أوروبا تُقيد خيارات ترامب في أوكرانيا

 اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً تاريخياً بتجميد 210 مليارات يورو، من الأصول الروسية حتى نهاية الحرب، في خطوة استباقية تهدف إلى تعزز القبضة الأوروبية على مصير هذه الأموال، وتحد من قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على التحكم في هذه الأصول ضمن أي خطة سلام محتملة لأوكرانيا.

وجاء القرار بعد مناورة قانونية وُصفت بالذكية للالتفاف على حق النقض المحتمل من المجر، يضع أوروبا في موقع قوة تفاوضية ويفتح الباب أمام استخدام هذه الأموال لدعم كييف في عامي 2026 و2027، في وقت تواجه فيه أوكرانيا أزمة تمويل حادة مع احتمال توقف المساعدات الأمريكية.

تجنب التهميش


يأتي هذا التطور بينما يكافح الأوروبيون لتجنب التهميش من قبل الولايات المتحدة في المفاوضات حول خطة سلام في أوكرانيا، ويبحثون عن سبل لمواصلة دعم كييف مالياً، جاء هذا القرار المهم الذي من شأنه مساعدتهم في ذلك.

وقرر الأوروبيون تجميد الأصول التي وضعها البنك المركزي الروسي في القارة العجوز قبل الصراع، وذلك حتى نهاية الحرب في أوكرانيا.

وحتى الآن، كما هو الحال مع العقوبات الأخرى المفروضة على موسكو، كان عليهم تجديد هذا المبدأ بالإجماع كل 6 أشهر، مع خطر أن تستخدم المجر الموالية لروسيا، أو ربما سلوفاكيا، حق النقض في كل مرة، وأن تعود الأصول البالغة 210 مليارات يورو إلى خزائن المؤسسة الروسية.

ومنذ الحرب في فبراير/شباط 2022، تماشت بودابست مع الاتحاد الأوروبي، لكن في الأشهر الأخيرة، شدد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مواقفه، وهو في خضم حملة انتخابية قبل انتخابات 2026 التشريعية، وكرر أنه لم يعد يريد مساعدة أوكرانيا.

لذلك بحث الأوروبيون في المعاهدات عن وسيلة للالتفاف على قاعدة الإجماع من أجل تأجيل موعد تجديد تجميد الأصول الروسية بأغلبية مؤهلة.

واقترحت المفوضية الأوروبية استخدام المادة 122 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالاستقرار الاقتصادي في حالة الأزمة الحادة.

ورغم أن هذا الخيار قد يكون عرضة للطعن أمام محكمة العدل الأوروبية، فإن دبلوماسياً أوروبياً علّق بالقول: "هذا يمنحنا عاماً أو عامين من الهدوء"، وفق ما نقلته صحيفة "لوموند" الفرنسية.

فيكتور أوربان لم يُخفِ امتعاضه من هذه الخطوة، وكتب على فيسبوك أن المبادرة ستُلحق "أضراراً لا يمكن إصلاحها" بالاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن المجر "ستحتج على القرار وستبذل كل ما في وسعها لاستعادة الشرعية".


إجراءات متبادلة


وصوتت المجر، يوم الجمعة، ضد تعديل نظام تجميد الأصول الروسية، وانضمت إليها سلوفاكيا، في حين وافقت الدول الـ25 الأخرى على النهج الجديد، بما في ذلك بلجيكا التي تستضيف عبر مؤسسة "يوروكلير" الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمدة، وتخشى في الوقت ذاته إجراءات انتقامية من موسكو.

في المقابل، أعلن البنك المركزي الروسي أنه سيقدم شكوى ضد "يوروكلير" إلى محكمة التحكيم في موسكو، متهماً الشركة البلجيكية بـ"أعمال غير قانونية".

وتكافح يوروكلير بالفعل ضد "أكثر من 100 إجراء قانوني في روسيا"، حسبما أفاد أحد المتحدثين باسمها، دون مزيد من التعليقات.

وبعد تأمين هذه الأصول، بات من الصعب على واشنطن أن تحدد مصيرها ضمن أي خطة سلام محتملة – لا سيما أن بعض الطروحات المنسوبة إلى دونالد ترامب تحدثت عن توزيعها بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا – من دون العودة إلى الأوروبيين.

واحتفى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، على منصة "إكس" قائلاً: "تم الأمر: ستُحرم روسيا من أصولها الموضوعة في أوروبا حتى توقف حرب العدوان وتدفع تعويضات لأوكرانيا. لن يقرر أحد بدلاً من الأوروبيين مصير هذه الأموال".

علاوة على ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي الآن المضي قدماً في ملف آخر: استخدام الأصول الروسية لمساعدة كييف في عامي 2026 و2027، دون المخاطرة برؤيتها تختفي؛ وتمتلك أوكرانيا اليوم ما يكفي لتلبية احتياجاتها حتى نهاية الربع الأول من عام 2026. 

وبمجرد مرور هذا الموعد، ستنفد الأموال، سواء لتمويل الدولة أو جهودها العسكرية. لم يعد بإمكانها انتظار أي شيء من الجانب الأمريكي.

وفي القارة العجوز، لا يمكن للعديد من الدول الأعضاء، المثقلة بالديون بالفعل، أن تتحمل تعبئة مليارات الدولارات، بدءاً من فرنسا التي تخوض نقاشات حول الميزانية، حيث سيكون من الصعب الشرح للمواطنين أنه يجب عليهم التقشف من أجل القضية الأوكرانية.


ترتيب معقد


في هذا السياق، يقدم استخدام الأصول الروسية المجمدة، التي من شأنها تمويل قرض بقيمة 90 مليار يورو لكييف، العديد من المزايا، على الأقل طالما بقيت هذه الأصول في أوروبا، خاصة أنه لا أحد يتخيل اليوم أن أوكرانيا ستسدد يوماً ما "قرض التعويضات".

وفي الوقت الحالي، يجب على الأوروبيين بشكل خاص الاتفاق على هذا الترتيب المعقد للغاية من الناحية القانونية والسياسية.

وأعربت بلجيكا، التي تقف في الخطوط الأمامية لهذه القضية لأنها تستضيف الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمدة، عن معارضتها لتمويل القرض عدة مرات، على لسان رئيس وزرائها بارت دي ويفر؛ لرفع اعتراضاته، تنتظر الدولة من شركائها الأوروبيين أن يلتزموا بمشاركة المخاطر المالية لمثل هذا المخطط معها، في شكل ضمانات.

ويرى بارت دي ويفر اليوم أن وعودهم غير كافية ولا يستبعد اللجوء إلى القضاء الأوروبي إذا انخرط الاتحاد في هذا الطريق ضد إرادته.

كما قد تلجأ "يوروكلير" نفسها إلى محكمة العدل الأوروبية، ويعلّق دبلوماسي أوروبي بالقول: "هناك قلة من القضايا التي توحد بلجيكا، لكن معارضة استخدام الأصول الروسية واحدة منها"، في إشارة إلى البعد الداخلي الحساس لهذا الملف.

ومن المنتظر أن تتصاعد هذه الخلافات قبيل اجتماع قادة الدول والحكومات الأوروبية المقرر في بروكسل يومي 18-19 ديسمبر/كانون الأول، وسط أجواء مشحونة، خصوصاً بعد نشر استراتيجية الأمن القومي الأمريكية في 5 ديسمبر، التي وجهت انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي وتنبأت له بـ"الزوال الحضاري"، ما يرفع منسوب التحدي أمام القارة الأوروبية.