لماذا لا يمكن التنبؤ بموعد الزلزال وموقعه ؟
جفرا نيوز - كان المغربي، عبد اللطيف، جالسا في بيته، لكن فجأة تغير كل شيء: انهار المنزل، وبسرعة فر من الموت، فخرج مصابا يبحث عمن يسعفه.
قد يسأل، عبد اللطيف، وكل من عاش الصدمة في قرية تامزغارت المغربية، كيف حدث هذا؟ وهل من سبيل للتنبؤ بالكارثة قبل وقوعها؟
في الواقع، يتفق العلماء أنهم لا يستطيعون التنبؤ بالزلازل، لكن تقريرا متخصصا نشره موقع "ساينتيفيك أميركان" يقول إن هذا لا يمنع وجود معسكرين أساسيين يتجادلان بشأن هذا الأمر.
يقول المعسكر الأول إن الزلازل تحدث نتيجة سلسلة معقدة من التأثيرات الصغيرة، فهي تفاعل متسلسل حساس من نوع ما يحدث عميقا داخل صدع الأرض. والصدوع في علم الجيولوجيا هي شقوق في القشرة الأرضية، لذا فالزلزال بطبيعته لا يمكن التنبؤ به وسيظل كذلك دائما.
المعسكر الثاني أكثر تفاؤلا بالمستقبل، ويضم بعض الجيوفيزيائيين المقتنعين بأن الإنسان قد يكشف يوما ما عن مفتاح التنبؤ، إذا تمكن فقط من العثور على الإشارات الصحيحة للقياس، واكتساب الخبرة الكافية.
مفتاح التنبؤ
لم يجد العلم بعد طريقة للاعتماد على تنبؤات قابلة للقياس، تكون بمثابة مفاتيح تخبر البشر بدقة عن مكان وزمان وقوة الزلزال، لتكون إشعارا مسبقا يجدر الاهتمام به. إذ لا تزال قدرات التنبؤ عن الزلازل عامة وغير مفيدة.
لنأخذ مثالا، إذا توقع العلماء أن كاليفورنيا ستكون على موعد مع زلزال عام 2023، فسيتحقق ذلك بالتأكيد، لكنه ليس مفيدا، لأن كاليفورنيا تتعرض للعديد من الزلازل الصغيرة كل يوم.
لنتخيل أن العلماء توقعوا حدوث زلزال بقوة 8 درجات أو أكثر في شمال غرب المحيط الهادئ. يكاد يكون هذا صحيحا بالتأكيد، لكنه لا يحدد متى، لذا فهي ليست معلومات جديدة مفيدة.
أين المعضلة؟
تحدث الزلازل لأن الحركات البطيئة والمستقرة للصفائح التكتونية تتسبب في تراكم الضغوط على طول الصدوع في القشرة الأرضية. الصدوع ليست في الحقيقة خطوطا، بل هي مستويات تمتد لأميال داخل الأرض. والاحتكاك الناتج عن الضغط الهائل بسبب وزن الصخور المغطاة يربط هذه الشقوق معا.
يبدأ الزلزال في بقعة صغيرة على الصدع، هنا يتغلب الضغط على الاحتكاك، ثم ينزلق الجانبان من بعضهما البعض، مع انتشار التمزق بسرعة ميل أو ميلين في الثانية.
يؤدي احتكاك الجانبين ببعضهما البعض على مستوى الصدع إلى إرسال موجات من حركة الصخور في كل اتجاه، تشبه التموجات الدائرية في بركة مياه سقط فيها حجر، وتلك الموجات هي التي تهز الأرض وتسبب الضرر.
تحدث معظم الزلازل من دون سابق إنذار، والسبب أن الصدوع عالقة، وتكون مغلقة وثابتة، على الرغم من إجهاد الصفائح المتحركة من حولها، وبالتالي فهي صامتة حتى يبدأ هذا التمزق.
هذا أمر معقد جدا، ولم يجد علماء الزلازل حتى الآن أي إشارة موثوقة لقياس هذه الحركات في صدع الأرض والتي تسبق وقوع الزلزال.
مؤشرات تسبق وقوع الزلزال
من كل 20 زلزال مدمر، واحد فقط رصدت له هزات أولية، نبهت الناس قبل وقوع الكارثة. وهذه نسبة منخفضة جدا، وتشير إلى صعوبة المهمة.
ومع ذلك، فهذه الهزات الصغيرة، بحكم تعريف العلماء لها ليست مؤشرا على زلزال أكبر. وهذا يفسر عدم تمكن البشر من بناء نظام تنبؤ مفيد.
كان هناك عدد من الزلازل الضخمة التي بلغت قوتها 8 درجات أو أكثر، بما في ذلك زلزال توهوكو وتسونامي في اليابان بقوة 9 درجات، وزلزال في تشيلي بقوة 8.1 درجات. ومن المثير للاهتمام، أن تلك الزلازل الكبيرة يبدو أنها أظهرت بعض الإشارات المسبقة، إما في شكل سلسلة من الهزات الصغيرة، التي اكتشفتها أجهزة قياس الزلازل، أو حركات متسارعة لقشرة الأرض القريبة، التي اكتشفتها محطات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والتي تسمى "أحداث الانزلاق البطيء".
تشير هذه الملاحظات إلى أنه ربما توجد بالفعل إشارات تمهيدية لبعض الزلازل الكبيرة على الأقل. ربما أدى الحجم الهائل للزلزال الذي أعقب ذلك إلى جعل التغييرات غير المحسوسة في منطقة الصدع قبل الحدث الرئيسي أكثر قابلية للاكتشاف.
المشكلة أن عددا قليلا جدا من الزلازل زادت قوتها عن 8 درجات، لذا ليس لدى العلماء الكثير من الأمثلة التي من شأنها أن تتيح اختبار الفرضيات باستخدام الأساليب الإحصائية.
واقعية التنبؤ
في حين أن العلماء يسعون للوصول لـ"التنبؤ المفيد" الذي يخبر البشر بمكان ومكان قوة الزلزال قبل وقوعه، إلأ أن الفكرة قد تبدو غير معقولة وليست عملية، وستواجه معضلات كثيرة.
أولا، كثيرا ما يقال في مجال علم الزلازل إن الزلازل لا تقتل الناس، بل المباني هي التي تقتلهم. فقد أصبح العلماء مقتنعين بالفعل أن أفضل مسار للعمل هو مضاعفة الجهود لبناء أو تحديث المباني والجسور وغيرها من البنية التحتية، بحيث تكون آمنة ومرنة تواجه اهتزاز الأرض من دون أن تنهار.
ثانيا، الزلازل نادرة جدا لدرجة أن أي طرق مبكرة ستكون حتما ذات دقة غير مؤكدة. وفي مواجهة حالة عدم اليقين هذه، من سيوجه الدعوة لاتخاذ إجراء كبير، مثل إخلاء مدينة أو منطقة بأكملها؟ كم من الوقت يجب أن يبقى الناس بعيدا عن منازلهم إذا لم يحدث الزلزال؟ ماذا لو استحاب الناس لأوامر إخلاء ولم يحدث الزلزال؟ هل سيستجيبون في المرة المقبلة؟ كيف يوازن المسؤولون بين المخاطر الناجمة عن فوضى الإخلاء الجماعي، والمخاطر الناجمة عن الزلزال نفسه؟ لذا فإن فكرة ابتكار تكنولوجيا التنبؤ المفيد وبشكل كامل وموثوق بها، هي "سراب".
الحرة - واشنطن