وسط البلد.. لحمة رأس ومخ وقنابل "طحل".. !
محمود كريشان
وسط البلد في عمان لا يزال يحتفظ بأسراره العديدة التي تركن في جوانب المدينة وأزقتها وتفرعات شوارعها، ونحن نحاول إعادة اكتشاف المزيد من المعالم الشعبية، لنمضي بخطى حالمة نحو شارع طلال، الذي إستعاد نشاطه وحراكه، مع إستحداث محطة رئيسية للباص السريع، في نهاية الشارع، وتحديدا في ساحة النخيل، ونقف نتأمل المنطقة التي كانت تسمى "سوق الخبز"، بمحاذاة أحد المداخل الجانبية لسوق الخضار، ويجثم أمامنا مقر دار "سينما الحمرا" الذي تلاشى مؤخرا وتبددت ذاكرة المكان والزمان، شأنها في ذلك شأن جميع دور السينما في وسط البلد..!
ونرصد هنا محلا صغيرا وباترينة معدنية نظيفة تعرض مكونات السندويشات، وقد كُتب على جنباتها: "قلوب، طحالات، لسانات، لحمة راس، نخاعات، كبدة غنم، كبدة دجاج، وفشات".. رغم أن عمان تغيرت، لكن لم يبق من سندويشات الطحل والكبدة والفشة، ورائحة البساطة والناس الطيبة، سوى "مطعم أبو كامل" مقابل سينما الحمرا، حيث المكان الصغير، لكنه يشهد طلبات متزايدة على السندويشات المتنوعة، التي يتم إعداها بالطرق التقليدية المنزلية، لتحمل في طياتها المذاق اللذيذ، الذي اعتاد عليه أهل المدينة منذ سنوات طويلة..
«الزمن لم يتغير والأحوال ما تبدلت».. هكذا يقول "المعلم" محمد أبوسارة الذي تقرأ في ملامحه طيبة أهل مصر وكرمهم وهو من المنصورة لكنه يقيم في عمان منذ سنوات طويلة.. يعتز أبوسارة أن "أبوكامل" في وسط المدينة.. أشهر من نار على علم، منذ سنوات طويلة جدا، وبقيت سمته بالحفاظ على تقاليد تجهيز وإعداد السندويشات النادرة، مؤكدا أنه سيظل متمسكا بعمله، بالتقاليد العريقة ذاتها، حتى آخر يوم في حياته..
في غضون ذلك يطمح المعلم أبوسارة، صاحب المحل، في تغيير نظرة الكثيرين عن لحمة الرأس، قائلا: "لو حد مش بيأكل لحمة الرأس إن شاء الله هأكلها له، بنظافتي وشياكتي، الناس بتستغرب منها لكن لو فكرت تدوقها، هتبقى إدمان بالنسبة ليك، دي مش أكلة دي مزاج، وبحب كل حاجة مترتبة لأن الزبون بيأكل بعنيه أكتر".. وتابع: الإهتمام بالطعام ونظافة الأكل من أهم أسباب الشهرة وتوافد الزبائن، معلقا: "لو عاوز تبقى مشهور لازم الحاجة تكون نظيفة"..
ويقول إن زبائنه من طبقات متنوعة من المجتمع وأبرزهم النائب محمد الظهراوي ومروان باشا قطيشات ونجوم الكرة الأردنية في عصرها الذهبي أمثال جمال ابوعابد، عيسى الترك وليد مولا وإبراهيم مصطفى "الرهوان" وجمال محمود وإبراهيم الفاعوري وإسماعيل الحافي وعصام التلي وطالب إزمقنا وجريس تادرس وعامر شفيع، وغيرهم الكثير الذين يواظبون على تناول سندويتشات الطحل والكبدة والفشة وغيرها من مطعم أبوكامل منيب "الطحل".
اذا في مطعم أبوكامل في شارع طلال مقابل سينما الحمرا ثمة مقاعد بلاستيكية صغيرة داخل المحل، تجلس بهدوء لافت، ويتم تجهيز السندويش، ومن ثم تسخينه، وإضافة الليمون المقشور والبندورة والشطة إليه، لتتناول طعامك السريع، وأنت تتمعن مسجل قديم، ينطلق منه مع غروب عمان، صوت أم كلثوم في رائعة: "وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يا زمان"..! عندها تقتنع أن "ابوكامل" أحدث زخماً كبيراً في "جسر الحمام" الذي أصبح يسمى بورصة الطعام الشعبي في عمان، وإستعادة ذكريات المدينة التي لا تزال تتشبث بذكريات الجيل الذهبي..
Krshan35@yahoo.com