الأردن بقيادة الملك ومتابعة ولي العهد يقف معنا عملاً وقولاً

جفرا نيوز - ترتدي همّ سنوات عمرها التي قضتها في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، بمعنويات عالية، وقدرة هائلة على تجاوز وجعها الذي بدأ منذ عام 2015، حيث تعرضت لحروق طالت كافة أجزاء جسمها، ووجها جميل المحيّا، وويلات سنوات الأسر البالغة (8) سنوات، لتسمع منها كل كلام جميل بشخصية قوية ثابتة، سعيدة بأنها اليوم مع ابنها الوحيد الذي تركته وهو في عمر الثامنة، ليكون اليوم الشاب.. إنها الأسيرة المحررة إسراء الجعابيص، ابنة منطقة جبل المكبّر في مدينة القدس الشريف.

إسراء الجعابيص، الأسيرة الفلسطينية المحررة في الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى قبل أيام، من مواليد 22 تموز1986، متزوجة ولديها ابن وحيد يدعى معتصم، تحكي عن تحررها أنه ما زال منقوصا، كونها لم تحصل حتى الآن على أوراقها الثبوتية، وهويتها، فتصفه بأنه تحرر ما زال بنسبة (95%)، تناله كاملا بعدما تحصل على كافة أوراقها الثبوتية، من هوية وتأمين صحي لتشعر بأن الإفراج كامل وبنسبة (100%).

عندما حملت هاتفي لأتصل بالرقم الذي سيوصلني بإسراء، فكرت لأكثر من ساعة كيف سأبدأ حديثي معها ومن أين أبدأ، هل أبدأ من آخر مستجدات حياتها، أم من لحظات إبلاغها بقرار أنها من صفقة تبادل الأسرى، أم من لحظات خروجها من الأسر، أم عندما التقت بوحيدها معتصم وقد أصبح شابا، يفوقها طولا، أم عن سنوات أسرها وقد قضتها تواجه وجع حروق نالت من جسدها. فلطالما كانت نقطة البدء بالحديث هي الأصعب بكل حوار. وبمجرد ردها على الهاتف بدأنا بالحديث الثنائي، وكأن معرفة تربطنا منذ سنين، لما تتمتع به من شخصية اجتماعية، وبأناقة القوة والثبات والثقافة.

كانت البداية من لحظة اعتقالها، وهي لحظات لا يمكن تجاوزها، فقالت «يوم الحادي عشر من تشرين الأول 2015 كنت في طريقي من مدينة أريحا إلى مدينة القدس، حيث كنت أعمل يوميا، وكنت أنقل أشياء من بيتي إلى سكني الجديد بالقرب من عملي. وفي ذلك اليوم كان من بين هذه الأغراض، اسطوانة غاز فارغة وتلفاز، وفي هذه الأثناء كنت أستخدم مكيف السيارة، وعندما وصلت قبل حاجز الزعيم بأكثر من 1500 متر تعطلت السيارة قرب مستوطنة، وحدث تماس كهربائي وانفجرت الوسادة الهوائية في السيارة، واشتعلت النيران داخلها، فخرجت منها وطلبت الإسعاف من رجال شرطة الاحتلال القريبين من مكان الحادث، إلا أن أفراد الشرطة لم يقدّموا لي الإسعاف واستنفروا وأحضروا المزيد من رجال الشرطة والأمن».

وأضافت إسراء «أعلنت الشرطة حينذاك أنه حادث سير، ثم ما لبث إعلام الاحتلال أن عدَّ ما حصل عمليةً لاستهداف الجنود الإسرائيليين، واكتشف المحققون التلفاز مع اسطوانة الغاز الفارغة، وانفجار الوسادة الهوائية في السيارة وليس اسطوانة الغاز، وعلموا أن تشغيل المكيف منع انفجار زجاج السيارة، لكن بعد ذلك ادعى المحققون الإسرائيليون أنني كنت في طريقي لتنفيذ عملية».

وقالت الجعابيص «تم اعتقالي من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وتم عقد عدد من الجلسات داخل المستشفى، لصعوبة نقلي إلى المحكمة بسبب حالتي الصحية، ووُجِّهت لي لائحة اتهام بمحاولة تنفيذ عملية وقتل يهود بتفجير اسطوانة غاز، مع العلم أن الاسطوانة كانت فارغة، وأن الانفجار حدث في مقدِّمة السيارة. وعادوا بتحقيقاتهم لعدد من منشوراتي على فيس بوك».

وأضافت «بعد مداولات ونقاشات داخل محاكم الاحتلال صدر حكم بسجني 11 عامًا، وغرامة مالية مقدارها 50 ألف شيكل، وكانت المداولات قبل الحُكم قد استمرت عاما، وصدر الحكم في السابع من تشرين الأول من عام 2016، وسحب الاحتلال بطاقة التأمين الصحِّي مني، ومنع عني زيارة أسرتي عدة مرات، وفي إحداها منع ابني من زيارتي».

