تحقيق للزميل عمر محارمة يكشف حقائق صادمة حول دعم الخبز

تحقيق للزميل عمر محارمة يكشف حقائق صادمة حول دعم الخبز
جفرا نيوز- تحقيق - عمر محارمةيحقق مُلاك المطاحن والمخابز وناقلي الطحين أرباحا طائلة سنويا من خلال استغلال الدعم الحكومي لمادة الخبز، الذي تعتري آليات تقديمه ورقابتها الكثير من الشوائب التي تسمح بهذا التلاعب.
عشرات الملايين ذهبت هدرا إلى جيوب مالكي مخابز ومطاحن وناقلين عبر السنوات من خلال استخدام الطحين المدعوم في إنتاج أنواع مختلفة غير مدعومة من الخبز والحلويات والمعجنات، أو بيعه في السوق السوداء بالسعر الحر. تلاعب لا يمكن أن يتم دون تقصير وزارة الصناعة والتجارة في أداء دورها ما يتيح الحديث عن وجود شبهات فساد أعطت الفرصة للتلاعب بالدعم الحكومي واستغلاله لغايات غير تلك المنصوص عليها في نظام دعم الحبوب.
عملية التلاعب تبدأ بتضخيم حاجة المخابز التي تحددها لجنة من وزارة الصناعة والتجارة، ويتم صرف بطاقة للمخبز بمقدار المخصصات وتسلم هذه البطاقة للمطحنة التي يختارها المخبز لتوريد الطحين من خلال أحد الناقلين المعتمدين لدى الوزارة.
الآلية التي تعتمدها الوزارة لتحديد كمية الطحين المخصصة لكل مخبز تشوبها جملة من العيوب، فرغم أن الوزارة تقول إنها تقوم بعمل دراسة دقيقة لواقع المنطقة التي يقع فيها المخبز وعدد السكان وحركة السير إلا أن مزاج لجنة تحديد الكمية يعتبر أحد أكثر العوامل تأثيرا في تحديد الكمية، وهو ما يتسبب بوجود مبالغة في الكمية أحيانا ونقص في أحيان أخرى ويفتح المجال للتلاعب وإيجاد شبهات فساد.
أصل الحكاية:
في العام 1976 أنشئت وزارة التموين وبدأ العمل بمفهوم التزام الدولة بدعم السلع الأساسية ومن بينها الخبز، الذي حدد سعره في ذلك الحين بـ 5 قروش ارتفع إلى 7.5 قرش للكيلو في الثمانينيات، قبل أن يصل إلى 14 قرشاً في أوائل التسعينيات.
وبعد ارتفاع أسعار القمح عالميا منتصف التسعينيات، اتخذت حكومة الدكتور عبدالكريم الكباريتي في الـ 13 من آب العام 1996 قرارها بإلغاء دعم الخبز، لتلبية متطلبات برنامج التكيف الاقتصادي، حيث تضاعف سعر الخبز تقريباً، ليصل إلى 25 قرشاً للكيلوغرام الواحد وقدمت الحكومة مقابل ذلك دعما نقديا بلغ 1.28 دينار أردني للشخص الواحد في الشهر.
ورغم اندلاع «انتفاضة الخبز» التي جاءت احتجاجا على ذلك القرار وشاركت فيها مختلف مناطق المملكة إلا أن الناس بدأت بالتكيف مع هذا الوضع خصوصا بعد انخفاض أسعار القمح في الأسواق العالمية، وتراجع أسعار الخبز محليا.
إلا أن حكومة الدكتور عبد السلام المجالي الثانية، قامت بإعادة الدعم، عام 1998 دون أن يعلم أحد حتى الآن لماذا أعيد العمل بنظام الدعم، حيث حدد سعر الخبز عند 16 قرشاً للكيلو منذ ذلك الحين وحتى الآن.
تشير التقديرات إلى أن سكان المملكة يستهلكون 2400 طن خبز يوميا، أي ما يقارب 9 ملايين رغيف، وهو ما يعادل في المتوسط 90 كيلوغراما تقريبا من الخبز للشخص الواحد سنويا.
