عن المحافظ عادل محمود الروسان

في ظل المشهد المتسارع الذي تعيشه الإدارة العامة، يظل بعض القادة علامات فارقة يصعب أن تتكرر، وشخصيات تُشكّل بحضورها ثقلًا إداريًا وأمنيًا لا يمكن تجاهله. ومن بين هؤلاء القادة الذين رسخوا حضورهم بقوة، يأتي عطوفة المحافظ عادل محمود الروسان؛ الرجل الذي لم يُعرّف بقوة منصبه بقدر ما عُرف بقوة شخصيته، وحزم مواقفه، وصلابة قراراته، وهيبة حضوره التي تفرض احترامها دون أن يطلب.

إن الحديث عن الروسان هو حديث عن رجل امتلك قدرة استثنائية على فهم الواقع، وقراءة التفاصيل، واستشراف ملامح الأحداث قبل وقوعها بفضل فراسته المعهودة وذكائه القيادي الحاد. لم يكن قائدًا يُفاجَأ بالمواقف، بل كان دائمًا مستعدًا لها بحكمة القائد الواثق، وبحزم المسؤول الذي يعرف ماذا يفعل ولماذا يفعله. كان يتحرك بثبات لا تهزّه العواصف، ويدير المواقف المعقّدة بروح رجل يدرك أن القيادة ليست موقعًا، بل مسؤولية.

وعُرف عطوفته بأنه صاحب قرار لا يعرف التردد، وبأن كلمته حين تُقال تنبع من يقين وتجربة واطلاع واسع على خفايا العمل الإداري والأمني. كان حازمًا إلى حد لا يسمح بتجاوز القانون، وقويًا في اللحظات التي تستدعي القوة، وحاضر الذهن عندما تتداخل القرارات وتتزاحم معها حسابات المرحلة. ورغم صرامته، كان يحمل إنسانية متوازنة، قادرة على كسب احترام الناس قبل رضاهم.

ولم يكن الروسان مجرد مدير أو محافظ يراقب سير العمل، بل كان قائدًا يصنع قواعد جديدة للانضباط أينما ذهب. ترتفع معه مستويات الالتزام، وتختفي الفوضى، ويظهر النظام كعلامة فارقة لأسلوبه. كان يُلهم العاملين معه بقوة شخصيته ورؤية واضحة لا تقبل الالتباس، ويجبر من يختلف معه على احترام منطقه لأنه مبني على العدالة والحق وهيبة الدولة. حضوره وحده كان كافيًا لإعادة ضبط الإيقاع ووضع الأمور في مسارها الصحيح.

وما يميّز عطوفته بشكل لافت، أنه لم يكن فقط إداريًا من الطراز الرفيع، بل كان قادرًا على ممارسة الإصلاح الإداري والسياسي في أصعب الظروف. فقد تعامل مع التحديات التي واجهتها الدولة خلال سنوات دقيقة، وفهم طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية، واستطاع بحكمته أن يوازن بين ضرورات الأمن ومقتضيات الإصلاح، وأن يحافظ على استقرار مؤسسات تحت ضغط التحوّل دون أن يفقد البوصلة أو يسمح بانفلات التفاصيل. كان يدرك أن بناء الدولة الحديثة لا يحتاج إلى القوة وحدها، بل إلى رؤية سياسية عميقة وفهم متوازن لحساسية المرحلة.

ترك عطوفته بصمات واضحة في كل دائرة ومسؤولية تولاها، بصمات يصعب على الزمن محوها لأنها قامت على العمل الصادق والقرار الجريء والإدارة الحازمة. لم يكن يقبل بالحلول الجزئية أو المؤقتة، بل كان يدخل جذور المشكلة، يحلّلها بعمق، ويضع لها حلاً يحفظ النظام ويحمي حقوق الناس. وكانت فراسته في إدارة الأزمات تُنسب له قبل أي شيء آخر، فهو رجل يمتلك مؤشرات الإنذار قبل أن يراها الآخرون.

ومع هذا الإرث الكبير، وحجم القدرات التي أثبتها عطوفته في مسيرته الممتدة، يبقى حضوره نموذجًا للقيادة التي تُبنى عليها المؤسسات، ويُقاس بها مستوى الانضباط والمسؤولية. فقد كان دائمًا من أولئك الرجال الذين تعتمد عليهم الدولة في اللحظات الدقيقة، والذين يشكّلون بعقولهم وخبرتهم ضمانة للاستقرار، وقوة تدفع عجلة الإصلاح الإداري والسياسي بثبات واتزان. إن مسيرته، بما تحمل من صرامة وحكمة ورؤية، تؤكد أن القادة الحقيقيين لا يحتاجون إلى المناصب ليثبتوا قيمتهم؛ فالأثر الذي يتركه رجل مثل الروسان كفيل بأن يبقى حاضرًا في ذاكرة مؤسسات الدولة مهما تبدلت المواقع والأدوار.

إن من يعرف عطوفة الروسان يدرك تمامًا أنه ليس رجلًا عابرًا في سجل الإدارة العامة، بل رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. رجل يحمل فكرًا إداريًا متماسكًا، وشخصية قيادية صارمة تحفظ الهيبة، وقدرة على معالجة الملفات الشائكة بأسلوب يجمع بين العقل والمنهجية والقوة. وهو من الشخصيات التي تظل حيّة في ذاكرة كل من تعامل معها، لأن أثره لا يُمحى، ولأن صوته في القرارات لا يُنسى، ولأن حضوره القيادي لا يتكرر.

يبقى الروسان أحد القادة الذين وضعوا بصمتهم بقوة على الإدارة الأردنية؛ بصمة قائمة على الانضباط، والجرأة، والحكمة، والإصلاح، والقدرة على توجيه المرحلة مهما كانت حساسيتها. وهو نموذج للرجل الذي يعطي من نفسه قبل أن ينتظر من المنصب، ويثبت أن الرجال الكبار يُعرفون بقراراتهم لا بكراسيهم، وبهيبتهم لا بألقابهم. وتبقى خبرته وقيادته وصرامته وقدرته على الإصلاح قيمة وطنية يجب أن تبقى ركيزة يستند إليها مستقبل العمل الإداري والسياسي في الدولة.