المجالي للحكومة : الهدوء لا يعني الرضا
جفرا نيوز - قال النائب عبد الهادي المجالي إنا ننظر للموازنة وحولنا طوق مأزوم وعقبات اقتصادية، نحسب أن أخطائها أكبر من تقديرات الحكومة وقدرتها على مجابهتها لتجنب التداعيات.
وأشار في كلمة القاها باسم كتلة جبهة العمل الوطني أثناء مناقشة الموازنة: عن تصميم الموازنة لا بد ان تراعي الواقع السياسي والمعيشي لواقع الناس، وعدم هدم البنى الإجتماعية في المدن والإطراف، كي لا ينتهي إلى هز الدولة بقدرتها على التصدي للتحديات الخارجية.
وقال إن الحكومة تستجيب لشروط معينة، وليست معنية بهموم الشعب، وهي مسكونة بزيادة الرفع على الناس، دون أن تلتفت إلى تآكل الرواتب، لافتا أن لحظة الهدوء لا تعني الرضى والقبول، وان خرق سقف التحمل لا نعرف منتهاهه، فالحكومة منقطعة الصلة بالمواطن والمجتمع.
وتالياً نص الكلمة :-
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بداية هذه الكلمة باسم كتلة 'جبهة العمل الوطني'.. ننظرُ في تفاصيلِ الموازنةِ العامة، وحولَنا طوقٌ من لهب، وتحيطُنا استحقاقاتٌ وتشابكاتٍ وتعقيداتِ سياسيةٌ وأمنيةٌ واقتصادية، نحسب بيقينٍ أن أخطارَها أكبرُ بكثيرٍ من تقديراتِ وتقييماتِ الحكومة، وأكبرُ بكثيرٍ من قدرتِها على مجابهتِها والتصدي لها، لتجنبِ التداعياتِ والمآلات. إن تصميمَ الموازنةِ لابد وأن يحاطَ باعتباراتٍ عديدةٍ وكثيرة، تراعي أولا وقبل كل شيء، الواقعَ السياسيَّ والمعيشيَّ لعامةِ الناس- الأساسُ والرافعةُ الحقيقيةُ للنظامِ السياسي- وأن يراعي تصميمُ الموازنةِ عدمَ هزِّ البنى الاجتماعيةِ في المدنِ والأطراف، كي لا ينتهيَ هزُّ هذه البنى إلى هزِّ الدولةِ وتماسكِها وقدرتِها على التصدي للاستحقاقاتِ الخارجية. اني أرى، كما غيري، أن الحكومةَ مسكونةٌ بالشأنِ الاقتصادي، لا لغايةِ رفعةِ الناسِ وتخفيفِ ضنكِ العيشِ عليهم، وإنما استجابةً لشروطٍ وطلباتٍ آخرُ همِّها ظروفُ الشعبِ وأحوالُه.. مسكونةٌ برفعِ الدعمِ وزيادةِ الأسعارِ دون أن تلتفتَ قيدَ أُنملةٍ إلى تآكلِ مداخليهِم على نحو لا يطاق، وعلى نحوٍ بات فيه واضحاً جلياً أن الحكومةَ منقطعةُ الصلةِ عن واقعِها المجتمعي، ودون أن تحسِبَ حسابَ أنَّ لحظةَ الهدوءِ لا تعني الرضى والقبولَ وان للاحتمالِ والتحملِ سقفٌ إن خُرٍقَ لا نعرفُ مداهُ ومُنتهاه. وثمةَ أمرٌ آخر، لم تلتفتْ إليه الحكومة، وكان الأجدى بها أن تأخذَهُ بالاعتبار، وهو أن تُوازِنَ بين اشتغالِها بالاقتصاديِّ واشتغالِها بالسياسي، والموازنةُ بين الأمرينِ هنا ان تسعى جديا وبشكلٍ مقنعٍ إلى إصلاحاتٍ سياسيةٍ تلبي مطالبَ القوى الحزبيةِ والمجتمعية، وحاجةَ الدولةِ إلى النظرِ في هياكِلها وبُناها لإعادة تصميمِها على نحوٍ أكثرَ جدوى. وأخشى أن يكونَ الوهمُ سكنَ الحكومة، بأن الأمرَ استتبَّ لها، وبات بمقدورِها أن تفعلَ ما تشاء، وتصنعَ ما يحلو لها، دون سؤالٍ أو حساب، وأن اقصى ما يستطيعُه الشارعُ ان يتذمَّرَ قليلا ويصمتَ طويلا.. وهذا حسابٌ خاطئٌ وتقديرٌ يفتقرُ إلى النظرةِ الحصيفة.