آلية الدعم شهدت تغييرات في السنوات الماضية، تمثلت بتحويل الدعم من الطحين إلى الخبز عام 2007، حيث كان يتم تسليم الطحين المدعوم للمخابز التي تبيع الخبز وكافة المنتجات المعتمدة على القمح للمستهلكين بأسعار تحددها وزارة التجارة والصناعة والتموين.
وانطبق الدعم على جميع أنواع نخالة القمح والطحين التي كانت تستخدم لصنع الخبز، وكذلك على منتجات المخابز الأخرى بشكل سمح بتوزيع فوائد الدعم بشكل غير متساو، حيث استفادت المخابز الكبرى والزبائن الأثرياء من الطحين المدعوم عند إنتاج أو شراء الحلويات والكعك وغيرها من السلع الكمالية.
بعد الارتفاع الكبير في أسعار القمح العالمية ما بين 2007-2008، أوقفت الحكومة دعم جميع أنواع الطحين، وقامت بتغيير النظام بحيث يتم دعم الطحين المعروف باسم «الموّحد» المستخلص من القمح بنسبة 78٪ والمخصص لإنتاج الخبز تحديدا (رغيف صغير أو كبير) وخبز الحمام.
أما الكعك والبسكويت والحلويات والأصناف الأخرى من الخبز، والتي تصنع من الدقيق عالي الجودة المعروف باسم «زيرو»، فلم تعد مشمولة بالدعم وباتت تباع بأسعار حُرة غير مدعومة.
تقوم وزارة التجارة بشراء القمح من الأسواق العالمية، وتبيعه للمطاحن بأسعار السوق، وتقوم المطاحن بتحويل القمح إلى أنواع مختلفة من الطحين، ثم يتم بيع الطحين «الموحد» بأسعار تضعها الحكومة للمخابز، وتقوم وزارة التجارة بالتسديد للمطاحن فارق السعر عن كل كيلوغرام تم تسليمه للمخابز، ويتغير سعر الطحين المدعوم الذي يُباع للمخابز وفقاً لمعادلة تسعير شهرية.
هدر باسم القانون
60% من قيمة الدعم الحكومي لمادة الطحين التي تتراوح ما بين 140-200 مليون دينار سنويا، تذهب بشكل مباشر إلى جيوب "ثلاثي الطحين”، وفق نتائج توصلنا إليها في هذا التحقيق.
يباع الطحين لمحلات الحلويات ومصانع إنتاج المواد الغذائية بأكثر من ضعفي السعر الذي يدفعه ملّاك المخابز للحكومة بعد حصولهم على الطحين المدعوم من 14 مطحنة موزعة على مناطق المملكة، تتسلم حصة القمح من وزارة الصناعة والتجارة لطحنه وتوزيعه على المخابز وفق برنامج التوزيع والحصص المعد في وزارة الصناعة والتجارة لهذه الغاية.
158 مليون دينار قيمة الدعم الحكومي لمادة الطحين وفق أرقام الموازنة العامة للعام الماضي 2015 فيما بلغت لهذا العام 147 مليون دينار- انخفضت بسبب تراجع أسعار القمح عالمياً - يذهب 20% منها لجيوب ملاك المخابز بشكل مباشر عبر عمليات بيع للطحين في السوق السوداء، وفق دراسة أعدتها وزارة الصناعة والتجارة عام 2014 لتسويق خطة كانت معدة لتغيير آلية دعم الخبز آنذاك وتم التراجع عنها في اللحظات الأخيرة.
تلك الدراسة أشارت -أيضا- إلى أن ثلث سكان المملكة من غير المواطنين يستفيدون من الدعم الحكومي فيما تبلغ قيمة منتجات الطحين التي تُتلف، بسبب سوء تقدير المواطنين لحاجتهم وسوء التخزين نحو 10% من إجمالي المباع منه.
