المعمول والكعك يتصدران موائد ضيافة الأردنيين بالعيد
ثلاثة أيَّام متتالية وكعك العيد والمعمول يتصدَّران ضيافة الأردنيين بمناسبة حلول عيد الفطر السَّعيد، سبقته أيَّام من التَّجهيزات والاستعدادات، بيدَ أنَّ لهذا الكعك والمعمول تاريخ موثَّق بالأدلة.
مختصِّون وعدد من صانعي كعك العيد، بينوا ، أنَّ هذا الكعك قديم جدًا في الأردن، وصنع فيها منذ زمن بعيد.
الروائح الزَّكية المنبعثة من كعك العديد ومكوناته، تفوح من بيوت الأردنيين احتفاءً بعيد الفطر السعيد، الذي يأتي بعد صيام شهر رمضان المبارك، وسط بهجة بعادات يعيشها الكبار والصغار مرسِّخة ذكريات لا تنسى وتتجدد خلال الأعياد في كل عام.
تقول الثلاثينية أم كمال، وهي أم لثلاثة أطفال، إنها وجدت ضالتها في إنتاج كعك العيد الفلاحي المحشو بالتمر والمكون من الطحين وبهارات خاصة من اليانسون والشُّومر وحبة البركة والسمسم منذ عشر سنوات كمهنة لها وعائلتها ورثتها عن والدتها وجدتها، وتكتفي وعائلتها من مردوده.
وأضافت، أنَّ عملها أتاح لها فرصة التعرف على أناس كثيرين عن طريق التسويق لمنتجها وتوسيع قاعدتها من الزبائن؛ فبينت أنها بدأت تعرض منتجات مشروعها من الكعك على الأصدقاء والجيران والمحلات التجارية المجاورة لمنزلها، بعد أن حظي بإعجاب الكثيرين لتتوسع شيئاً فشيئاً من خلال المشاركة في المعارض والبازارات التي أضافت لها الكثير، بمساعدة زوجها وعدد من الأصدقاء الذين انخرطوا في إنتاج أنواع الكعك وتسويقه بحسب قولها.
وأكدت، أنَّهم جميعًا يتقاضون رواتب شهرية من عملهم، داعية الجميع إلى التوجه إلى المشاريع الخاصة، كل حسب رغبته بالفكرة المناسبة له دون الوقوف عند البحث عن الوظائف، فالأفكار كثيرة والسوق يتسع للجميع.
وترى السبعينية أم سليمان، أنَّ أيام زمان كانت أجمل بكثير، حيث أنَّ غالبية بيوت الحارة كانت تُحضِّر وتعجن الكعك بأنواعه ومكوناته في البيت، حيث يتسابق الجيران إلى فرن أبو محمد الصبيحي الوحيد في الحارة لخبز كعك العيد، مثلما يتزاحم السكان ومنذ ساعات الفجر لخبز الكعك في أجواء تسوده المحبة والألفة.
أستاذ الآثار في كلية السِّياحة والآثار بالجامعة الهاشمية الدكتور محمد وهيب قال إنَّ كعك العيد من أهم الحلويات التي تقدم خلال عيد الفطر، مبيناً أن العديد من المصادر والمراجع تشير إلى أنَّ أصل كعك العيد ربما يكون مصرياً، بعد أن كشف علماء الآثار عن مخبوزات على شكل يشبه القرص على جدران معبد خوفو ومعبد الأقصر، إلا أنَّ العديد من الباحثين توجهوا إلى أن بلاد الشام قد تكون المصدر لكعك العيد .
وأضاف، أنَّ الدراسات التاريخية ونتائج البحث العلمي، تؤكد أنَّ بلاد الشام وخاصة "الأردن" كانت المصدر الأساسي لصناعة كعك العيد، وخاصة خلال العصر الإسلامي العباسي مروراً بالعصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي.
وقال الدكتور وهيب، إن الأردن وبلاد الشام، شهدت انتشاراً في صناعة كعك العيد، ومنها انتشر إلى مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي، لافتاً إلى أنَّ غالبية النساء يقمن بصناعته في العشر الأواخر من شهر رمضان بإتقان لتقديمه للضيوف مع القهوة العربية.
وأوضح، أنَّ الاكتشافات الأثرية، أكدت ظهور أكثر من 32 طاحونة سكر في وادي الأردن، وأنَّ أضخمها في المشرق وجدت بغور الصافي في الأغوار الجنوبية خلال العصر الأيوبي المملوكي، مشيراً إلى أن سكر "مونتريال الأردني" المميز بشدة بياضه ونعومته، كان يرش على الكعك بعد خبزه بالفرن.
وعرف عن الأردن خلال حقب بعيدة من الزمن ازدهاره بميادين متعددة، ومنها زراعة قصب السكر، والشمندر، وتصدير مادة السكر إلى مختلف دول العالم، حيث تميزت مدينة الشوبك الواقعة على بعد حوالي 216 كيلو متراً من العاصمة عمان قديماً بزراعة قصب السكر والشمندر وتصدير سكرها إلى العالم، وقد حمل منتج الشوبك عندما كانت تصنع أهم أنواع السكر وأكثرها جودة اسم (سكر مونتريال)، وكانت تصدره إلى أوروبا ودول المنطقة .