الزميلات والزملاء،، يواجهُ إقتصادُنا في هذهِ المرحلةِ تحدياتٍ متعددةٍ ومتداخلة، يأتي في مقدمتِها التوسعُ المستمرُ في العجزِ المالي، والتصاعدُ المستمرُّ في مستوى الدينِ العام، وتواضعُ معدلاتِ النموِّ الإقتصادي، وارتفاعُ معدلاتِ الفقرِ والبطالة، وتضخمُ العجزِ التجاري، وتنامي معدلاتِ التضخمِ التي أخذت تأكلُ الأخضرَ واليابس.
ويقابلُ ذلك إدارةٌ حكوميةٌ لا ترقى إلى مستوى الطموحات، ولا تملكُ رؤيةً واضحةً ولا حلولا ناجعة، وفريقٌ إقتصاديٌ لا يعيشُ الواقع، ولا يملكُ روحَ الانسجام، ويعملُ أفرادُهُ بصورةٍ فرديةٍ لا تخلو مِنَ التناقض، وربما تملَّكَ بعضَهُم روحُ اليأسِ والشعورِ بالعجزِ عن التغيير...فقد بات القاصي والداني يعلمُ أن هذا الفريقَ منقسمٌ على نفسه، ويستخدمُ أسلوبَ المناكفةِ واتهامِ الآخر، وربما بدا ذلك واضحا لكم من خلالِ لقاءاتِ اللجنةِ الماليةِ مع رموزِ هذا الفريق، مع الإحترامِ لشخوصهم! وهذا ما يزيدُ من مخاوِفِنا، ومخاوفِ المواطنين المشروعةِ حول القدرةِ على اجتيازِ بحرِ المشاكلِ الإقتصاديةِ الذي تعلو أمواجُهُ وتتراكمُ يوما بعد الآخر.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
في ظلِّ هذا الواقعِ المؤلمِ والمربك، يناقشُ مجلسُكُم مشروعَ قانونِ الموازنة ِالعامةِ ومشروعَ قانونِ موازناتِ الوِحْداتِ الحكوميةِ لعام 2014 ونحن إذ نفعلُ ذلك فإننا ندركُ أن الأمرَ يتجاوزُ مجردَ النظرِ إلى أرقامِ الإيراداتِ والنفقات، بل يركزُ بشكلٍ أكبرَ على ما وراءَها وما حولها من إجراءات، وقرارات، وسياسات....هذا إِن كان فعلا هناكَ سياساتٌ اقتصاديةٌ واضحةُ المعالم، وتقومُ على أسسٍ علميةٍ وموضوعيةٍ تراعي الأبعادَ الإجتماعيةِ والسياسية، ولا تقومُ على أسلوبِ 'الفزعة' والإجتهاداتِ الشخصيةِ التي سَرعانَ ما تتغيرُ مع تغيرِ الأشخاص!
