أرجوكم.. ليس عبدالله النسور

بقلم: لقمان اسكندر

في الأردن شخصيات تتضمن سيرتها الذاتية ما لا يكاد يحصى من المناصب السياسية، لكن لسبب ما ليسوا سياسيين.

هم أفراد قادتهم الميزات العشائرية والمناطقية الى تقلّد مناصب كبار موظفي الدولة ومنفذين مطواعين للأوامر، بينما المسمى الوظيفي "سياسي".

رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور ليس واحدا من هؤلاء.

على العموم، معظم رجال الدولة في المملكة، هم مجرد كبار موظفي القطاع العام من ذوي احتياجات الدولة الخاصة في مرحلة ما.

كل ما فعلوه أنهم كانوا في المكان والزمان المناسب لصانع القرار السياسي، متوافرين وحاضرين ويأملون بان يتم الانتباه اليهم، وتحديدا من بوابة خلفياتهم العشائرية او العائلية.

أما رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، فليس واحدا من هؤلاء. ليس صعبا اكتشاف هذا فيه. شخص تحضره كل صفات السياسي بذكائه ومراوغته وبرغماتيته السياسية. لكن هذا شيء، وان يعاد ليوضع مجددا في واجهة الاحداث لمرحلة ما بعد الانتخابات شيء آخر.

كيف يمكن فهم وضع دوائر صنع القرار السياسي لكل البراهين والحجج والمعطيات الممكن تجميعها على طاولة الناس، ليستنتجوا بأن الإصلاحيين كانوا على حق في شأن مراوغة السلطة وعدم جديتها في تحقيق الإصلاح، بل والحد الأدنى منه.

ليس سرا أن هذا ما تريده المعارضة بكافة أطيافها، لكنه توجه سيدفع البلاد الى المجهول، الذي لا تريده بالتأكيد سواء تيار الموالاة أو المعارضة.

من الواضح أن دوائر القرار تشعر بالاسترخاء بعد نجاحها المؤقت في معالجة حراك الشارع. ومن الواضح أن دوائر صنع القرار تشعر أيضا بالاسترخاء في الشق الدولي، نظرا لما تلعبه اليوم من أدوار سياسية مهمة في المنطقة، وخاصة على الصعيد السوري، لكن من قال ان هذا سيكفيها مؤنة الاستجابة للحدود الدنيا لمطالب الناس.

ربما يجري اليوم إشغال الناس باسم النسور كرئيس وزراء، بينما جرى إعلام شخص آخر بالفعل بانه الرئيس المقبل. هذا ليس مستبعدا، وفق سيرة اختيار رؤساء الوزراء في العهد الجديد، لكن ما يجب أن يكون مستبعدا هو اختيارات "الفوضى" بأن يظهر رئيس وزراء يخرج من رحم الاسترخاء الرسمي ويعتبر الشارع اختياره إهانة له.

ما يدعو إلى القلق أن الرسميين أصحاب سوابق في هذا الشأن، والنموذج الاكثر وضوحا هو كيف جرى اغتيال مخرجات لجنة الحوار الوطني سابقا ليعاد مجددا صياغة ذات قانون الانتخاب الماضي، لكن مع إضافة نكهات عليه تخفي طعم خلطته الأساسية.

الفرق الجوهري فيما كان سابقا واليوم أن تفاصيل العملية السياسية في السابق كانت نخبوية، فلم يكترث أحد - وربما لم يسمع الكثير من المواطنين - أن حوارا وطنيا بتكليف رسمي جرى تحت مسمى لجنة الحوار، وأفضى إلى توصيات - أُخذ العلم بها ولم تنفذ -.

أما اليوم، فإن ما فعلته الحكومات بالناس وخاصة الحكومة الحالية هو جعل مسألة اختيار رئيس وزراء شأنا كثير الخصوصية لمعظم أفراد المجتمع. بل إن ربة البيت باتت ترى أن اختيار رئيس الوزراء شأن يتعلق بمطبخها.. من هنا يجب ان يشعر صانع القرار بالقلق.

المناخ المعارض لم يعد شأنا سياسيا، تتعاطاه النخبة، وطقوس تقليد الربيع العربي- رسميا وشعبيا – تتدحرج حاليا نحو شرائح جديدة هي التي ستشكل مبادرتها، ولن تجدي حينها سياسة إطفاء الحرائق.

المطلوب فقط ألا تحشر القطة في ركن من دون منافذ، واتركوا لها منفذا للهرب من ورطتها التي صنعتموها بأيديكم.

وفي الحد الأدنى، إن اختيار شخصية سبق وجُربت لرئاسة الوزراء يعني وضع القطة في زاوية من دون مهارب، لكن ما يعنيه اختيار عبدالله النسور هو محاولة العبث مع القطة وهي محشورة في الزاوية.. هذا ليس خيارا ذكيا أبدا!.