فنان ياباني يصنع عالماً كاملا من المنمنمات

 من منا يستطيع أن يكبح جماح ابتسامة صغيرة تعتلي شفتيه عندما تُطالع عيناه هذه الكائنات المتناهية الصغر في عالم مبهر من الخيال واللامنطق المحبب، ومزيد من الدهشة والغرائبية التي تحيط بهذا الوجود السحري من منمنمات تاناكا تاتسويا (田中 達 也).

 

• الأشياء اليومية تخرج من منطقها العادي لعالم أكثر جاذبية

هذا العالم من المنمنمات الذي تتحول فيه الأشياء اليومية العادية لكيانات أخرى ووجودات متفردة، كاملة متكاملة بشخوصها وشخصياتها، بتفصيلها وتفصيلاتها من مباني وعمائر ومواصلات وآلات وآليات حتى المناظر الطبيعية، كلها تبدو حقيقية تمامًا في هذا العالم الغريب المنمنم. فالفاكهة والخضراوات، والشريط اللاصق والكمامات، والكتب والأوراق والساعات، وأجزاء من أقلام الرصاص وقطن الأذن والدواسات، ودبابيس الملابس، وورق المرحاض والأقراص المضغوطة حتى أقدم الموبيلات، وغيرها الكثير فتخرج عن منطقها العادي ودورها الطبيعي المفيد بالحياة، لتلعب أدوارًا أخرى في قصص أخرى بعوالم أخرى تبدو حية تم تصويرها ببراعة لإضفاء الحياة عليها يحيكها الفنان الياباني لمتابعيه، فتخرج كل هذه الأشياء من منطقها العادي إلى عوالم أكثر جاذبية من الخيال والمتعة.

 

• عالم تاناكا تاتسويا المنمنم

في عالم تاناكا تاتسويا المنمنم تتحول المصاصة الملونة بألوانها الجذابة الجليدية لحقيبة سفر، وشعيرات الفرشاة هي مفاتيح البيانو، وعلبة أعواد الأسنان تتحول لحجرة سونا، وكمامة الأسنان تتحول لملعب كرة السلة، وفي بعض الأوقات تتحول لمسبح، الآلة الحاسبة تتحول لبحيرة حيث يجلس بعض الأشخاص على أطرافها يصطادون الأسماك. نصف قشرة البيض تتحول لفرن للخبز الياباني حيث يمتد صف من الزبائن لشراء الخبز، ثمار البروكلي والبقدونس تتحول لأشجار الغابة الشاهقة، وقد تبدو أوراق الأشجار التي تطفو على سطح الماء أحيانًا مثل القوارب اليابانية، وغيرها من الحكايات اليومية المصغرة والدمى التي لا يزيد حجمها عن حجم أظافر الأصابع، والتي يتم تثبيتها وتحريكها وإعادة تموضعها بشق الأنفس من خلال المقصات والملاقط لتكون جزءًا من حياة جديدة بأبعاد جديدة، وتفاصيل تقترب كثيرًا من الواقع بل وتمثله، على أن الأشخاص وكثير من القطع والتفاصيل المنمنمة يتم شراؤها أحيانًا عبر الإنترنت، وأحيانًا يتم تصنيعها باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، وذلك وفقًا لموقع we-xpats.com، بحيث يساعد كل تمثال يبلغ ارتفاعه مليمترًا في سرد أحد قصص تاناكا بمجرد لصقه وتثبيته بمكانه المتخيل الصحيح، و يصنع الفنان الياباني مجسماته المصغرة مع خلفيات لمناظر صُنعت من الطعام أو من المنتجات المنزلية، مما يؤسس لمدرسة فنية بديعة.

 

عقب عملية التثبيت والضبط تظهر القصة أو المشهد المقتطع منها بهيئته المنمنمة الصغيرة فيلتقط تاناكا كاميرته لالتقاط صورة تحفظ المشهد وتصويره ببراعة لإضفاء الحياة عليه، على أن المقياس يكاد يكون خادعًا، إلى أن تكشف اللقطة المزدوجة التفاصيل الذكية.

 

• البداية مشروع "التقويم المصغر"

حسب موقع demilked.com، ففي عام 2011، بدأ تاناكا تاتسويا مشروعًا يسمى "التقويم المصغر" حيث كان ينشئ ويصور ديوراما مصغرة باستخدام الأشياء اليومية على أساس يومي. فيقوم بتحميل صور منمنماته على موقع التقويم المصغر بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث يجد تاناكا أن أعظم سحر إبداعاته المصغرة يبدو من استخدامه التخيلي للأشياء اليومية المختلفة بطرق لا يمكن تخيلها أبدًا، وقد استُخدمت أعماله في الدعاية والإعلانات، وفي المسلسل الدرامي الشهير هيوكّو على قناة NHK اليابانية عام 2017. وتشمل مجموعة الصور الفوتوغرافية الخاصة به، حياة مصغرة، وحياة مصغرة 2، وعجائب صغيرة، وغيرها.

 

بالنهاية فأعمال المنمنمات لتاناكي تثير ذكريات خيال الطفولة اللامحدود لكل منا، حيث يمكن العثور على التشابه في كل شيء، فيدمج تاناكا الطعام ومفردات الحياة اليومية مع المجسمات المنمنمة، ويطرح تلك الأعمال بشكل يومي ضمن السلاسل التي يشاركها على موقعه الإلكتروني، وروزنامة المنمنمات، بالإضافة إلى حسابات التواصل الاجتماعي، ويتابع أعمال تاناكي الملايين عبر مختلف حساباته عبر الانترنت ففي نوفمبر 2022، احتوي حسابه على Instagram فقط على 3.6 مليون متابع، مما يوضح عدد الأشخاص الذين يقدرون عمله!

 

يذكر أن المنمنمات عبارة عن صورة مزخرفة في مخطوط، اشتهرت بها المخطوطات البيزنطية والفارسية والعثمانية والهندية وغيرها، وتوجد أقدم منمنمة في العالم بدارة الملك عبد العزيز في الرياض.