وفي المحصلة، فإن 60% على الأقل من قيمة الدعم المقدم لمادة الطحين تذهب هدرا أو إلى غير مستحقيها، ويحقق مالكو المخابز بفضلها أرباحاً مضاعفة تفسر وجود أكثر من 3000 طلب لدى الوزارة لإقامة مخابز جديدة.
سوق سوداء
تعاني آلية الدعم من مشاكل عدة أبرزها أنها تقدم فرصا لتحقيق مكاسب غير مشروعة في مراحل عديدة من سلسلة التوريد، ويشكل تخصيص وزارة الصناعة والتجارة حصص الدقيق المقررة للمخابز الفرصة الأولى للتحايل على الدعم، فقد يعمد موظفو الوزارة بالتنسيق مع أصحاب المخابز إلى توفير حصص غير متناسبة لمخابزهم وتضخيم احتياجاتهم، ثم يمكن استخدام الطحين المدعوم في صناعة سلع أغلى ثمناً أو بيعه في السوق السوداء بأسعار أعلى.
كما قد يحدث الفساد أيضاً أثناء التسليم، حيث يمكن أن يقوم الناقلون بالتنسيق مع المطاحن أو المخابز ببيع الطحين المدعوم لمعامل غذائية أو بتهريبه إلى الدول المجاورة التي تعاني من نقص القمح أو ارتفاع أسعار الطحين.
مطاحن وأرباح من اتجاهين
وتحقق بعض المطاحن ربحا مضاعفا من خلال التحايل على الوزارة من خلال إنتاج طحين "الزيرو” غير المدعوم وبيعه في الأسواق بالسعر الحر وتقديم فواتير وهمية لعملية تسليم طحين "موحد” للمخابز لقبض فارق السعر من الوزارة، وبذلك تكون المطاحن حققت ربحا من وجهين بتواطؤ من المكلفين بمراقبة عملها وبالاشتراك مع المخابز التي يوقع ملاكها على استلام كميات لم تصلهم بالفعل.
تشتري المخابز طن الطحين الواحد بسعر 62 دينارا من الحكومة فيما يبلغ سعره في الأسواق 230 دينارا ويباع الطحين المدعوم في السوق السوداء بأسعار متفاوتة تتبع للعرض والطلب وتتراوح بين 160-190 دينارا حيث ينخفض سعره عن أسعار السوق الحرة؛ لوجود هامش مخاطرة من عملية شرائه ونقله واستخدامه.
وفي الغالب يقوم أصحاب المخابز ببيع جزء من مخصصاتهم إلى جهات أخرى أو يتم الاتفاق بين صاحب المخبز والناقل لبيع جزء من حصته في السوق السوداء أو حسم جزء من مخصصات المخبز وإبقائها داخل المطحنة، بهدف بيعها إلى جهة ثالثة رغم أن السندات الرسمية تثبت خروج كامل مخصصات المخبز من المطحنة، مثل هذه العملية لا يمكن حدوثها دون تواطؤ من مراقبي وزارة الصناعة والتجارة المكلفين بمراقبة العمل داخل المطاحن.
أسعار متفاوتة في السوق السوداء
من بين مالكي 7 مخابز تم التواصل معهم في إطار هذا التحقيق باعتبارنا أصحاب محلات حلويات أو معامل أغذية، أبدى أربعة منهم الاستعداد لبيع كميات مختلفة من الطحين، فيما رفض واحد ذلك وطلب اثنان منهم من معد التحقيق الحضور شخصيا إلى المخبر للتأكد من هويته قبل الحديث عن بيع الطحين له.
الأربعة الذين وافقوا على عملية البيع عرضوا كميات مختلفة وصل بعضها إلى ثلاثة أطنان أسبوعيا، فيما عرض آخر طنين كل أربعة أيام وعرض الآخران طنا واحدا كل أربعة أيام.
ومثلما تفاوتت الكمية فقد تفاوت سعر الطحين من مخبز إلى آخر، حيث طلب أحدهم بعد عملية تفاوض على السعر 140 دينارا للطن الواحد ووافق أحدهم على البيع بسعر 125 دينارا بشرط استمرار عملية الشراء منه فيما طلب آخر 150 دينارا ورفض الأخير البيع بأقل من 160 دينارا للطن الواحد.
