سيدة تخترق عالم قيادة الجرافات
الأربعاء-2015-03-18 09:44 am

جفرا نيوز -
- تقاطيع متناسقة، وملامح هادئة لشابّة رقيقة لا تتلاءم مع خشونة الجرّافة الفاقعة اللون التي تعتليها.. بدا المشهد برمّته متناقضا مع مكوّناته، وصورة الشابّة الكاميرونية، ليدي بيكا، وهي تقود الجرّافة الضخمة وسط موقع لبناء الطرقات، غير متناغم مع ذلك المكان الذي يعجّ بالعمّال من الذكور.. هي المرأة الكاميرونية الوحيدة التي تقود مثل هذه الآلة العملاقة في بلدها، وهذا ما جعل منها إستثناء لافتا في عالم ذكوري.
في خضمّ الجلبة الهائلة التي يحدثها محرّك الآلة العملاقة، وأبواق السيارات المارة والدراجات النارية المسرعة، تناور الشابة الكاميرونية، بالجرافة بشكل لافت حتى لكأنّها تقود سيارة خفيفة صغيرة الأبعاد.. وبقبّعة رياضية شبه مكشوفة ترتديها إتّقاء لشمس آذار الحارقة، في دوالا العاصمة الإقتصادية للكاميرون (الساحل)، تجوب ليدي الطريق المفروش بالتراب جيئة وذهابا، ونظرات عينيها تنتقل بين لوحة القيادة أمامها والمرآة العاكسة، لتتثبت، في كلّ مرّة، من أنّ الطريق أضحت جاهزة لوضع الإسفلت عليها.
قيادة فتاة شابة لآلة عملاقة كالجرافة، لا يعدّ أمرا مألوفا في المدينة الساحلية، وهذا ما يدفع بالعديد من النساء والرجال من المارّة بحيّ بونابري، إلى التوقّف لمراقبة ذلك الجسد اليافع وهو يواجه الآلة العملاقة بإعجاب شديد، وأحيانا بغيرة غير معلنة من قبل بعض النساء ممّن يقبضن على أزواجهن وهم بصدد مشاهدة ليدي خلال أدائها لعملها.
"أنا المرأة الوحيدة التي تقود جرّافة في الكاميرون".. هكذا قالت ليدي بنبرة مشحونة بفخر خال من المغالاة والغرور.. فـ "في السابق، لم نكن نرى سوى الرجال على متن هذا النوع من الآلات الضخمة، أو النساء الصينيات. أمّا اليوم، فهناك واحدة كاميرونية على متن جرّافة".
بيير مباتوسوغو، الرئيس المباشر الحالي لليدي، قال يتحدّث، في تصريح للأناضول، عن موظّفته التي أثارت الإنتباه: "أنا أعمل في مواقع بناء الطرقات منذ أكثر من 30 مرة، ولقد رأيت نساء يقدن المدحلة (الثابتة على وجه الخصوص)، وماكينات قشط الإسفلت، لكنّي لم أرى قطّ نساء يقدن الجرّافة العملاقة.. ليدي تعمل بشغف وبحماس، وهي مفخرة الموقع بأكمله".
التحلّي بما يكفي من الجرأة والشجاعة لإقتحام مجال إحتكره الرجال، أو لم يتجرّأ غير الرجال على إقتحامه في الكاميرون، نابع من شغف كبير بهذه المهنة التي ظلّت حكرا على الذكور، وليدي تشكّل إستثناء في ذلك، فهي تجوب مواقع البناء في مختلف أرجاء البلاد، على متن آلتها الضخمة، وذلك منذ حصولها على رخصة قيادتها في 2011، بل لم يقتصر عملها داخل الكاميرون فحسب، وإنّما حدث وأن إنتقلت إلى تشاد في إطار أدائها لوظيفتها.
ففي 2013، إنتقلت ليدي إلى تشاد في نطاق عملها مع شركة أشغال عامة فرنسية، لبناء الطريق الرابطة بين نصار وكيابي.. أحداث ترويها الشابة ذات الـ 31 عاما بـ "وخزة" صغيرة في القلب، على حدّ قولها للأناضول.
