
هدد نواب بمقاطعة جلسات المجلس اذا اقدمت الحكومة على رفع اسعار الكهرباء اعتبارا من شهر كانون الثاني الحالي، بينما كان رئيس الوزراء د. عبد الله النسور يؤكد امام النواب في منزل النائب رائد الكوز ان الحكومة ملتزمة برفع اسعار الكهرباء وباتفاق مسبق مع النواب تم انجازه العام الماضي. ويبدو ان ثلاثية النواب والكهرباء والحكومة ستعود لتتصدر المشهد السياسي الاردني على خاصرة العبدلي في الوقت الذي تداعى فيه نواب لتوقيع مذكرة طالبوا الحكومة بعدم رفع اسعار الكهرباء والاستفادة من انخفاض اسعار الوقود في السوق العالمية.
ولا يشكل تهديد النواب ــ البالغ عددهم اربعة نواب حتى مساء امس "خليل عطيه، علي السنيد، هند الفايز، سمير قعوار" ــ اية قوة من شانها تعديل المزاج الحكومي نحو تاجيل رفع اسعار الكهرباء لفترة مقبلة قد تمتد لتصل الى مطلع عام "2016″ الا اذا نجح هؤلاء بتشكيل لوب نيابي ضاغط سيساعد في اتساع دائرة المهددين بالمقاطعة، ما يشكل ثقلا كبيرا على الحكومة وعلى المجلس، وسيكون اكثر تاثيرا في حال نجح هؤلاء في استقطاب عدد يسمح لهم بالفعل بتعطيل انعقاد جلسات مجلس النواب، لان حسابات الحكومة عندها ستختلف حتما وستدخل الحكومة في مواجهة مفتوحة مع النواب.
وللحقيقة فان المزاج النيابي مستعد تماما لخوض هذه التجربة الاحتجاجية، فتحت ضغط العلاقة غير الناعمة مع الحكومة، وتحت ضغط الناخبين وتدني الدخل فضلا عن انخفاض اسعار الوقود عالميا فان المزاج النيابي لن يعارض اية دعوة للانقضاض على الحكومة تحت عنوان الكهرباء، والغاز الاسرائيلي وغيرهما من المبررات والظروف الكافية لتجعل النواب ينحازون للناس ومبدأ الاحتجاج السلمي بمقاطعة جلسات مجلس النواب لاحراج الحكومة والضغط عليها.
وما يؤكد استعداد السلطة التشريعية للاحتجاج ذلك البيان الذي صدر عن مجلس النواب نهاية الاسبوع الماضي دعا المجلس الحكومة فيه الى تجميد قرار رفع اسعار الكهرباء كون قرار التجميد يعد مصلحة وطنية عليا لاقتصادنا الوطني ولجميع قطاعاتنا الاقتصادية مثلما يؤدي بالضرورة الى تعزيز تنافسية الاقتصاد الاردني في القطاعات كافة وتعزيز البيئة الاستثمارية لجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية وتخفيف الاعباء على الشرائح الوطنية المختلفة.
واكد المجلس في بيانه ان قرار رفع اسعار الكهرباء في الوقت الحالي والذي يعد من اختصاص السلطة التنفيذية لن يكون قرارا صائبا وسيؤثر في القطاعات كافة وذوي الدخل المحدود.
ودعا المجلس الحكومة للتريث في اتخاذ قرار تعديل التعرفة الكهربائية وتجميده واعادة دراسة المسببات التي ستؤدي لرفع اسعار الكهرباء في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن الاردني ومختلف القطاعات التجارية والصناعية ونظرا لانخفاض اسعار المشتقات النفطية عالميا الى ما يزيد على (40) من مئة مما يحتم على الحكومة الاسراع بقرار خفض اسعار الكهرباء وليس رفعها للتخفيف عن كاهل المواطن في ضوء ما تحمله من اعباء اقتصادية ثقيلة خلال الفترات السابقة.
وبالنظر لمضمون البيان الصدار عن مجلس النواب فان مضامينه تكشف عن ملامح الثلاثية التي تقوم عليها علاقة النواب والحكومة والكهرباء، فالبيان النيابي تعمد تاكيد ان قرار رفع اسعار الكهرباء من اختصاص الحكومة وسلطتها دافعا بذلك اي اتهامات قد توجه للمجلس كونه الشريك الذي اضاء للحكومة اعمدة الطريق لرفع اسعار الكهرباء.
وتضمن البيان النيابي مغازلة المواطنين الذين وصفهم بانهم يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة وتحملوا في سبيل ذلك اعباء اقتصادية مرهقة في الفترة الماضية.
وعزف النواب في بيانهم على الاستثمارات والصناعات ومدى تاثرها السلبي في حال قررت الحكومة رفع اسعار الكهرباء، في الوقت الذي تشهد فيه اسواق الطاقة العالمية انخفاضا كبيرا في اسعار الوقود ما يحتم على الحكومة تحفيض الاسعار لا رفعها.
هذه المضامين الرئيسية الواردة في البيان النيابي لم تذهب بالمطلق الى تهديد الحكومة بمقاطعة الجلسات او حتى بمحاسبة الحكومة، لقد كان البيان ناعما تماما بخلاف حالة الغضب التي يشهدها مجلس النواب، واستعداد نواب قد تتسع دائرة المنضمين اليهم ليس فقط لمقاطعة الجلسات وانما للذهاب الى ما هو ابعد من ذلك وهو تعطيل انعقاد جلسات السلطة التشريعية وعندها لا بد وان تواجه الحكومة مأزقا حقيقيا يتعلق هذه المرة بمدى قدرتها على الاستمرار شريكا للسلطة التشريعية فصاحب القرار وعقل الدولة جلالة الملك ربط استمرار الحكومة وبقاءها في الدوار الرابع بمدى رضا النواب عنها وهذه قاعدة ذهبية يتوجب على الحكومة النظر اليها بجدية وحرص كبيرين، كما ينبغي على النواب الاهتمام بهذه القاعدة التي تربط حياة الحكومة بمدى رضاهم عنها، ما يفتح لهم الباب لتوجيه رسالة مباشرة لعقل الدولة تفيد بانهم غير راضين عن الحكومة وبالتالي الطلب منها مغادرة الدوار الرابع لكونها افتقدت الشرط الحياتي لاستمرار بقائها.
ولعل هذه المعطيات كانت حاضرة تماما على طاولة الحكومة فحتى مساء امس لم يصدر عن الحكومة ما يفيد بانفاذ قرارها برفع اسعار الكهرباء.
اليوم الاحد يعقد مجلس النواب جلسة مسائية لمواصلة مناقشة مجموعة من مشروعات القوانين، وليس من المتوقع ان تواجه الحكومة مجلس النواب وهي تحمل قرار رفع اسعار الكهرباء لانها ستجد نفسها في مواجهة حتمية مع موجة غضب واحتجاج نيابي قد تتعبان الحكومة في امتصاصهما وتحويلهما لنصر مجاني يسجل في سجل انتصاراتها العديدة المتتالية على النواب. من الواضح ان ثلاثية النواب والحكومة والكهرباء ستشبه الى حد بعيد لعبة الاحتراق الداخلي، وهي لعبة في غاية الخطر لأن من سيدفع الثمن هذه المرة هي الحكومة نفسها لا مجلس النواب.