ولفت إلى أنَّه ليس غريباً أن اكتشاف علماء الآثار من جامعة كوبنهاجن قرص خبز يبلغ عمره أكثر من 14 ألف عام مضت في فرن حجري في بلدة الشبيكه في محافظة المفرق، ما يشير إلى وجود تقنية صناعة الأفران بالإضافة إلى زراعة وإنتاج القمح في الأردن قديماً، وهي مكون أساسي لمادة الكعك.
وأشار إلى التمر الذي أكتشف في الأردن وخاصة التمر ذو الحبة الكبيرة المسمى "التمر المجهول"، والذي كان يُزرع في الأغوار الوسطى في لواء الشونة الجنوبية، وذكره الحُجَّاج المسيحيون الأوائل والذين زاروا الجانب الشرقي من نهر الأردن قبل أكثر من 1500 عام.
وبين الدكتور وهيب، أن أهل الشوبك كانوا يجرشون اللوز الأردني مع سكر مونتريال؛ لغايات الأكل أو حشوه في المعمول والكعك، فيما لا زالت المواد الأساسية للكعك، وطرق صناعته بالقوالب أو باليد ممارسة في الأردن إلى يومنا هذا من بعد أن ورثها الأبناء عن الآباء والأجداد.
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، إن كعك العيد معروف بهذا الاسم في غالبية الدول العربية، إلا أنَّ أحد أصنافه في الأردن تسمى بالمعمول، وهو من الطقوس والعادات التي تمارس عند الأسر الأردنية في كل الأعياد، لكن هذا النوع يمتاز بعيد الفطر بمذاق خاص، ما يجعله مختلفاً عن غيره من الحلويات من حيث طريقة صنعه وتجهيزه وطريقة وطقوس إعداده.
وأشار إلى أنَّ ما يميز خصوصية كعك العيد، رسوخه في الذاكرة عند الجميع، حيث أنها تبقى محفورة في الخيال مهما تقدم الإنسان في العمر لتبقى في ذكريات الصبا الجميلة.
وأوضح الخزاعي، أنَّ 25 بالمئة من الأسر في الأردن تصنع كعك العيد في المنازل خاصة في القرى والأرياف الأردنية، لافتاً إلى أنَّ سكان المدن ولصعوبة وواقع إيقاع الحياة، يحصلون عليه من محال الحلويات المنتشرة بكثرة.
وقال، إنَّ أجمل ما كان يميز كعك العيد سابقاً، تبادله كهدايا بين الأقارب والجيران، بالإضافة إلى تقديمه للضيافة والزوار مع القهوة السَّادة للمباركة بالعيد، مشيراً إلى أنَّ ما يميز النساء الأردنيات معرفتهن بالمقادير الصحيحة لمكونات الكعك والعجين من بهارات وطحين وتمر من تلقاء أنفسهن، بالإضافة إلى شغفهن ورغبتهن بإنتاج كعك العيد المحبب عند الجميع ومن الطقوس القديمة أيضًا أنها كانت تجمعه وتحتفظ به في أواني كرتونية للمحافظة على نظافته وطعمه وإهدائه للأحبة من أقارب وجيران.
وركَّزت أخصائية التغذية نور كوكش على السعرات الحرارية، التي تحتوي الحبة الواحدة من كعك العيد، مبينة أنها ما بين 120- 150 سعرا حراريا تقريباً وفقاً للحجم وطريقة التحضير، محذرة من استهلاك كميات كبيرة خاصة من التي تحتوي على كمية كبيرة من السكر إذ يفضل ألا تتجاوز أكثر من 150 سعراً حرارياً في اليوم للفرد.
وأضافت، أنه من المفضل لمريض السكري تجنب تناوله على معدة فارغة لتجنب الارتفاع المفاجئ في مستويات السكر بالدم، كذلك عدم الإكثار من تناوله والحذر من تناول الحلويات بطريقة عشوائية.
وأوضحت، أنَّ كعك العيد له قيمة غذائية، فهو يحتوي على عناصر غذائية أساسية من الكربوهيدرات، والبروتين، والدهون، بالإضافة إلى المكسرات كمصدر لفيتامين (هـ) المعروف كمضاد أكسدة قوي.
ولفت إلى أنَّ الكعك يحتوي على عناصر معدنية مفيدة، مثل الكالسيوم، والفوسفور والحديد، والنحاس والمغنيسيوم، إلا أنَّ الإفراط في تناولها يسبب تراكم نسبة من الدهون في الجسم بالتحديد بحسب نوعية الزيوت المستخدمة وتجنب السمن أو الزيت النباتي المهدرج قدر الإمكان.
--(بترا)