النسخة الكاملة

دبلوماسية الملك هي الأفضل !

الخميس-2017-10-24
جفرا نيوز - بقلم : شحاده أبو بقر

صحيح أننا في ضائقة إقتصادية خانقة لم نشهدها من قبل , وأن مديونيتنا فاقت حدودها , وصحيح أننا بحاجة لإعادة ترتيب أولوياتنا داخليا , والنظر مليا في نهجنا الإقتصادي والإجتماعي , وبالذات على صعيد سياسي وطني محلي , لكننا لسنا في خطر كما يروج كثيرون في منابر صحفية خارجية تلقى ولسوء الحظ , صدى عندنا هنا في الداخل !
في خضم هذا الواقع الذي لا مجال لإنكاره , تبرز دبلوماسية جلالة الملك في تعاطيه مع طوفان عارم من الحروب والصدامات التي تعصف بالمنطقة منذ سبع سنوات حتى الآن , بإعتبارها الدبلوماسية الأذكى والأفضل بين سائر الأقران , مستندة إلى منظومة مترابطة من مرتكزات حكيمة , القاسم المشترك بينها جميعها , هو تجنب إنخراط الاردن مباشرة في أي من تلك الحروب التي أتت على الأخضر واليابس على حواف حدوده , وهذا والحمد لله قد تحقق ! .

الدبلوماسية الأردنية التي يقودها الملك شخصيا وبصمت إيجابي يتحاشى البحث عن هالة إعلامية , نجحت تماما وسط ظروف إقليمية ودولية غاية في الدقة والحساسية , في إنتزاع ثقة أصدقاء مؤثرين على الساحة الدولية " روسيا وفرنسا وألمانيا " , وفي بناء علاقة متوازنة مع العراق بكل مكوناته المتناحرة ! , وفي لجم أي مبرر منطقي لسورية التي مزقتها الحرب لمعاداة الأردن ! , وفي جعل دول الخليج الشقيقة التي تمر بأزمة مستعصية حتى الآن , لأن يشعر طرفاها بأن كلا منهما " قصر " في دعم الأردن كما يجب , فالاردن لا يطلب ولا يستجدي لكنه يكظم عتبه , وهذا من مقتضيات التشبث بالكرامة التي يضعها الملك في طليعة إعتبارته ! .

والدبلوماسية الاردنية التي يقودها الملك شخصيا , تضع ساسة وقادة " إسرائيل " في حرج شديد , فهم أمام خيارين لا ثالث لهما , فإما الإذعان لمطالب الأردن , أو لا عودة للسفارة وطاقمها , ومن يتابع بتمعن الصحافة الإسرائيلية اليوم , يلمس حجم نقمة مفكريها وخبرائها السياسيين على نتنياهو وطاقمه , جراء ممارساتهم إزاء الأردن المرتبط بمعاهدة سلام معهم ! .

ودبلوماسية الملك ذاتها , تمنع أي مسوغ لإيران أحد أهم اللاعبيين الإقليميين في المنطقة , دون أن تمس الأردن ولو بكلمة سوء , حتى والأردن يعمل ويطالب بإبعاد ميليشياتها عن حدوده , مثلما يجمد علاقاته الرسمية معها حتى تاريخه ! .

ودبلوماسية الملك المطلة على ما سمي بصفقة القرن حيال القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي برمته , هذا إن تبقى صراع , تقوم على منهجية النأي بالنفس عما يجري حاليا من مصالحات وترتيبات توطئة وتهيئة لحل مقترح , بمعنى دع غيرنا يهيء لمراسم العرس , وعند عقد القران فلا يمكن للمأذون أن يخط حرفا إلا بجلوسنا على الطاولة وبموافقتنا , بإعتبار أن لنا في كل مفصل حقا ومصلحة عليا ودورا لا يملك أحد تجاوزه , وإلا فلا سلام كما تريد الأطراف المباشرة ومعها أطراف عربية !.

دبلوماسية الملك وبعد أن أقنعت الإدارة الأميركية وبجهود خارقة بحتمية الإلتفات إلى القضية الفلسطينية بإعتبارها جذر كل ما حل بالمنطقة من مصائب , تقوم اليوم على المراقبة عن بعد وعن قرب , بعد أن تكاثر المتدخلون , بمعنى دع أهل القضية الرسميين " فتح وحماس والسلطة " وأعوانهم من العرب يعملون , كي نرى أين ستذهب الأمور وعندها لكل حادث حديث وموقف وقرار ! .

نعم , سياسيا الأردن ليس في خطر ولا يعاني التهميش كما يقول محللون وكتاب عرب خارج حدود عالم العرب ومنهم من يسدي لنا نصائحه وماذا علينا أن نفعل تجنبا لما يسمونه خطر الإقصاء والتهميش , ولكن نعم في المقابل , فالأردن يعاني إقتصاديا وهو ما يتطلب إجراءات وقرارات إستثنائية لا تمس عيش الأردنيين بتاتا , وكيف ذلك وما هي وسائله !

شخصيا أعتقد بان الدبلوماسية السياسية الأردنية الناجحة التي أخرجت الأردن من أفواه الذئاب , يمكنها اليوم القفز إلى المرحلة الثانية , وهي المناورة السياسية التي تمارسها سائر دول الأرض النابهة بحثا عن مصالحها وإلزام الآخرين بالإستجابة لها , وهذا ممكن عبر إعلام سياسي مبدع ذكي , يروج لمواقف وقرارت أردنية إستثنائية يجري بحثها ويمكن إتخاذها على نحو مفاجيء كتحول كبير في السياسة الأردنية مثلا ! .

دبلوماسية سياسية إعلامية كهذه , يمكن أن تعيد خلط الأوراق في المنطقة كلها وعلى نحو يدخل اللاعبين الرئيسيين فيها في دوامة التفكير بمدى جدية ذلك التحول , وبالتالي الإستجابة لمصالح الأردن الإقتصادية الضاغطة جدا إجتماعيا ! .

هذا يتطلب " مطبخا سياسيا " يفكر ويقترح وينفذ , مثلما يتطلب حكومة إستثنائية ذات طابع وطني يشعر كل مواطن معه أنها حقا حكومة وطنية تشارك فيها سائر مكونات الأردن الإجتماعية وبكل أطيافها السياسية , مثلما يتطلب تفعيلا أقوى للحياة الحزبية والبرلمانية على النحو ذاته , وحشدا لكل الطاقات الأردنية المعارضة والموالية معا مع الملك والوطن في مشهد وحدة وطنية حقيقية لا مكان فيها لخارج عن الصف أو لمتعمد لإعاقة المسيرة , لنثبت للقاصي والداني أن الأردن ليس مهمشا , وأن الأردن ليس في خطر , وإنما غيره هم من هم في خطر ! دبلوماسية الملك نجحت سياسيا في كل ما فات من مراحل , وهي مؤهلة لأن تنجح تماما إقتصاديا وإجتماعيا وبالقدر ذاته وأفضل , والله من وراء القصد .
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير