المنتخب الوطني والحكومات
بقلم: ايسر النمر
حين نريد أن نفهم معنى الادارة الحقيقية، لا نحتاج إلى كتب الحوكمة ولا إلى الخطب الرسمية؛ يكفي أن ننظر إلى منتخبنا الوطني. فالمنتخب تدار أموره بقاعدة بسيطة وواضحة: اما ان تُنجز … او تخرج. قاعدة بسيطه يفهمها لاعب شاب في العشرينيات من عمره منذ اول مباراة له.
في المنتخب الوطني، لا احد يصل إلى القيادة بالصدفة او المجاملة. القائد (المدرب) لم يُفصل له المنصب بل وصل اليه بعد سنوات من التعب والتدرج والخبرة، وبعد ان ذاق طعم الخسارة قبل الفوز. وهو يعرف أن بقاءه مرهون بنتائج عمله، لا باسمه، ولا باسم عائلته، ولا تملقه ، ولا حسن الإلقاء أمام الكاميرات، او تصفيق مرتزقة تُرمى عليهم العطايا.
في المنتخب، لا يتم اختيار اللاعبون لأن أسماءهم معروفة، بل لأنهم قادرون على العطاء. كل لاعب في المكان الذي يستحقه، ومن لا يؤدي يُستبدل فوراً ، وقد لا يعود ابداً. لا حصانة، لا اعادة تدوير، ولا فرص بلا نهاية. الكراسي ليست محجوزة لاحد.
في المنتخب، لا احد يتباهى بإرث والده، ولا بتاريخ عائلته، ولا بثقل اسمه. الموقع لا يعترف إلا بالعطاء. اللاعبون يعرفون أن لهم عمراً محدوداً، وأن جيلاً جديداً يستعد ليحل مكانهم.
وفي المنتخب، يعرف القائد (المدرب) واللاعبين أن الجماهير ستحاسبهم. وهي لا تجامل، ولا تقبل التبرير، ولا تمنح الفرص تلو الفرص. تهتف عند الإنجاز، وتُدين عند الفشل. لا يهمها اسم اللاعب، ولا عائلته، ولا منطقته؛ كل ما يهمها العطاء والإنجاز.
في المنتخب، لا يتم تبديل الكراسي عند الفشل؛ لا ينتقل حارس المرمى ليصبح مهاجماً ، ولا المدافع ليصبح رأس حربة.
أما في الحكومات، فيصل البعض بلا مسار واضح، ويبقى بلا إنجاز، ويغادر بلا محاسبة، ثم يعود من نافذة أخرى وبموقع مختلف. الفشل لا يُقصي، بل يُعاد تدويره. التقصير لا يُحاسب، بل يُغلف بمصطلحات ناعمة: التحديات، الظروف الإقليمية، المحيط الملتهب، او مقارنات مع دول فاشله.
في الحكومات، الاسم أهم من الأداء، والعلاقات أقوى من الكفاءة، والكرسي يتحول من تكليف إلى تشريف. المسؤول الفاشل لا يُسأل: لماذا أخفقت؟ بل يُحمى بسؤال آخر: من سيغضب إن حاسبناه؟
في الملعب، الصافرة تُطلق لمعرفة النتيجة، ثم تبدأ المحاسبة.
في الوطن، الصافرة تُكسر قبل أن تطلق، لا أحد يريد معرفة النتيجة، ولا مكان للمحاسبة.
إذا كان الفشل في مباراة يُقصي مدرباً أو لاعباً بلا نقاش، فكيف يصبح الفشل في إدارة وطن أمراً قابلاً للتبرير؟
المنتخب الوطني يعلمنا درساً قاسياً وبسيطاً:
النتائج هي المقياس الوحيد … ولا شيء غيرها.
لسنا بحاجة إلى حكومات تجيد الكلام،
بل إلى حكومات تحترم صافرة النهاية
وتخاف من المحاسبة