الأغنية اللبنانية ... حين تخاف «داعش»
الأحد-2014-12-28 11:17 am

جفرا نيوز - جفرا نيوز-
لا تفارق الأزمات لبنان. ما إن تنتهي واحدة حتى «نغرق» في أخرى، فتبقى أوضاعنا متوترة وغير مستقرة. فالبلد بلا رئيس، وأزمة اختطاف «داعش» جنوداً لبنانيين، وذبح بعضهم والتهديد يومياً بذبح من تبقى، أخبار تتصدر المشهد العام، إضافة إلى فساد الأطعمة والطبقة السياسية، وتمدد الحركات المتطرفة وسيطرتها على بعض المناطق، والخوف من تدهور الأوضاع، وانتقال المعارك من الحدود السورية إلى الداخل اللبناني.
سنة عادية تشبه إلى حد كبير سابقاتها، بما تخللها من معارك داخلية وحروب صغيرة وكبيرة، لكن المفارقة هذه السنة، أن الفن تأثر كثيراً بأوضاع البلد، فقلَّ الإنتاج الفني، وتأجل صدور العديد من الألبومات الغنائية، فيما اعتمد بعض المهرجانات على ما تيسر من ضيوف، من دون حضور أسماء كبيرة.
وتبقى بعض «المغامرات» الفنية فردية، معتمدة على نشاط بعض الشباب وحيويتهم في تنظيم معارض فوتوغرافية أو تشكيلية، أو إقامة حفلات موسيقية، لكن كل ذلك تأثر بأوضاع البلد غير المستقر أمنياً. فالخوف من «داعش» غيَّر ملامح المدينة، ولم يعد الفن قادراً على مواجهة الإرهاب، على عكس ما كان يحصل، حتى إبان الحرب الأهلية.
اللافت هذه السنة فنياً، عدم مواكبة الفن للأحداث الجارية، وعدم قدرته على ترجمة هذا الخوف من السلاح والبطش وفعل الذبح إلى حركة إبداعية، سواء كانت أغنية أم لوحة أم لقطة أم حتى معزوفة موسيقية.
تخلى فنانو هذا البلد عنه في أصعب الظروف، فيما ظلت بعض الشركات تنتج أغاني سخيفة عن الحب والخيانة والشوق. تكمن مهمة الفنان الأساسية في مواكبة الأحداث لتقديم مادة جيدة، لا أن يبقى خارج زمانه يغني للدمع والأرق والفراق.
يعيش لبنان حالاً أمنية متوترة، وثمة قرية (عرسال - شرق لبنان) احتلها إرهابيون وسيطروا عليها، إضافة إلى أزمة الحكم، وعلى رغم ذلك لم نسمع أغنية تحاكي ما يجري في البلد، أو عملاً يرفض الإرهاب. هذا الغياب غير المبرر لفناني لبنان عن قضية أساسية، يتيح لنا القول إنهم بعيدون كل البعد عن الالتزام بقضايا الوطن، والانغماس بأخرى سطحية. هذه الحال من الانحطاط الغنائي ليست وليدة السنة، بل هي ممتدة منذ فترة.
والغريب أن ما نمر به، يعتبر مادة غنية لكتاب الأغنية، لما في هذا الموضوع من تشعبات، وبالإمكان الكتابة عن الوحدة الوطنية والألفة والمحبة والسلام وحب الآخر - الشريك في الوطن، والعدالة والحرية، وانتقاد الوضع السياسي، والإضاءة على أخطائنا الفردية والعامة، والحديث عن أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية واليومية.
كل هذه المواضيع لم نسمع بها منذ فترة طويلة، باستثناء أغنية «شو عملتلي بالبلد» للفنان زين العمر الذي انتقد فيها أوضاع البلد وشكلت آنذاك (2005) حالة استثنائية ورافضة للواقع. ما عدا ذلك، لم يُسجّل أي خرق انتقادي منذ تلك الفترة، علماً أن بعض الفنانين حاول تقديم أعمال مماثلة، لكنها لا ترتقي إلى مستوى ذكرها أو الحديث عنها.
عجز فنانو لبنان عن التعبير عن أوضاع بلدهم، وركضوا صوب قصص خيالية وحب مستحيل في أغانيهم. أما من حيث اللحن والأداء فحدث بلا حرج. ألحان مستنسخة وتوزيع غير متوازن مع الاعتماد على موسيقى إلكترونية في غير مكانها.
ظهرت فئة من المغنين مع بداية سبعينات القرن العشرين، التزمت قضايا الوطن والهوية والانتماء ومنهم مارسيل خليفة وسامي حواط وماجدة الرومي وجوليا بطرس وزياد الرحباني. عمل هؤلاء مع زملائهم إبان الحرب الأهلية (1975-1990) على تقديم أعمال تعبر عن أوضاع الوطن، فبرز خليفة في أغانية الوطنية مستعيناً بكلمات الشاعر الراحل محمود درويش، وأحمد قعبور وخصوصاً أغنية «أناديكم» التي تعتبر أيقونة وطنية، وجوليا بطرس التي غنت للجنوب المحتل آنذاك عملها الشهير «غابت شمس الحق»، والتي كانت سبباً أساسياً في تكريسها مغنية ملتزمة، وزياد الرحباني بما قدّمه من أعمال مسرحية شرحت المجتمع اللبناني وأظهرت عيوبه، إضافة إلى أغانيه الانتقادية الساخرة.
عملت هذه الفئة على تكريس الفن لخدمة القضية. صحيح أن الأغنية غير قادرة على التغيير في بلادنا، لكنها توعي المواطن بحقوقه وما عليه من واجبات. فيما برزت خلال فترة الحرب، مجموعة من المغنين الرومنسيين قدموا أعمالاً كلماتها راقية وألحانها رقيقة على أذن المستمع. بات على الفن في لبنان الخروج من شرنقته والانفتاح على قضايانا ومجاراتها، وهنا لا نشمل في حديثنا، بعض الأعمال الشبابية الإبداعية، بل نقصد المسيطرين على الساحة الفنية منذ أكثر من 20 سنة، وشركات الإنتاج التي تقدم العون لفنانات الإغراء والإثارة. ثمة فئة من الشباب قادرة على تغيير شكل الفن وأدواته من خلال الموسيقى والأداء وكيفية تقديم المنتج الفني.
عام 2014 مر ثقيلاً على لبنان، و»داعش» ساهمت في هذا الثقل، خصوصاً أنها أصدرت فتوى بهدر دم الفنان الشعبي شعبان عبدالرحيم، بعدما قدّم أغنية تنتقد أفعالها. لم يجرؤ أحد على «التطاول» فنياً على هذه الجماعة المتطرفة كما فعل «شعبولا»، لكنه في عمله عبّر عن وجهة نظر فئة كبيرة من المجتمع، وهذا هو تحديداً دور الفنان.