العنصر المشترك بين ملاك المخابز الأربعة الذين وافقوا على بيع كمية من الطحين كان في طريقة التسليم والدفع إذ أجمعوا على أن تتم من خلال الناقل الذي يتولى عملية نقل الطحين إلى مخابزهم.
التفاوض على الكمية والأسعار قاد إلى معرفتنا بانخفاض الأسعار في السوق المحلي بسبب وجود عرض كبير من قبل مالكي المخابز، بعد إغلاق الحدود العراقية والسورية التي كان يتم تهريب الطحين من خلالها سابقا لارتفاع أسعاره هناك مقارنة بالأردن.
استغلال الطحين المدعوم لإنتاج أصناف غير مدعومة
مخبز واحد من بين خمسة مخابز تلزمها الأنظمة الموضوعة ببيع الخبز المدعوم رصدها معد التحقيق وقام بزيارتها عشرات المرات خلال فترة امتدت لشهرين في أوقات مختلفة كان يوفر الخبز المدعوم، طيلة أوقات النهار، فيما لم يجد معد التحقيق الخبز المدعوم نهائياً في ثلاثة مخابز ووجده مرة واحدة في المخبز الأخير في ساعات الصباح فقط.
عامل مخبز في إحدى مناطق العاصمة أقر لمعد التحقيق بأن حصة المخبز الذي يعمل فيه 500 كيلو من الطحين المدعوم يومياً، يتسلم المخبز نصف الكمية فقط فيما يتم قبض ثمن النصف الآخر من الناقل الذي يقوم بدوره ببيعه لجهات أخرى بالسعر الحر، ويتم استخدام بقية الكمية المستلمة لإنتاج أنواع غير مدعومة من الخبز وفقا للعامل الذي قال إن 80% منها تستخدم لإنتاج خبز "الشراك” الذي يورد لمطاعم الشاورما ويباع بسعر حر.
يقول هذا العامل إن النسبة الكبرى من أرباح المخبز تتحقق من كمية الطحين التي يتم بيعها إلى الناقل الذي يتولى دور الوسيط بين المطحنة والمخبز، حيث تُدر الكمية المباعة ربحا يوميا لمالك المخبز يبلغ نحو 30 ديناراً، علما أن هذا المخبز (حجري) صغير.
تبلغ حصة بعض المخابز الآلية عشرة أضعاف هذه الكمية، وفق كشف الحصص الذي حصلنا عليه من وزارة الصناعة والتجارة، وعلى سبيل المثال يحصل أحد المخابز في مدينة جرش على 8.5 طن يومياً من الطحين المدعوم تبلغ قيمتها مع الدعم نحو 560 ديناراً فيما سعرها في السوق الحر يتجاوز 2200 دينار، هذا المخبز نظم بحقه عدد من الضبوطات من قبل مفتشي وزارة الصناعة والتجارة تعلقت ببيع الطحين أو استغلاله في صناعات أخرى غير الخبز وتم تخفيض حصته من 11 طنا إلى 6 أطنان عام 2012 وفق مصادر في وزارة الصناعة قبل أن يتدخل أحد نواب المنطقة عام 2013، ليتم رفع الكمية مرة أخرى إلى 8.5 طن.
يستطيع صاحب هذا المخبز تحقيق ربح يومي صاف إذا ما باع ربع الكمية بشكل مباشر تقدر بـ 520 دينارا يومياً، عدا عن الأرباح التي يمكن أن يحققها من استغلال جزء من الكميات المتبقية لإنتاج الكعك والحلويات والمعجنات.
أحد ناقلي مادة الطحين من المطاحن إلى المخابز، رفض عند مواجهته بمعلومات تم جمعها عن عمله من مالك مخبز وعامل في مخبز آخر بالمنطقة ذاتها الإجابة عن أسئلة معد التحقيق.