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
وإذا ما ابتدأنا بخطابِ الموازنة، الذي ألقاه وزيرُ الماليةِ بين يدي مجلسكُم، فإننا نكادُ نجزمُ أنه الخطابُ الأضعفُ والأكثرُ ضبابيةً بين خطاباتِ الموازنةِ التي ألقيتْ أمام مجالسِ النوابِ المتعاقبة، ولا يتناسبُ مع طبيعةِ المرحلةِ وحجمِ التحديات. وربما يكون قد جاء متميزاً عن سابقاتِه في مجالٍ واحد، ألا وهو تطمينِنا بأن تضخمَ المديونيةِ سيتراجعُ بناءا على قراءةٍ تاريخيةٍ لمسارِها منذ عام 1989 وحتى عام 2008، ناسيا أو متناسيا، أن تلك الفترةِ الطويلةِ قد شهدتْ تنفيذَ العديدِ من البرامجِ التصحيحيةِ القاسية، بالتعاونِ مع المؤسساتِ الدولية، التي كان يفترضُ أن تقتلِعَ الداءَ بشكلٍ دائمٍ وليس مؤقت، خصوصا وأنها حملتْ في طياتِها الكثيرَ من الإجراءاتِ التي قدمتْ تقليصَ عجزِ الموازنةِ على مستوياتِ معيشةِ المواطنين وأسهمت، بقصدٍ أو بدون قصد، في إلغاءِ الطبقةِ الوسطى من الخريطةِ الاجتماعيةِ والإقتصادية.
كما نسي خطابُ الموازنة، أو تناسى، أن الفترةَ التي شهدتْ نمواً ملحوظا أسهمَ في تراجعِ نسبةِ الدينِ العامِ إلى الناتجِ المحليِ الإجمالي، قد شهدتْ تدفقا كبيرا للإستثماراتِ الخارجية، المباشرةِ وغير المباشرة، والمساعداتِ الخارجيةِ التي قُـدِّمَت للموازنةِ العامة، وهو ما قد يصعبُ تكرارُه في ظلِّ حالةِ عدمِ الاستقرارِ الإقتصاديِ المحلي، واستمرارِ حالةِ عدمِ الاستقرارِ الإقليمي، إلى جانبِ استمرارِ انعكاساتِ الأزمةِ الماليةِ العالميةِ على العديدِ من الدولِ والصناديقِ الإستثمارية.
أما الجديدُ الآخرُ في ذلكَ الخطاب، فقد تمثلَ بالتهديدِ المبطنِ بأن عدمَ القبولِ بسياساتِ الأمرِ الواقع، التي تعمل الحكومةُ على فرضِها بشكلٍ عشوائي، هو اللجوءُ إلى ما قامت به بعضُ الدولِ الأوروبيةِ التي هزتها الأزمةُ الماليةُ العالمية؛ مثلَ تخفيضِ الرواتبِ والاستغناءِ عن أعدادٍ كبيرةٍ من الموظفين، بل وزاد عليها إجراءاتٌ أخرى قد تشمل، حسبَ منطوقِ الخطاب، وقفَ المشاريعِ الرأسمالية، وقطعَ التيارِ الكهربائي، بل وقطعَ المياه!
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
وإذا عدنا إلى بياناتِ الموازنةِ العامةِ وموازناتِ الوِحْداتِ الحكوميةِ لعام 2014، فإننا نجدُ أنها لا تقدمُ جديدا، ولا تعكسُ تطوراً أو تحسناً عن السابق، خلافاً لما ادَّعاهُ خطابُ الموازنةِ بطبيعةِ الحال. حيث نجدُ أن العجزَ المقدرَ للحكومةِ المركزية، بعد المِنَح، يتجاوزُ 1,1 مليارَ دينارٍ مقابل عجزٍ مقدارُهُ حوالي 968 مليون دينار حسبَ أرقامِ إعادةِ التقديرِ لعام 2013، أي بزيادةٍ نسبتُها 13,6% ، أما العجزُ الماليُّ قبل المِنَح، فقد قدَّرهُ مشروعُ قانونِ الموازنةِ العامة بقرابة 2,3 مليارَ دينارٍ مقابلَ عجزٍ معادٌ تقديرُهُ لعام 2013 وصل إلى حوالي 1,9 مليار دينار، أي بتوسعٍ نسبتُهُ 21.1%. وهذا أمرٌ مثيرٌ للقلق، دون شك، ولا يدلُّ على تحسنٍ في الأداءِ المالي.
