لماذا يكرهوننا ؟

عبدالهادي راجي المجالي

.... ذاك السؤال يقض مضاجع البعض ، لماذا يكرهوننا ..وأنا هنا لا أعمم ولكن ظهرت بعض

 الأصوات ، تعيب علينا أن نكون في الصدارة ، وظهرت بعض الشماتة ...وظهر بعض الإنتقاص ، بعد مباراتنا مع المغرب الشقيق ..ودعوني :
لاشك أن علاقتنا العربية ليست بأفضل حال ، من يقول أن علاقاتنا مع المحيط جيدة هو واهم ، وأنا هنا لا أريد أن أبحث في الأسباب ...أو أحمل الأمر أكثر من طاقته ، أما الجانب الاخر الذي أود فرده على مساحة هذا الأثير هو : يكفينا تغني بالأخوة وعلاقات الود ، يكفينا اعتذارات ، يكفي أن نقابل الإساءات بالصمت ..تحت إطار أن فلان لايمثل إلا نفسه ، أوأن فلان أطلق رأيه من تلقاء نفسه ...يكفي هذا الإنبطاح الإعلامي الرسمي الذي صار يخشى من بث خبر عن (صوبة غاز) ويخشى من اتهام شركة ، أو الحديث عن تقاعس رسمي هنا أو هناك ..
حسنا يكرهوننا ، لأن عمان هي العاصمة التي لم تطلق فيها طلقة ، منذ أكثر من (50) عاما ، وظل السلم الأهلي سيدها ، وظل الأمن عنوانها ..في حين أن عواصم دمرت ، وشطبت دول ، وخيرات سرقت ..وسيادة استبيحت ، هل سيرضون عنا يا ترى لو سالت الدم على أرضنا  - لاقدر الله - ؟
يكرهوننا لأن إيران لم تستطع أن تجد موطأ قدم هنا ، قطعت الأصابع والأقدام التي حاولت التسلل ...وسحقنا كل المليشيات التي لوحت بسلاحها ، وسحقنا على الدعوات المشبوهة ، لم نتورط بالحرب في سوريا ..لم نتورط بالدخول في معمعة كانت صنابير الدم فيها مفتوحة ، كانوا يريدوننا ساحة يطلون عبرها من فوق الركام ..ويقولون للمرشد أن عاصمة عربية خامسة أو سادسة سقطت في أيدينا ...لكننا كنا النار التي حرقت أحلامهم .
يكرهوننا ...لأننا بدون نفط وبدون ماء ، بدون موارد ..لكننا حافظنا على أهم نظام تعليمي في العالم العربي ، تركوا جامعاتهم التي أسست منذ (100) عام ..وأرسلوا أولادهم لجامعاتنا ، بحثا عن العلم والأمان ..يكرهوننا لأن كل أموالهم لم تستطع أن تنتج نظاما صحيا سليما ، فجاءوا إلينا كي يتعالجوا ويحصلوا على الأمل ..تركوا فرنسا وأمريكا وبريطانيا ، حين أدركوا أن مركز الحسين للسرطان ، هو مجرد صورة متقدمة ومتفوقة عن مستشفيات الغرب ، نعم الشقاء والفقر وقلة الموارد أنتجت إبداعا ، في حين أن المال والدولار والشركات ..أنتجت أكبر فسادر في العالم .
يكرهوننا ..لأننا لم نحكم من جلاد ولا مستبد ، لأننا لانملك أجهزة أمنية تمارس السحل والقتل والإختطاف ، لأن نظامنا السياسي لم يختطف  ولم يقتل على الهوية ، لأن جيشنا لا يتدخل في الحياة المدنية ، ولا ينكسر ولم يقم بتوجيه السلاح لشعبه ، يكرهوننا لأننا لم نسمح للتراب الأردني بأن يستباح ، ولم نسمح للهوية أن تصبح غريبة ..ولم نقم يوما برفع راية غير رايتنا الوطنية ، ولم نلتق أوامر من سفارات هنا أو هناك .
