حبٌّ مشؤوم أضاع أثينا، وشقيقان متصارعان أكملا المهمة.. قصة دخول محمد الفاتح إلى اليونان

جفرا نيوز - كان عمر السلطان محمد الفاتح 23 عاماً فقط عند فتح القسطنطينية عام 1453، وهزيمته الإمبراطور البيزنطي الأخير قسطنطين الحادي عشر. ورغم أنّ فتح القسطنطينية هو أبرز ما عُرف به فإن القسطنطينية كانت مجرد البداية في حياة هذا السلطان العسكرية والسياسية، التي امتدّت بعد ذلك لأوروبا.

 
بعد القسطنطينية بدأ الفاتح رحلته الطويلة في ضمّ بلاد أوروبا الشرقية وبلاد البلقان. دخل ما تبقّى من بلاد اليونان، ثمّ ضمّ صربيا والبوسنة والهرسك بعد فتح القسطنطينية بعشر سنوات في عام 1463، والتي أصبحت جميعها ولاياتٍ عثمانية.
 
كما كان الفاتح يواجه حلفاً أوروبياً بقيادة البابا كاليكست الثالث والذي دعا فيه العديد من دول أوروبا لمحاربة الفاتح ومنعه من التقدم في العمق الأوروبي، فقد كان من الواضح أنّ محمد الفاتح كان يهدد سلطة البابا نفسه في أوروبا، ولم يمت قبل أن يصل العثمانيون إلى إيطاليا، ويخوضون معركة أوترانتو.
 
الدولة العثمانية
 
 
وبالرغم من هذا التحالف الأوروبي، فيبدو أنّ الدولة العثمانية في عهد محمد الفاتح كانت تخطط للوصول إلى الأندلس من الجانب الشرقي، مروراً بكل قارة أوروبا وصولاً إلى شبه جزيرة أيبيريا (إسبانيا والبرتغال الآن)، وذلك لنجدتها حيث كانت تستغيث من بطش القشتاليين بالمسلمين. في هذا التقرير نحكي لكم قصّة ضمّ محمد الفاتح لبقية بلاد اليونان.
 
غرامٌ مشؤوم.. محمد الفاتح يقضي على الفوضى والاضطرابات
في ذلك الوقت لم تكن اليونان موحّدة. كانت سابقاً تحت سيطرة الدولة البيزنطية التي تآكلت مع الوقت، وأصبحت اليونان مقسّمة لمدنٍ ودويلات، كمان كانت جمهورية مدينة البندقية الإيطالية تسيطر على أجزاء منها أيضاً.
 
بين كلّ هذه الصراعات داخل اليونان، احتفظت مدينة أثينا اليونانية بمركز ثقلٍ مُتميّز. وكان نريو اكسييولي حاكم أثينا قد توفي عام 1452، وترك زوجةً شابّة وطفلاً قاصر. وكانت الزوجة الشابة وصيَّةً على ابنها، وبالتالي كانت هي التي تحكم أثينا، لكنها وقعت في غرام شابٍّ إيطاليّ يدعى بترو الميريو، والذي كان رسولاً من جمهورية البندقية لمفاوضتها في شؤون التجارة.
 
وبالرغم من أنّ الميريو كان متزوجاً، إلا أنه عاد للبندقية وقتل زوجته بالسم، بعد أن عرضت عليه دوقة أثينا أن تجعله دوق أثينا إذا تزوَّجها، وبذلك تم زواجهما، كما ذكر الدكتور محمد الرشيدي في كتابه "السلطان محمد الفاتح".
 
أنتهز فرانكو اكسييولي – ابن أخ زوجها السابق – الفرصة وقلَّب على الدوقة أهل أثينا وخوَّفهم من اللاتينيين. فإذا استحوذ الميريو البندقي/الإيطاليّ على السلطة، فإنّ أثينا ستكون تحت سيطرة البندقية، فأُبعد الميريو وعُهد بالحُكم إلى فرانكو. 
 
القسطنطينية 
 
 
وفي خطوةٍ اتخذها فرانكو لتوطيد سلطته، اعتُقلت الدوقة ثم قُتلت، ولكن هذا أثار غضب أهل أثينا، وانتهز الميريو (حبيبها) هذه الحالة وأرسل إلى السلطان محمد الفاتح يطلب منه معاقبة فرانكو القاتل.
 
قرر السلطان محمد الفاتح أن يقضي على الفوضى في أثينا، فأرسل عمر بن طرخان على رأس جيشٍ عثمانيّ إلى أثينا. حاول فرانكو أن يحارب الجيش العثماني لكنّه ما لبث أن استسلم سريعاً عام 1456، وقبل ما عرضه عليه طرخان، وهو أن يذهب بأمواله إلى بلدة صغيرة ويكون أميراً لها. 
 
زار السلطان محمد الفاتح أثينا، فاستقبله أهلها بحماسٍ كبير، حيث مكث الفاتح فيها عدة أسابيع. 
 
أعجبت آثار أثينا القديمة محمد الفاتح وأغدق عطاياه على أهلها. وقد سجّل التاريخ أيضاً زيارةً للفاتح إلى أثينا مرة أخرى في عام 1460، فعلم أن فرانكو يتآمر مرة أخرى للاستيلاء على المدينة، فتخلّص منه. وبذلك تخلصت أثينا من الفوضى والاضطرابات التي سادت فيها لفترة من الزمن بعد وفاة نريو اكسييولي. استقرّت أثينا وأصبحت جزءاً من الدولة العثمانية الممتدة الآن في عمق البلقان. 
 