كما يؤشرُ أيضا على أن سياساتِ ضبطِ النفقاتِ والإجراءاتِ الماليةِ التي قامت بها الحكومة لتحقيقِ المزيدِ من الإيراداتِ لم تؤتِ النتائجَ المنشودةَ منها، على العكسِ تماما من إدعاءِ خطابِ الموازنةِ الذي حاولَ إيهامَنا بسلامةِ وصحةِ الإجراءاتِ الماليةِ التي تبنتها الحكومة، بعد أن عمِدَ إلى مقارنةِ العجزِ المقدرِ في مشروعِ الموازنةِ بالعجزِ المقدرِ في موازنة ِ عام 2013، حيث كان المنطقُ يفرضُ المقارنَةَ مع أرقامِ إعادةِ التقديرِ للعامِ السابق، في ظلُّ عدمِ توفرِ بياناتٍ فعليةٍ للسنةِ بأكملِها.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
وعندَ النظرِ إلى مشروعِ موازناتِ الوحداتِ الحكوميةِ فإننا نجدُ أن عجز هذه الوِحْداتِ المقدرِ لعام 2014 يبلغْ، بعد المِنَحِ قرابةَ 1,1 مليار دينار. أي أن عجزَ هذهِ الوِحْداتِ التي يتجاوزُ عددُها 60 مؤسسةً بقليل، يماثل عجزَ الحكومةِ المركزيةِ بكامِلِها، ناهيك عن أن التحسنَ في الأداءِ الماليِّ لهذه المؤسساتِ كان في غاية التواضع، حيث لم يتراجعْ عجزُها عن مستواهُ في العامِ السابقِ إلا بنسبةٍ لم تتجاوز 9.0%، رغمَ جميعِ الإجراءاتِ التي سمعنا عنها من الحكومةِ لضبطِ النفقاتِ في هذهِ المؤسساتِ وتنميةِ إيراداتِها حتى لا تبقى عبئا على ماليةِ الدولةِ والإقتصادِ الوطني.
وفي ضوء بياناتِ مشروعَيْ قانونِ الموازنةِ العامةِ وقانونِ موازناتِ الوِحداتِ الحكومية، فإن العجزَ الماليَّ الكليَّ المقدرَ لهذا العام، بعد المِنَح، سيبلغُ حوالي 2,2 مليارَ دينار، أو ما نسبتُهُ 8.6% من الناتجِ المحليِ الإجمالي، أما العجزُ الماليُّ الكليُّ المقدر، قبل المِنح، فسيصلُ إلى ما يزيدُ قليلاً عن 3,5 مليار دينار، أو ما نسبتُه 13.5% من الناتجِ المحليِ الإجمالي. ولا يستطيعُ أحدٌ أن يجادلَ في أن هذهِ النسبُ المرتفعة، على فرَضِ تحقُّقِ نسبةِ النموِّ المتوقعة، تمثلُ تحديا كبيرا جدا للإقتصادِ الوطني، ولا تؤثرُ على الاستقرارِ الماليِّ فقط، بل تتعداهُ لتشكلَ خطرا على الاستقرارِ الاقتصاديِّ الكليِّ أيضا.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
إن الحديثَ عن العجوزاتِ الماليةِ يرتبطُ بشكلٍ وثيق، كما تعلمون، مع الحديثِ عن حجمِ الدينِ العام. وهو حديثٌ لا يقلُّ قتامةً عن سابقه. فقد بلغَ صافي الدينِ العام حتى نهايةِ الشهورِ العشرةِ الأولى من هذا العام حوالي 18,6 مليار دينار، بعد أن ارتفعَ بمقدارِ 2,0 مليار دينار، أو ما نسبته 12,1% عن مستواهُ في العامِ السابق، لتصلَ نسبتُهُ إلى الناتجِ المحليِّ الإجماليِّ إلى 77.4%، وهي نسبةٌ مقلقةٌ بكلِّ المقاييس، خصوصا في بلدٍ يعاني من شحِّ المواردِ الذاتيةِ وتراجعٍ في الحجمِ الفعليِّ للمساعداتِ الخارجية. وليس هذا فحسبْ بل إن الفوائدَ المترتبةَ على هذا الدينِ قد أَخَذَتْ بالإرتفاعِ بشكلٍ يضعُ المزيدَ من الضغوطِ على الموازنة؛ فقد قُـدِّرَ حجمُ الفوائدِ التي ستُدفعُ للدائنين، محليا وخارجيا، هذا العام بمبلغ 1,1 مليار دينار، بزيادةٍ نسبتُها 37,0% عن العامِ السابق؛ مشكِّـلَةً ما نسبتُه 16,0% من إجمالي الإنفاقِ العام، أي أن 16,0% من موازنة الحكومة المركزية التي نناقشها اليوم ستذهب على شكل فوائدَ على الدينِ العام! ومع هذا فإن وزيرَ الماليةِ يبشرُنا، من خلالِ خطابِ الموازنة، أن نسبةَ الدينِ العام إلى الناتجِ المحلي الإجمالي ستصل إلى 80,0% مع نهايةِ هذا العام. ولكننا بصراحةٍ نرى أن الوزيرَ قد كان في غايةِ التحفظِ في هذا التقدير؛ فمِنَ الملاحظِ أن شهيةَ الحكومةِ قد فُتِحَت على مصراعيها للاقتراضِ الخارجيِّ والداخليِّ على حدٍّ سواء، فبعد أن اقترضت الحكومةُ 2,0 مليار دولار من البنكِ الدوليِّ قبل فترةٍ قصيرة، نجدُ خطابَ الموازنةِ يتباهى بقدرةِ الحكومة على اقتراض مليارٍ و250 مليون دولار من السوقِ الدولية بكفالةِ الحكومةِ الأمريكية.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لم تقُمِ الحكومة، عوضا عن التوجهِ نحو الإقتراضِ الخارجي الذي لا يأتي دون ثمنٍ باهظ، ببذل ما يتطلبُ من جهودٍ للضغط على المجتمعِ الدولي للحصولِ على مساعداتٍ تعوضها عن التكاليفِ المباشرةِ وغيرِ المباشرة لاستضافةِ اللاجئينَ السوريين وتأثُّرِ الاقتصادِ الوطني بتبعاتِ الأزمة السورية، والتي بلغت حسب خطاب الموازنة 2,1 مليار دولار في العام الماضي وستزداد لتصل إلى 3,2 مليار دولار هذا العام؟ وإذا كان المجتمعُ الدوليُّ غير مستعدٍ لتحملِ مثلِ هذه ، فلماذا قامت الحكومةُ بفتحِ حدودِها لاستيعابِ أعداد من اللاجئين تفوق قدرةَ هذه الدولةِ محدودةِ المواردِ على التحمل؟
ونحن إذ نقولُ ذلك، فإننا نتفهمُ معاناةَ الإخوةِ اللاجئينَ السوريين، ونقدِّرُ ظروفَهُم الصعبةَ التي اضطرتهم لمغادرةِ مدنهِم وقراهم، ولكن العبءَ أصبح كبيرا جدا، ونرى أنه إذا توزعَ بين الدولِ الشقيقةِ والصديقة، فإن التعاملَ معه سيصبحُ ممكنا ويسيرا، أما إذا تحملته جهةٌ واحدةٌ فإنه سيهددُ استقرارَها ويكسرُ ظهرَها.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
وعودةً إلى مشكلةِ المديونيةِ وتناميها، فإن بياناتِ الموازنةِ تشيرُ أيضا إلى تحدياتٍ متوقعةٍ على المستوى المحلي لهذا العام، حيث يُقَدِّرُ مشروعُ قانونِ الموازنةِ العامةِ حجمَ إصداراتِ السندات والأذونات الحكومية بحوالي 4,3 مليار دينار، مقابل تسديدِ حوالي 3.6 مليار دينار من السنداتِ القائمة. وهذا يعني أن الحكومةَ ستستمرُّ في مزاحمةِ القطاعِ الخاص على التسهيلاتِ الإئتمانية، ولكن بوتيرةٍ أعلى من السابق، مما قد يدفعُ بأسعارِ الفائدة، المرتفعةِ الآن، نحو المزيدِ من الارتفاع، إلى جانبِ الحدِّ من قدرةِ القطاعِ الخاص على تنفيذِ ما يخطط له من مشاريعَ في مختلفِ القطاعات، مما سيؤثرُ على مسيرةِ النموِّ الإقتصادي.
