شقره يكتب: الأردن والعملات الرقمية: من الريادة التقنية إلى السيادة النقدية
بقلم: الدكتور عصام أحمد شقره
دكتوراه في إدارة الأعمال – رجل أعمال ومستثمر أردني
في عالمٍ يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة، لم تعد التحولات الاقتصادية خيارًا مؤجلًا، بل أصبحت ضرورة سيادية تمسّ جوهر الاستقرار المالي، وقدرة الدول على حماية اقتصاداتها وتعزيز تنافسيتها في النظام العالمي الجديد. ومع تسارع التحول نحو الاقتصاد الرقمي، باتت العملات الرقمية اليوم في صلب هذا التحول، باعتبارها أداة مالية وتنموية وسيادية في آنٍ واحد.
لقد أثبت الأردن، رغم محدودية موارده، أنه دولة سبّاقة في فهم التكنولوجيا وتوظيفها بكفاءة، حيث نجح خلال السنوات الماضية في بناء منظومة رقمية متقدمة شملت الحكومة الإلكترونية، والخدمات المالية الرقمية، والمحافظ الإلكترونية، وأنظمة الدفع الحديثة، ما انعكس إيجابًا على سهولة التداول، وتنشيط الحركة الاقتصادية، وتعزيز الشمول المالي.
وشكّلت المحافظ الإلكترونية نموذجًا عمليًا ناجحًا أسهم في إدخال شرائح واسعة من المجتمع إلى النظام المالي الرسمي، ورفع كفاءة التعاملات المالية، وخفّض التكاليف التشغيلية، إلى جانب دعم جهود البنك المركزي الأردني في تنظيم السوق، وتعزيز الاستقرار النقدي، ومكافحة الاقتصاد غير المنظّم.
ورغم هذا التقدم اللافت، ما يزال الاقتصاد الأردني يعتمد بدرجة كبيرة على العملة الورقية، في وقتٍ تتجه فيه دول كبرى ومتوسطة، وبخطوات مدروسة، نحو إطلاق عملاتها الرقمية الوطنية (CBDC)، ليس بدافع التجربة التقنية، بل حمايةً لسيادتها النقدية وضمانًا لدورها في الاقتصاد الرقمي العالمي.
إن الاستمرار في الاعتماد الكامل على النقد الورقي، في ظل هذا التحول العالمي، يحمل مخاطر مستقبلية تتعلق بتباطؤ مواكبة الأسواق، وتراجع القدرة التنافسية، وتأخر الاستفادة من الفرص التي يتيحها الاقتصاد الرقمي، سواء على مستوى الاستثمار، أو التجارة، أو جذب رؤوس الأموال، أو ثقة الأجيال الجديدة بالمنظومة المالية الوطنية.
ومن هذا المنطلق، أرى – وبوضوح مهني واقتصادي – أن الوقت قد حان لانتقال الأردن من مرحلة استخدام الأدوات الرقمية إلى مرحلة السيادة النقدية الرقمية، وذلك من خلال اعتماد عملة رقمية أردنية رسمية، تصدر ضمن إطار سيادي ورقابي، وتخضع لإشراف البنك المركزي الأردني، وتُدمج بشكل قانوني وآمن ومدروس ضمن المنظومة المالية الوطنية.
إن إطلاق عملة رقمية أردنية لا يعني إلغاء العملة الورقية، بل إنشاء مسارٍ موازٍ ذكي يُعزّز كفاءة الاقتصاد، ويمنح الدولة أدوات متقدمة لإدارة السيولة، ومراقبة التدفقات المالية، وتطوير السياسة النقدية، وتحفيز الابتكار، وجذب الاستثمارات النوعية، لا سيما في قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech).
وتبرز هنا مسؤولية البنك المركزي الأردني بوصفه الجهة السيادية التنظيمية، في توجيه البنوك والمؤسسات المالية نحو الاستعداد الجاد لهذا التحول، سواء على مستوى البنية التحتية التقنية، أو التشريعات، أو أنظمة الحماية، أو تأهيل الكوادر البشرية.
كما أن اعتماد العملة الرقمية الوطنية يمنح المواطن الأردني فرصة المشاركة الفعلية في بناء هذه التجربة منذ بدايتها، ويعزز الثقة بالعملة الوطنية، ليس فقط كوسيلة تبادل، بل كرمز سيادي رقمي يعكس تطور الدولة، ووعي المجتمع، واستعداد الاقتصاد للمرحلة المقبلة.
وأكد الدكتور عصام شقره أن العملة الرقمية ليست عملة فيزيائية تُطبع أو تُتداول كالنقد الورقي، بل هي عملة رقمية متطورة تُصدر ضمن إطار سيادي ورقابي، وتخضع لإشراف البنك المركزي الأردني، بما يضمن الثقة، والأمان، وسلامة التداول. وأوضح أن اعتمادها يسهم في رفع كفاءة الاقتصاد، وتعزيز الشمول المالي، وتقليل التكاليف التشغيلية، مستندًا إلى النجاح الذي حققه الأردن في أنظمة الدفع والمحافظ الإلكترونية، ومؤكدًا أن العملة الرقمية الوطنية تمثل خطوة استراتيجية لترسيخ حضور الأردن في الاقتصاد الرقمي العالمي.
إن العالم اليوم لا ينتظر المترددين، والاقتصادات التي تؤخر قرارها تجد نفسها لاحقًا في موقع التبعية لا الريادة. والأردن، بتاريخِه، وعقله البشري، وتجربته الرقمية، مؤهل لأن يكون لاعبًا إقليميًا فاعلًا في هذا المسار.
فالعملة الرقمية الأردنية ليست مشروعًا تقنيًا فحسب، بل مشروع دولة، ورسالة ثقة للمستثمرين، وإشارة واضحة بأن الأردن حاضر في الاقتصاد العالمي الجديد، بعقله، ونظامه، وسيادته، ورؤيته المستقبلية