إلا انه أقر بوجود خلل نافيا مسؤولية الناقلين عنها حيث قال: "أنا مهمتي نقل الطحين إلى الجهة التي يطلبها مالك المخبز أو المطحنة” مقراً بوجود تجاوزات.
تبلغ الحصة اليومية التي يفترض أن يقوم بتوزيعها هذا الناقل على المخابز 51.5 طن يومياً فيما أسر موظف "القبان” في المطحنة التي يقوم هذا الناقل بتسلم الطحين منها أن الكمية التي تخرج من المطحنة مع هذا الناقل يومياً تتراوح ما بين 28-31 طناً يومياً فقط، فيما يتم حسم ثمن الكمية المتبقية من القيمة المطلوبة من المخابز بدل الكمية الموردة فعلياً لها أو يتم تسليم ثمنها إلى الناقل لتسليمها للمخابز وتقوم المطاحن بتصريف الكميات الباقية لديها في السوق السوداء.
الكمية المتبقية من حصة هذا الناقل والبالغة نحو 20 طنا يومياً يصل فارق سعرها ما بين السعر المدعوم والسعر الحر بحدود 2500 دينار، علما أن هناك 5 ناقلين آخرين ينقلون الطحين من المطحنة ذاتها الواقعة في العاصمة عمان.
عملية إبقاء الطحين في المطحنة وتوريد فارق سعره إلى مالكي المخابز لا يمكن أن تتم دون تواطؤ من الموظفين الرسميين الموجودين في المطاحن بهدف تدقيق وإجازة الكميات الموردة للمخابز، حيث يناوب مفتشون تابعون لوزارة الصناعة والتجارة في كل مطحنة مهمتهم تدقيق كميات الطحين الخارجة ومراقبة عملية تحميلها وتوزينها وعد الأكياس المعبأة فيها.
ضعف الرقابة
ضعف الآليات التي تتبعها وزارة الصناعة والتجارة في الرقابة والتفتيش أحد أهم عناصر السماح بالتلاعب، حيث يتم اعتماد موظف لكل مطحنة، ولا يتم مراقبة عمله بشكل فاعل، كما أن هناك ضعفا في الجولات التفتيشية والرقابية، التي تتم بأوقات متباعدة وهو ما يسهم إلى حد كبير في تفشي الفساد في هذا الملف، ويتيح التلاعب والمتاجرة بالطحين المدعوم، ويعتبر نقص الكوادر إحدى أهم المعضلات التي تواجه عمل مديريات الصناعة والتجارة في المحافظات.
يعترف مساعد الأمين العام في وزارة الصناعة والتجارة المهندس عماد الطراونة بوجود نقص في الكوادر، موضحا أن وقف توريد الطحين المدعوم إحدى الوسائل العقابية التي تلجأ لها الوزارة في حال ضبط مخبز مخالف وبشكل تحرص الوزارة على ألا يؤثر على احتياجات المنطقة من الخبز، مؤكدا أن الوزارة لجأت إلى هذا الخيار مرات عدة خلال العام الحالي والماضي وفق ما يثبت كشف المخالفات الذي حصلنا عليه في إطار هذا التحقيق.
وبحسب الطراونة تقوم الوزارة في حال ضبط مخابز تتصرف بالطحين المدعوم بطرق غير قانونية بتغريمها فرق الدعم وفقا لقانون الصناعة والتجارة رقم(18) بالإضافة إلى دفع غرامات مالية لا تقل عن ألف دينار وتصل إلى 30 ألف دينار وإيقاف تزويدها بالطحين المدعوم لفترات متفاوتة وحسب حجم المخالفة.
اتهامات متبادلة
"الحلقة الثلاثية” تتقاذف مسؤولية التلاعب مقرة ضمناً بوجود عمليات تلاعب وسوق سوداء للطحين المدعوم، فيما تُجمِع هذه الجهات على محاولات تهوينها والتخفيف من حجمها.