ومن المثيرِ للاستغراب حقا هذا الشَّرَهَ الحكوميَّ نحوَ الإقتراض، الداخلي والخارجي، في وقتٍ تقفُ فيه المؤسساتُ الحكوميةُ عاجزةً عن استغلالِ ما تم استلامُه من المنحةِ الخليجية. حيث تشيرُ أكثرُ التقديراتِ تفاؤلا بأن ما تم صرفُه من المنحةِ الخليجيةِ والتي بلغت 3,75 مليار دولار، تم استلامُها وإيداعُها لدى البنك المركزي، لم يتجاوز 400 مليون دولار، أي حوالي 10,0% فقط لا غير! ويأتي هذا على الرغمِ من ملحقِ الموازنة الذي أقرَّهُ مجلسُكُم الكريم في العام الماضي، وتضمَّنَ مناقلاتٍ بين بعض الوزاراتِ للتسريعِ في تنفيذِ بعضِ المشاريع، وخاصةً تعبيدَ الطرق، والتغلبَ على عقدةِ عدمِ القدرةِ على تنفيذِ المشاريعِ الحيويةِ في قطاعاتِ الطاقةِ وغيرها. بل والأغربُ من ذلك أن وزيرَ الماليةِ قد دعا مجلسَكُم الكريم، من خلالِ خطابِ الموازنة، إلى الإسراعِ في إقرارِ مشروعِ القانونِ لضمانِ سرعةِ وكفاءةِ تنفيذِ البرامجِ والمشاريعِ الرأسمالية وخاصةً تلك التي ستُـنفَّـذُ من خلالِ المنحةِ الخليجية، حتى أنه قد خُيِّلَ للبعض بأن هذا المجلسَ هو سببُ بطءِ و تواضعِ كفاءةِ تنفيذِ هذه المشاريع!
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
وفي الوقت الذي تواجه فيه شريحةٌ واسعةٌ من شبابِ وشابات الوطنِ من وطأةِ البطالةِ وغائلة الفقر، فإن سوقَ العملِ يعاني من انفلاتٍ واضح، حيث باتت العديد من المهنِ غير المنظمةِ تحت سيطرةِ العمالةِ العربيةِ وغير العربية، ولا يستطيعُ أحدٌ أن ينكر ذلك، لأننا نلاحظُ ذلك ونلمسُه بأم أعيننا أينما ذهبنا وحيثُما توجهنا من الشمالِ إلى الجنوبِ ومن الشرقِ إلى الغرب.
