النسخة الكاملة

لعبة المعارضة والكراسي ضمن سلم اكشط وأربح» «عارض قليلا ثم إكسب»

الخميس-2021-11-24 03:34 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز 
كنت برفقة رئيس وزراء سابق فحضر للمصافحة رئيس وزراء فاعل. سأل المتقاعد أمامي نظيره العامل: كيف جازف القوم بتعيينك؟ ولماذا أطلت البقاء في منصبك؟
كان السؤال أقرب لمداعبة لطيفة ولم يخطر بذهني إطلاقا الجواب الجريء.
«قلت لك في الماضي.. عارض جيدا.. ستبقى طويلا».
قدم صاحبنا جوابه اللطيف ثم غادرنا مبتسما.
طبعا عندما يتعلق الأمر بالنخبة الأردنية السياسية والبيروقراطية أعلم مسبقا تقاليد لعبة المناكفة التي تعقبها «ملاطفة» ولعبة «المعارضة» التي تحيل المرء «المعارض سابقا» إلى مستويات متقدمة ومبالغ فيها ومفرطة من «شكليات إظهار الولاء».
استعمال لقب «معارض» بدون مضمون حقيقي أو منهجي دارج وسط النخبة في الحالة الأردنية ومن يستعملون اللقب تحت يافطة «الحراك الشعبي» أكثر أحيانا وبصفة موسمية.
ثمة غاضبون وحانقون ومتحولون من اليسار واليمين بانتظار فرصة وظيفة. وثمة من يتصورون بأن فضائلهم على الدولة لا تعد ولا تحصى أو أن الأردنيات عقمن عن إنجاب مثلهم، أو أن البوصلة تاهت عنهم فيميلون لإرسال برقيات التحرش والمناكفة، وطبعا دوما ثمة عاطلون عن العمل في الخارج حملوا معهم كل تناقضات المجتمع للغرب، ودخلوا في حفلة وناسة وانتحال لصفة «معارض خارجي»… هؤلاء جميعا بمثابة «مكافأة» للسلطة والحكومة و»تغنيجهم» بين الحين والآخر موضة وتشاطر يلحق ضررا أفقيا بالأردن والأردنيين.
راقبت بنفسي عشرات المرات كيف يتحول معارض ما صاحب رأي مستقل أو مثقف ناقد عندما تطاله حمى المنصب أو الحقيبة الوزارية إلى مساند صلب للسلطة لا بل «شرس وغير متسامح» ومزاود بالجملة على الجميع وقادر بالمقابل على التعامل مع الوقائع والحقائق بصفتها «كيس هواء منتفخا» فقط.
طوال الوقت كانت تلك «أفضلية» بامتياز في تقاليد الأردن.
أنت في النهاية في بلد تكرست فيه ثقافة التسامح مع المعارضين منذ عقود ولا يختلف أهله لا على الدولة ولا على النظام حتى في أشد لحظات الاختلاف معهما. تلك «ميزة» ونعمة.
المهم الآن أن لا نبالغ فيها ونحولها إلى «نقمة» خصوصا وأن تراكم الخبرة في تحويل الكثير من القيم النبيلة إلى منتج سيئ جراء المغامرات والمقامرات وأزمة الأدوات وجراء الاسترسال في لعبة الاستقطاب ورفع الكلفة وجذب من يعارض أو يناكف لتحقيق أهداف ستبقى صغيرة على حساب قيم راسخة وأخرى نبيلة.
«الفهلوة» في الاستقطاب ينبغي أن تتوقف عند الغرق في «تراكم الأزمات» فالمعارض الوطني الحقيقي مبدئي و»لا يتوب» عن عشقه ومواقفه ولا ينسحب منها ولا يحولها إلى مجرد «رصيد» قابل للتكييش الوظيفي خلافا لأنه يجلس بين أهله وعمقه وناسه.

عندما يتعلق الأمر بالنخبة الأردنية السياسية أعلم مسبقا تقاليد لعبة المناكفة التي تعقبها «ملاطفة» ولعبة «المعارضة» التي تحيل المرء» المعارض سابقا» إلى مستويات متقدمة من «شكليات إظهار الولاء»

الاستمتاع «الرسمي» بجذب واستقطاب المعارضين والمناكفين «سابقا» ثم تحويلهم إلى مسؤولين أو وزراء أو موظفين بأدوار لاحقا بدون أي قيمة مضافة جوهرية سلوك بالعادة يبعث على التسلية، ويقدم وجبة دسمة للمنشغلين بهوس منصات التواصل والقيل والقال والتعليق، لكن لا يمكنه الانضمام في تواقيت الأزمات لعائلة السلوكيات الحميدة أو المنتجة وسرعان ما يسحب من رصيد النظام نفسه وما تبقى من رصيد الدولة جراء «التمثيل المسرحي الرديء».
ليس ثمة أي متعة الآن في إظهار قدرة عضلات المؤسسات على رفع معارض أو مناكف على الأكتاف ثم رميه بلا رحمة في أتون الاشتباك مع الواقع الموضوعي. وبالتأكيد لا مكاسب ترتجى من وراء استدراج توبة نصوحة بكل أشكالها لإظهار الاحتفاء سرا بتلك القدرة العجيبة على «تليين» ثم اصطياد مناكفين سرعان ما يتحولون إلى «عبء» على الدولة والناس.
في لحظات الاسترخاء يمكن الاسترسال في لعبة «اصطياد» المعارضين الطارئين من جماعة ومجموعة «إلقاء الحجر على الشجر وانتظار سقوط الثمر» أما في لحظات الشدة والأزمات فالحكمة تقتضي الرشد في الانتقاء والاختيار والتركيز برأينا المتواضع على المعارضة الوطنية العميقة والمنهجية حتى عندما تختلف المؤسسة معها وعلى أساس «الشراكة في الوطن» وليس على أساس الإلهاء والاستدراج.
لم يعد لائقا بحق الأردنيين حكومة وشعبا الاستمرار في صناعة مشاهد بلا دسم وغير منتجة قوامها إظهار القدرة على «استمالة» فلان أو علان من السياسيين في مرحلة ما وغامضة لإظهار «عدم جدية وجذرية» أي مشروع مناكف خصوصا في مسار المزاودة الوطنية.
ليس ممتعا على الإطلاق ذلك المشهد الذي يتلعثم فيه أو يتماهى سياسي أو برلماني أو إعلامي ما معتذرا أو مبررا بعدما جلس الموقع في حضنه متدفقا بشروحات وتبريرات أسوأ من الفضيحة.
المزاودات بعد هذا التجريف والخواء السياسي بالكوم والأطنان وتزيغ بصر الجميع عن الانصراف للأفعال الحقيقية خلافا لأنها ترسل إشارات معكوسة بعنوان «الدولة تكافئ من يعارضها أو يوغل في سيرتها» ولعلي أجزم بأن هذا الشعور تشكل عشرات المرات لا بل قيل في اجتماعات مهمة من الصنف الذي لا يصلح القول معه بالنسيان او عدم الانتباه.
يشعر الأردني البسيط كأن المشهد أقرب إلى «أوكازيون موسمي» أو برنامج مسابقات قريب من صيغة «أكشط وأربح» لكن هذه المرة على أساس «عارض قليلا ثم إكسب».
القدس العربي