نقيب أصحاب المخابز عبد الإله الحموي يؤكد التزام المخابز باستخدام الطحين المدعوم وفق المخصص والمتمثل في إنتاج الخبز وبيعه عند مستوى 16 قرشا للكيلو، مطالباً باتخاذ أشد العقوبات بحق كل من يتاجر بالطحين المدعوم من المخابز وإغلاقها.
يقول الحموي إن "آلية دعم الطحين الحالية تسهم في انتشار ظاهرة المتاجرة بالطحين المدعوم من قبل بضع جهات، داعيا إلى تغيير آلية دعم الطحين وتحرير أسعار الخبز مقابل تقديم دعم مالي مباشر للمواطنين”.
ويرى الحموي أن المخابز هي الحلقة الأضعف في عمليات التلاعب التي تتم حاليا مشددا على أن مربط الفرس هو في الآلية المتبعة وفي وسائل المراقبة والمتابعة التي تنفذها وزارة الصناعة والتجارة.
فيما يقول الطراونة إن الوزارة تفرض رقابة مستمرة على الطحين المدعوم ويتم من حين لآخر ضبط بعض المخالفات، لافتاً إلى حجم المخالفات الكبير الذي تسجله الوزارة نتيجة لعمليات الرقابة التي تقوم بها فرق التفتيش التابعة لها.
ضبوطات ومخالفات بالجملة
غير أن ضبوطات وزارة الصناعة والتجارة خلال الأعوام الثلاثة الماضية تثبت أن هناك ضعفا في الرقابة وأن المسؤولية مشتركة للجهات الثلاث (مطاحن، مخابز، ناقلين) حيث حُرِر خلال العام الماضي 99 مخالفة بلغ مجموع الغرامات المفروضة بموجبها خمسمئة وثلاثة وتسعين ألف دينار، وتعلقت باستخدام الطحين الموحد المدعوم لغير الأغراض المخصصة له توزعت بين 70 مخالفة لمخابز وخمس مطاحن وخمسة ناقلين و11 لشركات غذائية ومخابز إنتاج الشراك.
فيما تم تسجيل 107 ضبوطات خلال العام 2015، توزعت بين 67 مخالفة لمخابز وثمان مطاحن وثمانية ناقلين و24 لشركات غذائية، حيث بلغ مجموع الغرامات المتحققة من هذه الضبوطات نحو 213 ألف دينار، بينما بلغ مجموع الغرامات عام 2014 نحو مليون وستمئة ألف دينار.
غير أن مقارنة حجم الضبوطات وقيمة المخالفات بمقدار الأرباح المتحققة من الاتجار بالطحين المدعوم وفق الحقائق التي يوثقها هذا التحقيق تثبت أن إجراءات الوزارة غير رادعة وأن هامش المغامرة كبير ومتاح أمام أصحاب المخابز والمطاحن والناقلين.
السكان والحاجة الفعلية...مقارنة تظهر مبالغة في كميات الطحين المصروفة
وبالنظر إلى كميات الطحين الموردة إلى المحافظات ومقارنة حجم إنتاج الخبز منها مع الحاجة اليومية للمواطن، يظهر وجود مبالغة كبيرة في تلك الكميات، إذ تشير دراسة لنقابة أصحاب المخابز إلى أن طن الطحين الواحد ينتج عنه 1.28 طن خبز فيما يبلغ عدد أرغفة الخبز لكل كيلوغرام 12 رغيف خبز صغيرا.
عملية حسابية بسيطة تبين أن طن الطحين ينتج 15360 رغيف خبز صغيرا الذي تنتجه كافة المخابز الآلية، إلى جانب النوع الثاني من الخبز المدعوم وهو الرغيف الكبير حيث يباع الأول بسعر 24 قرشا للكيلو فيما يباع الثاني بسعر 16 قرشا للكيلو، وإذا كانت الدراسات تقرّ أن حاجة الفرد اليومية تبلغ ثلاثة أرغفة في المتوسط بين الصغار والكبار، فإن الطن الواحد يكفي حاجة نحو 5120 مواطنا، وبالرجوع إلى الكميات المخصصة لمخابز بعض المحافظات ومقارنتها بعدد سكان تلك المحافظة حسب إحصاء السكان الأخير 2015، نكتشف وجود مبالغة كبيرة في كميات الطحين الموردة للمخابز.