وبعد أن كانت هذه العمالةُ تتركزُ قي مراكزِ المدنِ الكبرى فقد توسعتْ رقعةُ انتشارِها لتشملَ القرى والأريافَ والبوادي! ومقابلَ ذلك فإن كلَّ ما تفعلُه وزارةُ العملِ لا يتعدى دعاياتٍ صوريةٍ يكاد يُخيَّلُ لمن يصدقُّها أن البطالةَ أصبحت جزءا من الماضي، وأن جميعَ الأردنيين قد نالوا نصيبَهُم من الوظائف؛ نقول ذلك ونحن ندركُ أن بياناتِ دائرةِ الإحصاءاتِ الأخيرة قد أشارت إلى تراجعِ معدلاتِ البطالة لتقف عند 11,0% مقارنة مع ما نسبته 12,5% في العام الماضي. ولكن لا مناصَ لنا هنا من الإشارة، ربما للمرةِ الثانية، من أن وزيرَ العملِ نفسُه قد شكَّكَ في دقةِ هذه البيانات وقدَّرها في وقتٍ سابقٍ بما يزيد عن 25,0%، ومما يدعمُ تشكيكَ الوزيرِ أن هذه البيانات تأتي في الوقت الذي لم يحقق فيه معدلُ النموِّ الإقتصادي، خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2013، أي تغيرٍ عن مستواه المسجل خلال نفس الفترة من العام الذي سبقه، حيث بلغ 2,8%، وفي الوقت الذي تسربَ مئاتُ الآلاف من اللاجئين السوريين إلى سوق العمل، وحتى لو تركنا تشكيكَ وزيرِ العملِ جانبا وقَبِلنا بهذه البيانات، فإنها تبقى عاليةً جدا وتؤكدُ تواضعَ قدرةِ السوقِ على استيعاب الأردنيين الداخلين إلى سوق العمل.
ويحق لنا أن نتساءلَ هنا عن مصيرِ الاستراتيجيةِ الوطنيةِ للتشغيل؛ فما الذي تم تنفيذهُ من محاور هذه الاستراتيجية؟ وما الذي تحقق من أهدافها؟ وإلى متى سيبقى الأردنيون أسرى لنجاحاتٍ هوليودية لا يشعرون بها على أرض الواقع؟
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
أما واقع الفقر في الأردن فلم يعد يتسنى لنا رصده من خلال البيانات الرسمية، لأن آخر البيانات المتاحة تعود إلى عام 2010، حيث كانت نسبةُ الفقر عندها حوالي 14,0%! ولا نعرفُ من واقعِ الأرقام ما هي التطورات التي حدثت في هذا المجال خلال السنوات الأربعة السابقة! ولكن المتابعَ لتبعاتِ الأزمة السورية على مستويات أسعارِ الخدمات والسلع، وما نجم عن الإجراءاتِ المالية من زيادة العبء على المواطنين، وما نجم عن ارتفاع أسعارِ السلع المستوردة، يحق له أن يزعم بأن جيوبَ الفقرِ قد تمددت، عددا ومساحة، وبأن نسبتَها قد ارتفعت بشكل كبير جدا! ولا شك أن ما نراه في مدننا، وما نلمسه عند زيارة القرى والأرياف والمخيمات تدعم ما نقول، وإذا كان لدى الحكومةِ وجهةُ نظرٍ أخرى فلتتفضل مشكورةً بإطلاعِنا على آخر ما يتوافر لديها من بيانات، ولا تبقينا رهائن لبيانات أكل عليها الدهر وشرب!
