البداوي يكتب: الحِكمة في إدارة اللحظة

خالد مفلح البداوي

في لحظات التحوّل، لا تُقاس قوة الدول بسرعة الحركة، بل بدقّة الاختيار. فإدارة اللحظة ليست سباقاً مع الزمن، بل امتحان للعقل والاتزان، حيث تُفرَز القرارات التي تبني عن تلك التي تستهلك المستقبل. هنا، تكون الحكمة فعلاً سياسياً بامتياز، لا شعاراً للاستهلاك.

الحِكمة في إدارة اللحظة تعني قراءة المشهد كاملاً لا جزئه، وسماع كل الأصوات دون الارتهان للضجيج. تعني أن تُدار الدولة بعقلٍ يعرف متى يقدِم، ومتى يُمسك زمام التدرّج، دون أن يفقد ثقة الشارع أو يفرّط بثوابته.

الاندفاع قد يمنح وهماً بالإنجاز، لكنه غالباً ما يخلّف كلفة باهظة. أما التدرّج المدروس، فهو الطريق الأصعب، لكنه الأكثر أماناً. فالإصلاح الحقيقي لا يولد من قرارات انفعالية، بل من سياسات صلبة تحسب الأثر قبل الإعلان.

نحن أمام لحظة لا تحتمل التجارب ولا المجاملات. لحظة تتطلب شجاعة هادئة، وإدارة واعية، تُقدّم مصلحة الوطن على الحسابات الضيقة، وتضع الاستقرار في كفّة، والإصلاح المستدام في الكفّة الأخرى.

الحِكمة في إدارة اللحظة ليست خياراً ثانوياً ولا مساحة للمجاملة، بل خط الدفاع الأخير عن الدولة. فالتاريخ لا يذكر من ساير الضجيج، ولا يرحم من خضع للارتجال، بل يُسجّل فقط أسماء من امتلكوا شجاعة القرار الهادئ في زمن الصراخ. هنا تُقاس المسؤولية، وهنا يُختبر صدق الانتماء، وهنا فقط تُدار اللحظات التي تصنع أو تُهدر مستقبل الأوطان