المجالي يكتب : الكويت وشعبها

عبد الهادي راجي المجالي 

من أجمل الأوطان التي زرتها في حياتي الكويت ...
مثلما بنوا مصانع للكيماويات ، ولتكرير النفط ، ولاستخراجه ..بنت الكويت بمحاذاة تلك المصانع ، ماكنات عملاقة لإنتاج الحب ....تستطيع القول  أن إنتاج الكويت من النفط يوميا مثلا (2,2) مليون برميل ..بالمقابل مصانع الحب تنتج كل يوم مليار ابتسامة ومليار قبلة ...ومليار عناق عربي دافيء .

يمنحك صندوق التنمية الكويتية المال ، لكنه لايمن عليك بشيء ، ويعتبر الأمر واجبا عروبيا وقوميا ، نحرت أحلامهم أيام الغزو ، لكنهم أعادوا بناء الوطن والحلم ..ارتضوا أن يكون النزف لهم ، وتركوا لنا بعض العتب الحميم على شرفات الصحراء ، عتبا عابرا تمحوه الريح ...بنوا شخصيتهم المستقلة عن الكل ، أخذوا من رمل الصحراء التاريخ ومزجوه بماء البحر ...وأطلقوا العنان لنخلهم كي يصعد في المدى ، قلت بنوا شخصيتهم المستقله بمعزل عن الجرح ..بمعزل عن المؤثرات ، ورفعوا علم (ف ل س طين) في ساحاتهم ..وأنتجوا قانونا يجرم كل من يتعامل مع ( إس رائ يل) ...هم لم يقوموا ببناء الشخصية الكويتية المتفردة والمستقلة فقط بل حصنوها ..كي تبقى عربية اللسان والفؤاد والمصير والمعتقد والنهج .

يبكي منصور العجمي حين يودعني على باب مطارهم ، ويقول لي بلهجته البدوية التي يثقب صداها جدار القلب : (سامحني من القصور ابو زود) ...عن أي قصور يتحدث الرجل ؟ لقد شعرت بعيونهم تلمني من حطامي ، وتعيدني مثل جدار عصي على الريح ..وشعرت بنبض القلب الكويتي ، هؤلاء قد تذوب العروبة في الدنيا لكنها لن تختفي من الدم الكويتي ومن كحل عيون النساء هناك ومن نخلهم ..ومن نظرات عيون رجالهم .

أول أمس تابعتهم على (السوشيال ميديا ) ، كأن علي علوان ولد في (حولي) ...وكأن كف يزن النعيمات ، أناخت الإبل في صحرائهم ...أحبونا بكل ما في القلب من صدق .

خذني للشواطيء هناك ، وسيتهافت عليك الكل ، ويسألك عن عمان والكرك ..تماما مثل سؤال عرار : (يا أخت رم كيف حال رم وكيف حال بني عطيه ) ، وتظن قلوبهم غرست هنا والجسد في الكويت ، وتكتشف في لحظة من الحديث الدافيء أنهم درسوا هنا في جامعاتنا  ، جاءوا إلينا كي يتعلموا القانون والإقتصاد واللغة والعلوم والطب ...لكنهم في ذات الوقت علموا الكتاب والجامعة والمدن في أردننا كيف يكون الوفاء ، هم أول ينابيع الوفاء في أرض العرب .

أعطونا وما منوا ...وقفوا معنا من دون ثمن ، حملوا شعبنا المقيم هناك على أكفهم ...ما أعطيتهم قبلة إلا وقصفوك بألف قبلة وعناق، وإذا ابتسمت في وجوههم ..أعادوا لك البسمة دمعا في محاجر العيون ينطق شعرا وعشقا ...
قلت تابعت ردودهم ، تابعت تعليقاتهم ، تابعت كل ما خرج من أفواه شبابهم والصبايا هناك ...ووصلت لنتيجة مفادها ، أن بلادنا وإن تاهت بها الشواطيء وإن إبحرت والموج كان عاتيا ، تبقى الكويت هي الشراع والمرسى ..تبقى هي النجاة .

شكرا لعروبتكم ..شكرا لصبركم النبيل ، شكرا لكل عقال ولكل شماغ ..ولكل الوجوه السمر ، شكرا للمباديء التي حفرتموها في دستوركم وقيمكم وسلوككم ..شكرا للأيادي البيضاء التي امتدت في ساعات البلوى والتعب وضيق الحال للشقيق..شكرا لنخلكم وللصحراء ، شكرا لأميركم ...شكرا لتاريخكم العظيم ، شكرا لكل شاب دون على السوشيال ميديا كلاما أشهى من العسل بحق الأردن، ولكل قلب خفق مع وطننا ...شكرا للبيوت وللديوانيات ..وللمدى الكويتي الذي حين يمر فيه صدى اسم الأردن يحتضن الصدى ، شكرا لهوائكم الطهور ..ولشمسكم ، ولكل من قال بالعربية الفصحى - ورفع الصوت متحديا   كل ظالم وكل متجبر 

وكل معتد ـ ..أنا كويتي 
شكرا يا كويت .