رؤساء الحكومات… قراءة عادلة في دفتر المسؤولية
محمد علي الزعبي
ليس من الإنصاف، ولا من الحكمة الوطنية، أن يُختزل تاريخ الحكومات ورؤساء الوزارات في لحظات غضب أو أحكام آنية تُطلق خارج سياقها، فلكل حكومة ظروفها السياسية والاقتصادية، ولكل رئيس وزراء بيئته الإقليمية والدولية، وميزان القوى الذي تحرك ضمنه، وأدوات العمل التي كانت متاحة له في لحظة تاريخية محددة.
رؤساء الوزارات الذين تعاقبوا على إدارة الدولة لم يكونوا في موقع ترف القرار، بل في قلب مسؤولية ثقيلة، تُدار تحت سقف التحديات لا تحت مظلة الأمنيات، بعضهم واجه أزمات اقتصادية خانقة، وبعضهم حمل عبء التحولات السياسية، وآخرون اصطدموا بمتغيرات إقليمية عاصفة فرضت أولويات قسرية على القرار الوطني، ومن هنا، فإن محاكمة أي حكومة خارج زمنها وسياقها تُعد قفزًا على حقائق الدولة وطبيعة الحكم.
في التجربة السياسية، لا توجد قرارات مثالية مطلقة، هناك قرارات تُصيب، وأخرى تُخطئ، لكن القاسم المشترك بين جميع رؤساء الحكومات هو أنهم حملوا أمانة المسؤولية، وحاول كل منهم وفق اجتهاده ورؤيته، أن يترك بصمة له في زوايا الوطن، سواء في الاقتصاد أو الإدارة أو التشريع أو إدارة الأزمات، والاختلاف حول الأداء لا يبرر الطعن في النوايا، ولا يسمح بالإساءة إلى من تصدى للمهمة في لحظة كانت فيها كلفة القرار أعلى من مكاسبه.
إن الدولة تُبنى بتراكم التجارب لا بهدمها، وبالنقد الرشيد لا بالتشويه، فالحكومات تتغير، لكن هيبة الموقع واحترام رمزية المسؤولية يجب أن يبقيا ثابتين، لأنهما جزء أصيل من احترام الدولة ذاتها، والتاريخ وحده كفيل بفرز الإنجازات من الإخفاقات، بعيدًا عن الانفعال أو الحسابات الضيقة.
اليوم، ونحن نقرأ المشهد السياسي بعين أكثر هدوءاً، فإن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن كل رئيس وزراء كان ابن مرحلته، تصرف ضمن معطياتها، واجتهد بما امتلك من أدوات، فأصاب حينًا وأخطأ حينًا آخر، وهذا هو منطق العمل العام؛ لا قداسة فيه للأشخاص، ولا شيطنة فيه للتجارب.
ختامًا، فإن احترام رؤساء الحكومات السابقين لا يعني تعطيل النقد، بل الارتقاء به إلى مستوى الدولة، نقدٌ يُحاسب الأداء، ويصون الكرامة، ويُبقي البوصلة متجهة نحو الهدف الأسمى، دولة قوية، متماسكة، تتعلم من ماضيها، وتبني حاضرها، وتثق بأن من حمل المسؤولية بصدق، يستحق التقدير حتى في لحظات الاختلاف.