البداوي يكتب: الأحزاب السياسية في ميزان الواقع
بقلم خالد مفلح البداوي
حين نضع الأحزاب السياسية في ميزان الواقع، نجد أن التحدي لا يكمن في وجودها بقدر ما يكمن في فاعليتها وتأثيرها. فالحياة الحزبية، بوصفها أحد مسارات العمل العام، يفترض أن تعبّر عن تطلعات المجتمع، وتُسهم في تنظيم الاختلاف ضمن إطار وطني ودستوري جامع.
في التجربة الأردنية، ما زالت الأحزاب تواجه فجوة ثقة مع الشارع، حيث ينظر إليها كثير من المواطنين باعتبارها بعيدة عن همومهم اليومية، أو محدودة الحضور في القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام. هذه الفجوة لا يمكن تجاوزها بالشعارات، بل تتطلب مراجعة جادة للأدوات والبرامج وآليات التواصل مع الناس.
ولا يمكن في المقابل إغفال أثر البيئة العامة على تطور العمل الحزبي؛ فالممارسة السياسية تحتاج إلى تراكم، وثقافة مشاركة، ومساحة تتيح الحوار المسؤول وتقبّل التعدد. فالحزب لا ينمو في العزلة، ولا يترسخ دون تفاعل حقيقي مع المجتمع ومؤسساته.
كما أن وضوح الهوية والبرنامج يبقى عنصرًا حاسمًا في أي تجربة حزبية ناجحة. فالأحزاب مطالبة بتقديم رؤى عملية قابلة للتطبيق، تنطلق من الواقع وتتعامل مع التحديات بروح الشراكة، بعيدًا عن الخطاب العام أو الطروحات غير المحددة.
في ميزان الواقع، تبقى الأحزاب السياسية أمام مسؤولية وطنية تتطلب الانتقال من مرحلة التعريف إلى مرحلة التأثير، ومن الحضور الشكلي إلى الفعل المنظم. فبناء الثقة مع الشارع عملية تراكمية، أساسها الالتزام، والوضوح، والعمل ضمن إطار القانون والدستور.
وفي المحصلة، فإن نضوج العمل الحزبي لا يُقاس بعدد الأحزاب ولا بكثافة الخطاب، بل بقدرتها على الإسهام الإيجابي في الاستقرار السياسي، وتعزيز المشاركة الواعية، وخدمة المصلحة العامة. وهو مسار يخدم الدولة والمجتمع معًا، ويمنح الحياة السياسية توازنها الطبيعي الذي ينسجم مع خصوصية الأردن وتجربته.