الذكرى السنوية الثانية لوفاة المرحومة ثناء عبد الحميد الشلة

بسم الله الرحمن الرحيم
                         " كلمة رثاء " 
        في الذكرى السنوية الثانية لوفاة المرحومة ثناء عبدالحميد درويش الشلة / ام عصام 
       الفريق المتقاعد محمد الرقاد واولاده 
واحفاده 
            قال تعالى : ( الذينَ تتوفّاهمْ الملائكةُ طيّبينَ يقولونَ سلامٌ عليكم ُ ادخُلُوا الجنّةَ بما كنتم تعمَلونَ ) سورة النمل/ ٣٢ 

          " عامان مضيّا في حضرةِ الموت " 
        
         فقيدتنا الغالية .. المرحومة ام عصام ..
                   " لروحك سلامٌ ورحمةٌ "

… في مثل هذا اليوم ، وقبل عامين مضيّا ، كان موعدنا مع القدر حين اختارك الله الى جواره ، آمنة مطمئنة تسبحين مع صوت آذان الفجر ، والناس خارجين الى صلاتهم . في هذه اللحظات وقد وصلتِ الى نقطة النهاية ، كانت روحك الطاهرة تصعد الى البارئ عز وجل ، تودعين واحداً وستين عاماً  ، من رحلة العمر ، قضيتيها متنقلة بين محطاتِ الحياة بكل تفاصيلها الدينية والدنيوية : ماضيها وحاضرها ، حلوها ومرها ، فرحها وحزنها ، سعادتها وشقائها … فجاءت لحظة موتك التي انهت رحلة الحياة الدنيا ، وانهت الساعات الجميلة من ايامنا التي عشناها معاً  ، رحلتِ وتركتينا نعيش حياتنا مع سنن الله في الكون ، يوم يحملنا ويوم نحمله ….
    المرحومة ام عصام …
   ليس هنالك ما هو اصعب من ان تكتب رثاءٌ بفقد عزيزٍ ، لاننا نحتاج ربما الى العمر كله لنستوعب هذا الفقد ، ولم يعد موتك حدثاً كان ومضى ، بل هو حديثٌ يوميٌ طاغٍ  تتناقله الألسن كلما لاح ذكرك .
ففي وسط الحزن الذي عشناه بين عامين متتالين ، كنت واحدة من مجموعة مختارة من ذوي القربى ، اختاركم الله الى جواره ، فقيدٍ تلو الآخر . فكان ألم  الفراق موجعٌ ومرارة الفقد متعبةٌ ، وكم هي قاسية لوعة الموت ، وكم هي مؤلمةٌ ، ان تفقد نخبة من الأحبة من حولك ( اهل واقارب واصدقاء وجيران ) ، وليس لديك في حضرة هذا الموت شيٌ تفعله ، الا ان تلوذ بالخشوع والدعاء ، وتجتهد بطلب المغفرة والرحمة لهم ولجميع اموات المسلمين .
     المرحومة ام عصام …
     كنت تعلمين ان رحيلك عن هذه الحياة ، وان موعدك مع الله قد حان وقته ، وكنت تدركين وانت في الساعات القصيرة والأخيرة من حياتك ، انك تخوضين حرباً خاسرة مع مرضك اللعين ، وقد نال منك - حسب ما اخبر به الاطباء -ما ينبئ بأنه اتلف الأعضاء الحيوية لديك ، ومع علمك بهذا ،  الا ان روحك بقيت على تواصل مع الله سبحانه وتعالى ، راضية مرضية بلا خوف ولا وجل . اما نحن رغم قناعاتنا - بما اخبر به الاطباء  - فأملنا بالله ورجائنا  له كانا اكبر من الكلمات وابلغ من القناعات . الا ان لحظة الموت قد دنت ، وان ارادة الله قد وجبت وكانت اقوى من ارادة الجميع .
    المرحومة ام عصام …
