المصالحة والعودة أولا

بشار جرار

من سمات المتعصبين المتحيزين لما يرونه حقا -سيما المتنطعين منهم- التماس الأعذار فيمن وضعوا في رقابهم أوزار لا ساتر ولا غافر لها إلا مالك الملك رب الأرباب، سبحانه.

ليت سمّاعي المديح الكاذب أو المشورة المغرضة يصدون، لا بل ويقرّعون من يجمّلوا لهم الواقع إلى حد الانفصال عنه، من كثرة التزيين والتزييف تزلفا وطمعا بما استحال دوامه، فدولة الظلم لم تدم حتى في أكثر الإمبراطوريات والدكتاتوريات توحشا على الداخل والخارج، وبعض الأصنام التي حطّمتها الشعوب الحرة الحية كانت وحوشا وكواسر وجوارح على شعوبها، وأجبن الناس وأكثرهم خضوعا على من كانوا خارج حدود بلاد حكموها بالحديد والنار، في غفلة الواعين، أو ثغرة أحدثها الطامعون.

عام مر على إسقاط حكم بشار وسقوط حقبة نصف قرن من استبداد «الأسدين»، لكن شتان بين «الأب والابن» رئيسا ونظاما وبطانة. لن أخوض في تفاصيل يعرفها مؤيدو النظامين ومعارضو كل منها، لكن الخطأ القاتل أو الخطيئة الكبرى، بدأت فيما اتفق معه من رأي يتعلق بتعامل الرئيس الراحل حافظ الأسد مع مأساة شخصية أسرية بدأت بمقتل ابنه الأكبر باسل الأسد -في حادث سير- والذي كان يعده كخليفة في سلالة بدأت حكمها بانقلاب سموه «حركة تصحيحية»! فما كان إعدادا حزبيا ولا عسكريا، بل مجرد توريث في نظام زعموا أنه حزب الطليعة صاحبة الحق الحصري في تمثيل الفلاحين والعمال لما ادعوا أنه حكم جمهوري قومي تقدمي لم يسلم منه أحد بمن فيهم الأشقاء والجيران وحتى الرفاق «البعثيين» شرقا حيث «بوابة الوطن العربي الشرقية» بوجه إيران «المرشد» التي تحالف معها «الرفيق» ضد الشقيق!

انعدام شرعية ما سماها سمو الأمير الحسن بارك الله في عمره نظام «الجملكيات»، ما كان جمهورية ولا ملكية، وقد جلب على العالم كله وليس فقط النظام السياسي العربي، الكثير من المآسي والكوارث التي يتطلب إصلاح نتائجها في أقانيم الدولة الثلاثة السلطة والشعب والأرض (الوطن) ربما عقودا للتعافي. كان الله في عون سوريانا الحبيبة ومحبيها وجيرانها وكل حريص على إنجاح تجربتها على نحو ناجح آمن راشد، يوفر على الجميع استجرار أخطاء الماضي واستجلاب كوارثها. ولعل البداية مع بداية عام آخر بلا بشار ودون الأسد تكون في قضيتين عاجلتين: المصالحة التي لا تتحقق إلا بالمصارحة، كما وصفها الأمين العام الراحل للجامعة العربية د. عصمت عبدالمجيد، وعودة النازحين واللاجئين للمشاركة في إعادة إعمار ما دمره نصف قرن من القمع، وربع قرن من الهوان والوهن، وأربعة عشر عاما من الحرب التي يخطئ كثيرا من يظنها مجرد ثورة أو حرب أهلية أو حتى إقليمية.