الخراب يَعُم بلاد المورة.. وقيام الثورة فيها
يقول الدكتور محمد سهيل طقوش في كتابه "تاريخ العثمانيين" إنّ الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر الذي هزمه محمد الفاتح كان يحكم شبه جزيرة المورة -جزر بيلوبونيز الآن- قبل أن يصبح إمبراطوراً عام 1448. تتكون بلاد المورة من قسمين: إسبرطة وباتراس.
 
عندما أصبح قسطنطين إمبراطوراً عهد بالحكم إلى أخويه توماس وديمتريوس، فكان توماس يقيم في باتراس، وديمتريوس يقيم في إسبرطة. ورغم أنّ أخاهما قد أكد عليهما عدم التنازع بينهما، فإنّ الخلاف دبَّ بينهما بمجرد وصولهما إلى المورة.
 
عقب فتح القسطنطينية، ومقتل أخيهما قسطنطين على يد الفاتح، استولى عليهما الذعر، فقبلا شرط محمد الفاتح عليهما لتبقى المورة تحت حكمهما، وهو أن يدفعا الجزية. 
 
ومع ذلك ظلّت الأوضاع في بلاد المورة غير مستتبة بسبب استبداد الحَاكِمَين، كما عمَّت الفوضى وانتشر فيها السلب والنهب، بجانب طمع الألبان في حكم المورة، فزادت الأوضاع سوءاً ودخلت المورة في قحطٍ شديد، وترك الفلاحون قراهم وتوافدوا على المدن، الذين ماتوا فيها بعد ذلك من الجوع، كما رحل الصُنّاع والتجار مغادرين المورة إلى بلادٍ أخرى.
 
في هذه الأوضاع البائسة نشب الصراع بين البيزنطيين والألبان الذين أرادوا طرد السكان الروم من جزيرة المورة، لكي يتوسعوا هم أكثر داخل الجزيرة ولكي يسيطروا عليها بشكلٍ كامل.
 
في هذا الوضع الملائم تدخّلت الدولة العثمانية وأوقفت انتصار كلا الطرفين على الآخر. فقد أراد البيزنطيون طرد الألبان وأراد الألبان طرد البيزنطيين، لكنّ استراتيجية محمد الفاتح في المورة ألا يقضي أي طرف على الآخر وإبقاء الصراع مشتعلاً بينهما. لتأتي اللحظة المناسبة للتدخُّل.
 
نشبت الثورة في المورة، وكان على رأسها الألبان. حوصر الحاكمان توماس وديمتريوس، وتسابق الثوّار لنيل رضا ودعم السلطان محمد الفاتح ليقرّهم على حكم البلاد.
 
كان رأي السلطان محمد الفاتح أن يُبقِي على كلا الفريقين المتناحرين في بلاد المورة، ولأنَّ الثورة كانت قد عمّت البلاد ومالت الكفة للألبان، أرسل الفاتح قائده طرخان مرة أخرى إلى المورة لإنقاذ الحاكمين البيزنطيَّين المحاصرين توماس وديمتريوس.
 
اليونان 
 
وصل طرخان في أكتوبر/تشرين الأول عام 1454 وأكره الألبان على رفع الحصار عن إسبرطة، وانضم ديمتريوس للجيش العثماني، واستولى على الغنائم التي نهبها الألبان منه أثناء ثورتهم، كما رُفع الحصار عن بتراس، وقُضِي بذلك على ثورة الألبان.
 
قبل أن يغادر طرخان بلاد المورة نصح توماس وديمتريوس بكفِّ الظلم عن الناس، وإلا زحف السلطان بنفسه إلى المورة، إلا أن الأخوين استمرَّا على ظلمهما، فانبعثت الثورة من جديد، بل أصبحت أشد هذه المرة، وطلب أهل المورة من الفاتح أن يأتي بنفسه إلى المورة ليكف عنها ما استشرى فيها من الفساد.
 
فتح اليونان
ذهب محمد الفاتح بنفسه إلى اليونان على رأس جيشه هذه المرة. كان ذلك في 15 مايو/أيار من عام 1458. وما إن وصل حتّى استسلم له الألبان، بل قدموا له 300 من الغلمان لكي يُجنَّدوا ضمن الانكشارية، وهم قوات النخبة في الجيش العثماني. 
 
ضمّ محمد الفاتح العديد من مدن اليونان بعيداً عن مناطق سيطرة البندقية، كي لا يدخل معها في حرب الآن، فأصبح تحت سلطته جميع الجانب الشمالي من بلاد المورة، وجعل عمر طرخان، وهو القائد الذي أوفده له أكثر من مرة، والياً عثمانياً عليها. 
 
لكنّه أبقى كذلك على توماس وديمتريوس حاكمين في بعض مناطق بلاد المورة، وفرض عليهما الجزية. وفقاً لما ذكره محمد سهيل طقوش في كتابه. 
 
ولكنّ توماس كان يترقّب الفرصة للتملُّص من تعهداته للعثمانيين. انتهز توماس انشغال الدولة العثمانية بشؤون صربيا، فهجم على أخيه ديمتريوس والدولة العثمانية فى آن واحد، في يناير/كانون الأول عام 1459، فاستولى على عدة مدن، وانضم بعض من أتباع ديمتريوس إلى توماس، ونشب القتال بين جيش ديمتريوس وجيش توماس، وثار الألبانيون كذلك؛ فعمت الفوضى نفسها مرة أخرى.