    عامان مضيّا على رحيلك في حضرة الموت ، ولا يزال بيتنا خالياً بدونك كما هو وكما تركتيه آخر مرة ، ولا زالت غرفتك واشياؤك الخاصة على حالها ، وقد اخذت اثراً اكثر ثقلاً على النفس ، لانها تبدو وكأنها لا تزال مأهولة بك ، وهي غير ذلك . نفتش عنك ، نناديك صباح مساء ، وفي كل يوم يزداد ايماننا : " ان لله ما اخذ ، وله ما اعطى ، وكل شئ عنده بأجل مسمى ، فلنصبر ونحتسب " مصداقاً للحديث النبوي الشريف في دعاء ( التعزية ) .
    المرحومة ام عصام …
كم هي صعبة ومؤلمة مقاومة المرض ، وكم هي مؤثرة ومحزنة لحظات مواجهة الموت على امل الحياة . هذه المشاعر القاسية عشناها معك لحظة بلحظة ، وانت نزيلة المستشفى ، ونحن ننظر اليك في كل زواية ومن كل اتجاه ، ونلاحقك من غرفة الى غرفة ، ومن قسم الى آخر . نبحث عن أسرع طريق للنجاة ، وافضل دواء لتخفيف المعاناة . الا ان المرض الخبيث كان يستعيد نشاطه بعد كل وجبة دواء، ويهاجم عضواً جديداً في جسدك المنهك ، ومع كل هجمة نرى اليأس في عيون الأطباء والممرضين يزداد يوماً بيوم ، وساعة تلو  الساعة ، الى ان دنت لحظة الموت .. وقد خرج احدهم بتصريح العاجز : ( احنا عملنا اللي علينا والباقي عند ربنا ) . هذه العبارة العاجزة الا من - قدرة الله - لها دلالات واضحة وتحمل معانٍ كثيرة ، وهي تصريحٌ طبي غير مباشر في لحظة يأس موجه الينا  ، ان الوقت قد انقضى ، واننا على شرفة الموت ننتظر قدومه .
      المرحومة ام عصام ….
     موتك شل تفكيرنا ، ومنعنا من فعل اي شئ ، اصبحنا لا نطيق الوقت ولا نشعر بقيمة الزمن ... عامان مضيّا على رحيلك ،  ونحن نعد الايام ولا ننتظر ما تعطينا ، نحاول ان نقوّى على النهوض ، وحينما نتذكر رحيلك المفجع  ، وكيف اوقف عجلة الحياة فينا ، نفقد السيطرة على قيادة انفسنا والتكيف مع الواقع ، ونعيش حالة دائمة من اليأس والبؤس ، تفرض علينا ان نميل الى الصمت وكتم الأحزان ، لأننا ندرك ان الشكوى لله وحده ، والشكوى لغير الله مذلة ، والصبر الجميل صبراً بلا شكوى ، واذا سألت فاسأل الله ، واذا استعنت فأستعن بالله ، مصداقاً لقوله تعالى : " واذا فرغت فانصب والى ربك فارغب " صدق الله العظيم .
     المرحومة ام عصام …
   عرفناك خلال مسيرتك التربوية ، معلمة ومربية ومرشدة ، لم تتواني يوماً عن خدمة طالباتك وتقديم  النصح والارشاد لهن . وعرفناك صديقة وفية لزميلاتك في الخدمة التربوية ، وعلى علاقة مميزة معهن ، وكنّ على تواصل معك طيلة فترة مرضك ، وقد لمسنا طيب هذه العلاقة عندما أتين وشاركن في تقديم العزاء ، والدعاء لك بالرحمة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى . وقبل كل هذا عرفناك المرأة الصالحة ، والزوجة الفاضلة ، والام الحنون ، المفعمة بالمودة والاحسان ، والحريصة على محبة الناس وحسن الظن بهم والتواصل معهم . وفوق كل ذلك كنت تخافين الله في السر والعلن ، تملكين روحاً كثيرة الحمد والشكر لله جل وعلا ، طيبة القلب ، كريمة ، سخية ، متواضعة ، صامتة ، صافية  النفس ونقية السريرة . يشهد لك بهذه الصفات من عرفك عن قرب او تعامل معك ، ولنا من شهادة الناس الاخيار ، وحديثهم عنك وعن مآثرك الطيبة ، خير شواهد على سيرتك ومسيرتك العطرة والحمدلله .