وعن سنوات الأسر قالت إسراء «هي سنوات مشبعة بالمرار والوجع والصعوبات، بداية نتيجة لوضعي الصحي السيئ، فقد أصابني الحادث بحروق وصلت لكل جسمي، وأدت للكثير من الإصابات، ولم ألق أي نوع من أنواع العلاج، ما جعل وضعي يتفاقم، وإصاباتي حتى اليوم لها آثار صحية حرجة وصعبة على جسدي».

وعن هذه الإصابات قالت إسراء «لدي مناطق كثيرة في جسدي متضررة، فالجهاز التنفسي مصاب، ذلك أن أنفي مصاب بحروق أدت لإتلافه من الداخل، وهناك مناطق جلد «نازلة» ما بين الكتف واليد، ولدي تلف في منطقة الرأس جعله فارغا من الشعر بمناطق متعددة، ولم يعد قابلا للنمو، وهناك تشوه في منطقة الخصر، والظهر، وأسناني مصابة، وغيرها من الإصابات الكثيرة التي تحتاج علاجا دقيقا».

وأضافت إسراء «لقد عشت ما يقارب (91) يوما وأنا «غائبة» عن الدنيا والحياة، بعد تعرضي للحادث، ولم أجد أي نوع من أنواع العلاج، ومنع أهلي من زيارتي خلال ذلك، فكانت أيامي شاقة ومتعبة ومليئة بالأحداث المأساوية والظلم والإهمال».
وتابعت «كانت أيام الأسر سيئة جدا، لم نكن نميّز بين الليل والنهار، ولكن تمكنت مع عدد من صديقات لي من إصدار مجلة للرسم الكاريكاتيري، فأنا أجيد الرسم، وبالطبع كنا نقوم بها بأدوات وشكل بدائي جدا، ومع هذا كنا نصدرها ونوزعها بين الأسيرات سرا، كون كل هذه الإجراءات ممنوعة من شرطة الاحتلال».

وأكدت الجعابيص «لم تكن ساعات سهلة، ولن تنسى، لا سيما أني عشتها وأنا مصابة، كان وضعي سيئا جدا، وكانت ساعات «العتمة» أكثر بكثير من ساعات الضوء، وحرمت من رؤية ابني وحيدي، وأسرتي، كل هذا للشك بأني كنت أنوي القيام بعملية، وبالطبع من صنيع تحقيقاتهم.

لحظات الإفراج
وعن لحظة معرفتها بالإفراج عنها، قالت إسراء «بداية لم أصدق، ولم أمنح نفسي أملا بأني سأغادر هذا المكان المليء بالظلم والقهر والمشقة، لكن ما سمعته كان حقيقة، فخرجت لنور القدس.. أفرج عني، ولكني حتى الآن أرى أن الإفراج عني ليس (100%)، فهو إفراج (95%)، ذلك أني لا أملك أي وثائق مدنية، والتأمين الصحي، كله فقدته، ما يجعلني أشعر حتى الآن أني بعيدة عن حرية الحياة بشكل طبيعي».

وأضافت «ها أنا قد خرجت بعد سبعة أعوام من الأسر، عندما تركت ابني بعمر 8 سنوات، لأخرج وأراه شابا وسيما، سندي وعوني، هذا الشاب الذي بات أطول من والدته، وهو اليوم حياتي مع أسرتي، وسأعيش له، فهو من حرمت منه لسنوات وأيام وساعات، ولم أكن أسعى للحرية سوى لأحتضنه، وكل ما أحلم به اليوم أن أجد من يعالجني ويوفر لي العلاجات اللازمة، فوضعي الصحي سيئ للغاية، وعمليا أحتاج لعلاج متقدّم حتى أتجاوز كل ما أعانيه من وضع صحي سيئ، زادت تبعاته لعدم توفير العلاج لي في الوقت المناسب، طوال سنوات أسري».

الأردن يفتح أبوابه لمساعدتي
هنا وقفت إسراء عن الكلام ثم قالت «وسط هذه المعاناة، بعد الإفراج عني لم أجد سوى الأردن، بلد أبي الحسين الملك عبد الله الثاني، ليقف معي في ما أعانيه، ولم أجد سوى باب مفتوح، هو الأردن العظيم، فكانت الوعود بتقديم ما يلزمني من عون طبي وصحي من هذا البلد الذي أشعر تجاهه بكل الحب وكل التأكيد بأنه من يقف مع الفلسطينيين ويدعهم عملا لا قولا، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ومتابعة سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد».

وأكدت إسراء أن السفارة الأردنية في رام الله التي لجأت لها طلبا للعلاج في الأردن، فتحت لها أبوابها، وأكدت سعيها لتقديم العون الصحي والعلاجي لها، مبينة أن الأردن وفلسطين توأمان، «وطالما كان الأردن بقيادة جلالة الملك على العهد والوفاء لتوأمه الفلسطيني، وقد وفّر للأهل في مناطق فلسطين المختلفة مستشفيات ميدانية بتوجيهات من جلالته تقوم بدور مهم جدا لتقديم الخدمات الصحية والطبية في المناطق المتواجدة بها وتحديدا في غزة، التي يوجد بها مستشفيان اثنان».

نيفين عبدالهادي - الدستور