نعم يكرهوننا لأننا الشعب الوحيد الذي لم يحكم إلا من ملوك : المملكة المؤابية ، مملكة الأنباط ، العمونيون ، ..,حتى الهاشميين ، نحن الشعب الذي لم يقبل بحكم البنادق بل قبل بحكم الأخلاق والعدل ...لهذا تمثلنا أخلاق الملوك ، في حين أن البعض تمثل أخلاق الثورات التي تأكل أولادها ..وأخلاق المليشيات ، وأخلاق داحس والغبراء ...
يكرهوننا ..لأننا من لاشيء أنتجنا مقاتلا في الرياضة ، وأنتجنا مقاتلا في الهندسة ، وأنتجنا مقاتلا في الأدب .. لأن الأردني حين يطرق بابا من أبواب الإبداع ، يتصدر فيه و فقره  يكون هو الباعث والمحرك ،  وروحه  دوما متقدة متحدية ، الأردني هو الذي قرأ ( أبو ذر الغفاري) جيدا ..هو الذي احتضن جسد جعفر بن أبي طالب ، وجسد زيد ابن حارثة وجسد عبدالله بن رواحه ، من على أرضه بدأت بذور الدولة الإسلامية الأولى ..من على أرضه بدأ الفداء الهاشمي ، وأرضه هي من حملت أطهر وأعز جسد ...جسد جعفر الطيار ، والذي صعد شهيدا مطهرا ، وهل يوجد كرامة في الأرض أكبر من كرامة حمل التراب الأردني لجسد جعفر ورفاقه ، ولجسد أبي عبيدة عامر ابن الجراح ، وعشرات من صحابة رسول الله ..هل يوجد شرف لهذه لأرض أكبر من شرف احتضانها لمعركة اليرموك ، وللفتح الإسلامي العظيم .
أن أقذر الأنفس هي تلك الأنفس التي تعيب عليك فقرك ، نعم نحن فقراء ..لكننا ورثة السيف والمعركة ، نحن العشيرة التي لم تنكسر في تاريخها ، نحن رم والبتراء ..نحن الذين ما خذلنا عربيا ضاقت به دياره ، نحن الذي تقاسمنا الخبز على عوزنا مع الأشقاء ، حين انقلبت عليهم عواصمهم ..نحن الذين أرسلنا جيشنا لكل زاوية ومدينة في أرض العرب اكتوت بالنار ، أو حاول البعض حرقها ...نحن الذين فتحنا كلياتنا العسكرية والشرطية لكل العرب ، كي يعيدوا بناء جيوشهم ويعيدوا تأسيس قواتهم ...
يكرهوننا ، وستبقى بعض الأنفس المريضة غارقة في داء الكره ...لأن عمان تشكل لهم حسرة ، عمان الحانية الجميلة الصامدة ، عمان التي لايظلم فيها شقيق أو مقيم ..عمان التي تمشي فيها النساء دون خوف ، عمان التي بنيت بيوتها على النخوة وليس على قواعد من الأسمنت ...عمان التي تعانق فيها الكنيسة المسجد ، عمان التي أعطت للوئام معنى وللسلام قيمة .
يكرهوننا نعم ...لكن السؤال الذي أود توجيهه إليهم هو : هل يستطيعوا أن يبنوا على الأقل ولو مركزا مثل مركز الحسين للسرطان كي يعالجوا مرضاهم، هل يستطيعوا أن يكونوا مثلنا ؟ ...لا أظن ذلك أبدا .
نهاية المقال كلمة واحدة أضعها في أذن الكابتن سامي الجابر ..السعودي والعربي والرجل الحر ، الذي قال فينا كلاما أشهى من العسل ..سامي الجابر لم يقدم أسباب صدارتنا في الرياضة ، بل عرف معنى الهوية الأردنية ..شكرا كابتن سامي الجابر.. فقط تعلموا الحب والحق من سامي الجابر . .