحسارها مثل صفعة الموت.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير