المجالي يكتب .. فتى سحاب الأسمر والدولة
عبد الهادي راجي المجالي
...هل قرأت الدولة لدينا ظاهرة مهمة اسمها العقيد المتقاعد نضال أبو زيد ، ربما لم يعد في دولتنا من يقرأ ..ولكني مجبر هذا اليوم ، أن أكتب عن نضال ..الذي جسد معنى الحركة الوطنية الأردنية ، كل الذين تحدثوا عن حركة وطنية أردنية لم يستطيعوا أن يترجموا هذا التيار على أرض الواقع ...نضال ترجم معناه تماما بحيث فعل ما عجزت عنه الأحزاب .
أعود إلى السؤال إذا لم تقرأ الدولة ظاهرة نضال أبو زيد ماذا قرأت أنا العبد الفقير إلى الله ؟..
هذا الرجل عقيد متقاعد من عشائر سحاب الكريمة ، هو لم يقم بالانحياز التام للمقاومة ، بل هو قدم نموذج المتنور الأردني ، في السياسة ، في التحليل ، في البحث ، في القراءة ...كنا نظن في فترة مضت أن بقايا الشيوعيين في الدولة وبقايا اليسار المرتهن أمنيا للسلطة ، وبقايا من أعجب بهم إعلام الرئاسة وإعلام الديوان ، ربما صعدوا للوظائف العليا على خلفية التنوير والثقافة ، ولكن تبين أنهم جميعا أمام نضال أبو زيد لا يمتلكون ولو عتبة واحدة من سلالم التنظير السياسي والعسكري التي يملكها .
السؤال الاخر أين كانت الدولة عن هذا الفتى ؟ أنا لا أعرف أين كانت ولكنه استطاع أن يظهر قدراته وعبقريته عبر الإعلام فقط ، ولم يتنكر للدولة لم يقم بإدانتها في أي حديث ، وظل يفتخر بالولاء والإنتماء ...وربما جملته المشهورة : ( أنا دخلت الجيش وعمري 18 سنة ..وأنت دخلت الحكومة من بوابة المعارضة وعمرك 50 سنه) ...صارت حديث الناس ، لا بل عرت الية الوصول للمنصب في السلطة .
نضال اجتاح وسائل التواصل الإجتماعي ، اجتاح الإعلام ، واجتاح القلب الأردني تماما ...لماذا ؟ لأنه لم يقم بالتصادم مع وجدان الشارع ، ولأنه قدم المباديء على الرواية التي يريدها (زلم واشنطن) ، ولأنه تحدث بنبض الفقراء ، ولأنه عبر عن الناس ولم يعبر عن رؤية دولة أخرى ، ولم يقم بتبني رواية من ادانوا (ح م ا س) ..لأجل الدخول للمنصب من بوابة الإدانة ...يا ترى هل يمتلك أي وزير في الأردن شعبية ومصداقية نضال الان ..هل يمتلك النواب شعبيته ومصداقيته ، هل يمتلك رجالات السلطة حبا مثل الذي يمتلكه نضال في الشارع ؟
أعود للسؤال أين كانت الدولة عن نموذج نضال ؟ ...هذا الرجل كان الأصل أن توظف المعرفة والعمق لديه في خدمة المؤسسات ، كان الأصل أن يقدم رؤيته في العمل الأمني ، كان الأصل أن يستمع له صانع القرار ..كان الأصل أن تقوم الدولة بتبني عقله وتوظيفه في خدمتها ...نحن في الأردن ومنذ (40) عاما لم نستطع للان أن ننتج منظرا للسلطة ، لم نستطع للان أن نقدم متنورا يدافع عن رواية الدولة ..لم نستطع للان أن نتحالف مع العقل ..كل ما نفعله ، هو أننا نظن في لحظة أن الخط الإنتهازي هو الوحيد القادر على إقناع الناس ...لكن السلطة ذاتها لا تدرك أن من قدمتهم على الإعلام من بوابة المناصب التي يمتلكونها ، وقاموا بإدانة المقاومة إنما جلبوا للدولة كرها ، ورطوها في موقف لم تتبناه صراحة ، وزجوها في أتون الشك .
شكرا نضال ، أنت ظاهرة تؤكد للدولة أن المتنور الأردني لا يأتي من الأحزاب ..على العكس الأحزاب أسست منابر الإنتهازية ، بل يولد من رحم الجيش والقرى البعيدة والشقاء ...وأنت أكدت أيضا ، أن العشيرة ليس مؤسسة تصفيق وقبول ..بل لها موقف ولديها عقيدة ومباديء ، العشيرة الأردنية هي رمح الدفاع الأول عن البلد وعن فلسطين وعن الشرف والمبدأ ...
وأنت أيضا زرعت فينا ألف سؤال ..وأول تلك الأسئلة : أين كانوا عنك ؟
وأنت أيضا أجبتني على سؤال ظل معلقا في ذهني وهو لماذا تكرهنا السلطة ؟ ..الإجابة واضحة يا نضال ، لأنهم يريدون أن يكون الواحد منا مجرد موظف ، مطيع لا عين له يبصر فيها ولا عقل يفكر به ...لأنه يكرهون الوعي ، ويريدون وعيهم الخاص الذي ينتج لهم الرواية الخاطئة والموقف الخاطيء والمسار الملتوي ..ما فعلته يا نضال أعمق من مقابلات وتحليل ، أنت أجبت عن أزمة المتنور والسلطة ..وفسرت لنا معنى استبعاد الوعي وتهميشه ، وشرحت لنا أيضا ..منهجا سرت عليه مؤمنا به ، وسنظل نسير عليه وهو : بالرغم من كل ما يفعلونه ..إلا أننا نظل على حبنا للعرش ويظل الانتماء فينا ديدنا ..
(10) أعوام وهم يشبعوننا تنظيرا عن قناة المملكة ، وعن الإعلام المتنور ..وضرورة خروجنا من الجهل ، نضال أبو زيد في مقابلة واحدة ...عرفنا بمعنى الإعلام ، وقدم المباديء على ما يسمى بالشفافية ..ونضال لم يكلف الجيش في حياته التي عاشها فيه والتي تجاوزت ال (25) عاما ، قيمة كاميرا من كاميرات الأخبار في هذه القناة ...