"لقد أردت تكوين وتدريب إمرأة تشادية على الأقلّ في هذا المجال"، تتابع الشابة الكاميرونية بأسى، غير أنّ "لا واحدة قبلت بذلك.. حاولت بشتى الطرق دون جدوى".
وبعودتها إلى دوالا، حاولت ليدي أيضا مع نساء مدينتها، لكنّهن رفضن تماما كما سبق وحدث معها في تشاد. فـ "النساء يقلن إنّهن لا يردن تعلّم هذه المهنة، والبعض منهن كنّ يشعرن بالهلع لدى رؤيتهن للآلة العملاقة".
شغف ليدي، والتي تعمل في الوقت الراهن لحساب شركة أشغال عامة فرنسية تدعى "ساتوم"، ليس وليد اللحظة، وإنّما يعود إلى سنوات طفولتها الأولى. فوالدها كان بدوره يعمل سائقا لجرافات مماثلة، وكانت ترافقه، مذ بلغت السادسة من عمرها، خلال العطلات المدرسية، إلى موقع بناء طريق سانغميليما جنوبي الكاميرون.
قالت ويدها تنفض عن ذراعها الأيسر ما علق به من غبار: "في يوم من الأيام، طلبت منه (والدها) إن كان بإمكاني أن أجلس مكانه أمام عجلة القيادة، وقبل، إلاّ أنّ ساقيّ لم تتمكّنا من بلوغ الدوّاسات، فكان إكتفيت بالإمساك بعجلة القيادة للحظات قبل أن أفسح المجال من جديد لوالدي".
ورغم نجاحها في السنة الأولى من مرحلة دراستها الجامعية، إلاّ أنّ ليدي فضّلت العودة إلى المجال الذي تعشقه بجنون. وفي 2009، قدّمت أوّل طلب للتربّص كعاملة تقوم بتحرير التقارير اليومية لحظيرة ميغانغا، خلال تشييد الطريق الرابطة بين غاروا وبولاي (شرق). وحين نالت القبول في التربّص المذكور، والذي أتاح لها دخول موقع الأشغال، "إستولت" الشابة ذات الـ 27 عاما آنذاك، على كاتالوج الجرّافة، لتنكبّ، كلّ ليلة، على قراءة وإعادة قراءة كلّ ما يتضمّنه من معلومات حول تركيبة الآلة الضخمة، وتعلّم كيفية رسم أجزاء منها.. ثمّ كان عليها المرور إلى المرحلة الموالية، فكان أن أعلمت رئيس الحظيرة بشغفها بالآلة العملاقة، فقبل طلبها بتعلّم قيادتها، رغم أنّه وجدها "صغيرة جدّا ورقيقة" لتقوم بعمل مماثل، على حدّ قولها.
"بدأت العمل مع سائق وقع تعيينه في (العاصمة) ياوندي"، تواصل ليدي إسترجاع البدايات، و"خلال 14 شهرا، تمكّنت من الحصول على شهادة التخصّص، والشركة التي إحتضنت تربّصي، قامت بتعييني، وكنت أوّل إمرأة تحصل على عمل كذاك الذي حصلت عليه".
أمّا نظرات الرجال نحو هذه المرأة التي تجرّأت على تخطي عتبة أنوثتها والإرتماء في مجال خشن، فقد إنتهت رقيقة مشجّعة، بعد أن إقتنعوا بشغف ليدي بما تقوم به.. هم الآن يرونها "عصفورا"، أو "ساحرة" صغيرة في مجال السياقة.
ليدي، وهي أيضا أمّ لفتاة صغيرة في الرابعة من عمرها، ختمت حديثها قائلة: "البعض لا يتمكّن من إستيعاب حقيقة أنّ إمرأة بإمكانها قيادة آلة بهذا الحجم وعلى هذه الدرجة من الخطورة في بعض الأحيان، غير أنّ البعض، على غرار زملائي، يشجّعونني ويدعمونني". الاناضول