    المرحومة ام عصام …
   الامومة الحانية هي الصفة المميزة عن صفاتك الطيبة الأخرى ، هذه الأمومة الكاملة عندك هي رابط الوصل الحاني الذي جمعك مع ابنائك واحفادك حبٍ وحنانٍ  ، في حبلٍ سريٍ يمتد من واحد الى آخر ، وهذه الامومة ايضاً هي المعنى الشامل للعلاقة الجذرية بكل مكوناتها ، التي منحتك مزيدا من العواطف وانت تنظرين اليهم بفرحة عارمة ، وهم يكبرون طيلة تسعة وثلاثين عاماً منذُ ان اصبحت أماً . كل هذه السنوات مملوءة بالسعادة والحب والتعلق والاهتمام بهم ، والتضحية من اجلهم . وفي الجانب الآخر فيها من المشاعر العاطفية السلبية ، ما يثير عوامل القلق والضيق والخوف عليهم من المستقبل ، عندما بدأت تشعرين بتطور المرض الذي اصابك ، وخطورته في المراحل الأخيرة من حياتك ، وماذا يخبئ لك القدر من حياة او موت ، ونحن على مقربة منك ، كنا نشعر بك وقد لجأت الى الصمت والعزلة ، وبداخلك الكثير لتقوليه .
   المرحومة ام عصام …
   فلنا من البكاء والحزن ما يكفينا سد حاجتنا اليهما في هذا الوقت  ، ونحن نتجرع مرارة الفقد للعام الثاني لوفاتك ، وامام حقيقة موتك الخالدة فأن الله سبحانه وتعالى ، لا يغضب علينا ولا يعذبنا بدمع العين ولا بحزن القلب . ولنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القدوة الحسنة ، ومن افعاله خير الاعمال ، عندما قام بزيارة قبر أمه فبكى وابكى من حوله حزناً عليها .
    المرحومة ام عصام …
  يقول لنا بعض الاصدقاء الكثير من كلمات المجاملة ، ولعلها تأتي من باب المواساة وجبر الخاطر : 
   " لا تسترجعون اشياء او احداثا مضت ، فالحاضر اهم كثيراً من الماضي . ولا نعلم انهم يدركون او لا يدركون ان استرجاع الماضي هو حنين للاشخاص الذين فقدناهم ، والى الاماكن الخالية التي تركوها ، والى الروابط القوية التي جمعتنا ، والى بساطة الحياة التي عشناها معهم . ولعلهم يدركون ايضاً ان  استرجاع الماضي يذكرنا بأنفسنا : اعمارنا احلامنا وخوفنا ، كل ذلك يؤكد لنا ان من اصعب الكلمات على السمع والنطق : الفراق ، الفقد ، الرحيل ، الحزن ، البكاء ، وكل هذه المفردات مؤلمة ومؤثرة للنفس البشرية ، وبصورة اكبر عندما يسببها الموت ، وهو الحق ولا يعلوه حق .
                      يا رب يا عظيم … يا كريم :
  ارحم فقيدة النفس والروح ، ورفيقة الدرب والحياة . الأم الصامتة ، الصابرة ، والمحتسبة لله سبحانه وتعالى ، فقد كانت لمكارم الاخلاق نفساً وروحاً وجسداً تمشي على الارض .
  اللهم امنحنا صبر الصابرين ، واجر المحتسبين لننال حبك ورضاك . " أنما يوفّى الصابرون اجرهم بغير حساب " صدق الله العظيم .
  اللهم قوّي ايماننا بك واجمعنا بها في مستقر رحمتك …. وانا لله وانا اليه راجعون .

            " زوجك واولادك واحفادك "