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
ومن الإختلالات الأخرى التي لا بد من الإشارة إليها هنا هو العجزُ الكبير الذي بات يعانيه الميزان التجاري، حيث وصل هذا العجز خلال الشهورِ العشرةِ الأولى من عام 2013 حوالي 8,4 مليار دينار، والمقلقُ في هذا الإطارِ ليس مجردَ هذا الرقم الكبير، ولكن سببُهُ المتمثلُ بتراجعِ الصادرات بنسبة 0.5% مقابل نمو المستوردات بنسبة كبيرة بلغت 7,4%. وإزاءَ هذه التطورات فإن الحكومةَ مطالبةٌ بدراسةِ الأسبابِ التي تقفُ وراء ذلك، خصوصا وأن توسُّعَ هذا العجزِ سيتركُ انعكاساتٍ ملموسةً على احتياطيات المملكة من العملاتِ الأجنبية، سواء تلك التي يحتفظ بها البنك المركزي بشكل خاص، أو تلك التي لدى الجهاز المصرفي بشكل عام.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين كما قلت في مطلع هذه الكلمة، فقد أتى غولُ الأسعارِ على الأخضرِ واليابس، ولم يتركْ سلعةً أو خدمةً أساسيةً إلا ونال منها، باستثناءِ الخبزِ الذي أصبح مادةَ الإفطارِ والغَداءِ والعشاءِ الرئيسية، وربما الوحيدة، للكثير من العائلات الفقيرة، ونحشى أن هذه المادةَ ستنال ما ناله غيرها من ارتفاعٍ فاحشٍ في الأسعار! أما إيجاراتُ المساكن فقد ارتفعت هي الأخرى بصورةٍ جنونية نتيجةَ تدفقِ اللاجئين السوريين وزيادةِ الطلبِ بصورة لم يواجِهها ارتفاعٌ موازٍ في عدد الشقق والوحدات السكنية. والغريبُ أن الحكومةَ لا تُبرِزُ سوى بعض الآثارِ المباشرة لقراراتها وإجراءاتها على معدلِ التضخم، وتنكرُ أن لأيِّ قرارٍ سعري آثارٌ مباشرةٌ ما يلبث أن يتبعها موجاتٌ أخرى غير مباشرة من ارتفاع الأسعار. وفي هذا المجال تشير البيانات إلى أن معدلَ التضخمِ قد ارتفع بحوالي نقطةٍ مئوية في عام 2013 عن مستواه في العام السابق، ليبلغ 5,6%. ولسنا هنا في واردِ مناقشةِ هذا الرقم الذي يبقى مرتفعا وفق المعايير العالمية، ولكننا نستغربُ استكبارَ الحكومةِ عندما تدَّعي بأن سياستها في تسعير بعض المنتجات الزراعية قد نجحت، رغم أن زيارةً واحدةً لأي بقالة كانت كفيلة بدحض هذا الإدعاء.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب المحترمين
أخشى ما نخشاه أننا قد دخلنا نفقا اقتصاديا مظلما وطويلا، وأن رؤيةَ النورِ في نهاية هذا النفق قد تحتاجُ إلى فترةٍ طويلة في ظل إدارة حكومية غير جادة، أو عاجزةٍ عن إحداثِ التغيير. ولا شك أن الحل يكمنُ في بناء قدرات مؤسسية كفؤةٍ ووجودِ استراتيجيةٍ اقتصاديةٍ واضحةِ المعالم تقوم على رؤية موضوعية يشارك في إعدادها القطاعان العام والخاص، حتى يتحملَ الطرفان مسؤولياتهما، بدلا من أسلوبِ الفزعةِ القائمِ حاليا. وعندما نتحدث عن استراتيجيةٍ اقتصادية، فاننا نعني بذلك سياساتٍ وتشريعاتٍ وإجراءات متكاملةٍ وشاملة تتضمنُ السياساتِ الماليةِ والنقديةِ والتجارية والشراكة بين القطاعين العام والخاص التي سمعنا عنها منذ زمن طويل ولكننا لم نرَ منها شيئا على أرض الواقع! والأهم من ذلك كله ترسيخُ مبادئِ المؤسسيةِ بحيث تكون السياساتُ الاقتصادية سياساتٍ حكوميةٍ بغضِّ النظرِ عن الأشخاص، حتى نصلَ إلى مرحلةٍ تتداولُ فيها الأحزابُ السلطةَ التنفيذية وتُنَفِّذُ سياساتِها وبرامجَها التي انتخبت على أساسها، والتي ستُحاسَبُ على نتائجِها.
سعادة الرئيس الأخوات والإخوة النواب أما موقفُنا من مشروع قانون الموازنة، للحكومة المركزية والوحدات الحكومية المستقلة، فسيتحددُ في ضوءِ ردِّ الحكومةِ على ما طرحناه، وما طرحَهُ وسيطرحُه الأخوةُ النوابُ الآخرون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.