حيث تبين مقارنة عدد السكان بالكميات المصروفة والحاجة الفعلية إلى وجود زيادة تبلغ نحو 55 ألف طن طحين سنويا تبلغ قيمتها السوقية ما يقرب 12 مليون دينار، فقد بينت هذه المقارنة وجود زيادة تتراوح ما بين 8-25 طنا زيادة يومية عن الحاجة الفعلية في كل محافظة باستثناء العاصمة والزرقاء.
الزيادة اليومية التي تبلغ نحو 150 طنا يوميا تذهب إلى السوق السوداء بشكل مباشر وتبلغ قيمتها بحدود 35 ألف دينار يتقاسمها ملاك مخابز ومطاحن وناقلون بصورة يومية، عدا عن الأرباح المتأتية من استخدام كميات الطحين الأخرى في إنتاج أنواع مختلفة من الخبز والكعك والحلويات غير المدعومة والتي تفاقم أرباح مالكي المخابز على حساب الدعم الحكومي المقدم للمواطنين.
تبلغ الكمية الموردة لمخابز محافظة مأدبا على سبيل المثال 54 طن طحين يومياً، أي تنتج نحو 830 ألف رغيف خبز من المفترض أن تكفي حاجة 275 ألف مواطن، فيما أن عدد سكان المحافظة الإجمالي وفق إحصاء 2015 بلغ 189 ألف نسمة.
وفي محافظة إربد تتسلم المخابز هناك 370 طن طحين يوميا من المفترض أنها تكفي حاجة 1.9 مليون مواطن فيما أن عدد السكان الفعلي للمحافظة بما فيها من وافدين ولاجئين 1.7 مليون أي أن الكمية المصروفة تكفي لحاجة 200 ألف مواطن آخرين.
بالمجمل فإن كمية الطحين الواردة لعشر محافظات -باستثناء العاصمة والزرقاء- تبلغ 963 طنا يوميا ينتج عنها ما يقارب 1232 طن خبز، وهي كمية تكفي حاجة 6.3 مليون شخص فيما أن عدد سكان هذه المحافظات يبلغ 4.15 وتبلغ حاجتهم الفعلية 811 طنا يوميا، أي أن الزيادة المصروفة عن الحاجة الفعلية تبلغ 152 طنا يوميا.
تبلغ القيمة الإجمالية للكمية الفائضة نحو 35 ألف دينار، يذهب هذا المبلغ إلى جيوب «ثلاثي الطحين» بشكل يومي علما أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين يتقاضون هذه المبالغ لا يزيد عن 500 شخص، أي أن كل واحد من هؤلاء يحقق ربحا صافيا يوميا بمعدل 70 دينارا، تتفاوت من شخص لآخر حسب كمية الطحين التي يحصل عليها .
هذه الأرقام والمقارنات تثبت وجود مبالغة في تقدير حجم حاجة المخابز من كميات الطحين وهو ما يفسر توافر كميات من الطحين للبيع في السوق السوداء؛ ما يدفع للمطالبة بإعادة دراسة حاجة المخابز وفق أرقام إحصائية دقيقة لسكان كل منطقة أو تغيير آلية الدعم بالكامل بطريقة تمنع الهدر والتلاعب وتعطي الدعم للمواطنين فقط.
وزير الصناعة والتجارة
وزير الصناعة والتجارة يعرب القضاة لا ينكر وجود ما فضل تسميته «هدراً» لموارد الخزينة نتيجة آلية الدعم المعمول بها، لافتا إلى أن الوزارة تعمل على وضع جملة من الإجراءات لضبط هذه العملية، من خلال إعادة دراسة حاجة المخابز من مادة الطحين وتكثيف الرقابة على المطاحن والمخابز والناقلين.
ويلفت إلى عدم وجود أي توجه لرفع الدعم عن الخبز مفضلا تشديد الرقابة لمنع أي تلاعب يتم في هذا الموضوع، ويشير إلى أن نقص الكوادر واحدة من أهم معضلات العمل الميداني للوزارة حيث لا يتجاوز عدد مراقبي الوزارة 80 مراقبا تشمل مهامهم مراقبة الأسواق والمطاعم والمجمعات التجارية وليس المخابز والمطاحن فقط .
وفي مواجهة الحقائق التي توصل إليها هذا التحقيق وجود شبهات بتقاعس أو تواطؤ أو إهمال يمارس من قبل موظفي الوزارة يسهل عملية التلاعب بمادة الطحين، دعا القضاة المواطنين إلى الإبلاغ عن أي شبهات أو عمليات بيع يتم ملاحظتها، مؤكدا حرص الوزارة على متابعة أي ملاحظة ومراقبة أي جهة تثار حولها شبهات التلاعب أو التواطؤ مع أهمية تقديم الأدلة والبراهين على ذلك سيما وأن بعض الشكاوى التي ترد أحيانا تكون كيدية وغير صحيحة .
تغيير آلية الدعم
لم يقدم أي طرف من المعنيين في هذه القضية تفسيراً واضحاً لاستمرار آلية الدعم الحالية لمادة الخبز رغم إقرار جميع الأطراف بوجود خلل واستغلال كبير للدعم الحكومي يترتب عليه خسارة خزينة الدولة عشرات الملايين سنويا.
ويميل مسؤولون حكوميون إلى تحميل الرفض الشعبي لأي مساس بـ "رغيف الخبز” المسؤولية عن استمرار آلية الدعم الحالية، حيث يؤكد المهندس الطراونة أن الحكومة، كانت ولأكثر من مرة على وشك اتخاذ قرار بتغيير آلية الدعم وتوجيهه بشكل مباشر للمواطنين، إلا أن الملف أغلق أكثر من مرة في آخر لحظة خوفا من ردة الفعل الشعبية.
الخبير الاقتصادي الدكتور ماهر مدادحة دعا إلى إلغاء الدعم عن السلع كافة بما فيها الطحين مقابل تمتين شبكة الأمان الاجتماعي وإيجاد آلية مناسبة لإيصال الدعم للفئات المحتاجة فقط وبطريقة تحفظ كرامتهم.
وقال إن الدعم الحكومي يعتبر تشوها في المالية العامة ويزيد عجز الموازنة ويراكم مستوى المديونية؛ ما يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد، و ينعكس سلبا على قدرة الدولة على توفير التمويل اللازم لاستدامة مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في القطاعات كافة.
ويرى المدادحة أن استمرار الدعم بصورته الحالية شكل من أشكال سوء استخدام الأموال العامة خصوصا أن هناك نحو 3.5 مليون مقيم غير أردني يستفيدون من هذا الدعم.
وفي تعليقه على الأرقام التي توصل إليه هذا التحقيق لفت المدادحة إلى أن الأرباح التي يحققها مالكو المخابز والمطاحن تقترب من نصف قيمة المخصصات الحكومية السنوية لصندوق المعونة الوطنية التي بلغت 140 مليون دينار في موازنة العام الحالي.
استطلاع: المواطنون واثقون من وجود تلاعب ويقبلون بتغيير آلية الدعم
استطلاع -غير علمي- أجري في سياق هذا التحقيق وشارك فيه 318 مواطنا من مختلف المحافظات، أثبت أن الخوف من ردة الفعل الشعبية ليس إلا مبررا للاستمرار في آلية الدعم الحالية، حيث قال أكثر من 81% من المشاركين بالاستطلاع إنهم واثقون من وجود تلاعب بآلية الدعم الحالية، فيما قال 89% من المشاركين إنهم سيقبلون آلية دعم جديدة ومباشرة إذا وضعت ضمن قانون لمنع إيقافها كما حدث في مرات سابقة، فيما قال 26% من المشاركين إنهم لا يعرفون الفارق بين الخبز المدعوم وغير المدعوم.