"نظفوا وزارتكم" كما قال الملك .. "البلد غرقت" وحسان "داير بالدفتر"!

فرح حامد سمحان 


اعتبار عمّان مدينة لا تغرق غير منطقي ، والاعتراف بذلك صراحة لا يتضارب مع فكرة حبها كمدينة؛ واجهت وعاصرت كل الأشكال والألوان، فهنا لا نتحدث عن شخص إذا غرق قد ينجو وربما لا، وإنما مدينة شوارعها تهاكلت من حجم الأمطار التي تذهب سُدى ، وهذه قصة أخرى إذا ما تذكرنا أننا من أفقر دول العالم مائيًا، ولا يمكن التعامل مع الجماد بمعزل عن الضرر الذي يلحق بالأشخاص؛ لأنه وببساطة إعلان المؤسسات والوزارات عن رفع خطة الجاهزية قبيل دخول أي منخفض جوي، يشبه تصرف الأم مع طفل صغير ؛ خوفًا من بكائه، وللعلم الحكومة تبقى مذعورة وفي حالة جبن؛ لأنهم يعرفون أن تجهيزاتهم لا تصلح لحماية بيت شعر؛ ولأن ما يحدث مثلبة بحق المؤسسات والتجهيزات التي يفترض أنها ليست آنية، فلا يمكن الاستخفاف أكثر بالمواطنين الذين لم تعد رواتبهم تكفي لصيانة مركباتهم هذا جانب، والجانب الآخر أجلكم الله تغيير أحذيتهم التي "ترنخ" بمياه الأمطار الممزوجة بالطين. 

ومع أن الحكومة اعترفت على لسان مسؤول في وزارة الإدارة المحلية بعدم جاهزية بعض البلديات للمنخفضات الجوية "المفاجئة"، وكأن إدارة الأرصاد هنا شفافة ولا تعمل، إلا أن المؤسسات تخرج بخبر رفع حالة الطوارئ، وما أن يستيقظ الأردني على هموم الراتب الذي تلاشى هنا وهناك، وغيض البطالة، والهموم المتراكمة، حتى يجد نفسه غارقًا بمياه الأمطار، ومن جانب آخر يشاهد أخبار رئيس الوزراء جعفر حسان وهو يجري جولات ميدانية في كل المحافظات، ويساءل حينها المواطن "الغلبان" وهذا أقل ما يمكن أن يوصف به، لماذا لا يزور الرئيس غرف العمليات في إدارة الأرصاد الجوية، وأمانة عمّان، ووزارة الأشغال، وكل الدوائر والمؤسسات التي لها علاقة، ربما دفتر ملاحظاته سيُربكهم، ويخفف من عنجهية بعضهم، خاصة الذين يصرون على أن الجاهزية بأعلى المستويات. 

المواطن لا يثق بقدرة بعض المؤسسات على إدارة المخاطر؛ ومنها الجوية، ولا إدارة أنفسهم حتى، والحقيقة التي لا يختلف عليها أي أردني، هي أنهم يثقون ثقة مطلقة فقط بالمؤسسات الأمنية؛ لأن تربية العسكر وضميرهم الواعي الشافي الوافي، يختلف عن تخاذل بعض المسؤولين الذين يضعون ضميرهم خلف المكاتب، ولا يكترثون لا لعمّان ولا لغيرها، همهم فقط التوقيع على تعيينات، وتمرير واسطات، وهكذا تُدار البلد من الحيتان، الذي يشعرون بالاشمئزاز من مياه شوارع الأردن، بينما أمام شوارع بيوتهم الصرف الصحي يعمل عشرة على عشرة. 

الملك قالها قبل سنوات في كارثة مستشفى السلط التي راح ضحيتها خيرة من الأردنيين الأوفياء، واليوم ومع وجود فرصة مهيأة لخسارة أشخاص بسبب الكوارث التي تقع نتيجة عدم الجاهزية، وغرق عمّان والأردن ليست عمَان فقط؛ لأن حال المحافظات والمناطق النائية أسوأ بكثير، نؤكد أننا خلف الملك في أن أي مسؤول يقصر يجب محاسبته، وأن المنصب ليس للترضية ولا المجاملة، وأنه ليس مطلوبًا من المسؤول تقديم استقالته بل تنظيف وزارته، هذا ما قاله جلالته، وما يجب أن يعلق كلوحة في مكاتب بعض المسؤولين المهملين بعملهم، والذين لا يحدثون أي فرق من مواقعهم، ويعملون بنمطية لا تقدم ولا تؤخر. 

في زيارة خاطفة لوسط البلد هذه التحفة التي يحسدنا عليها العالم، يقول مواطن "يا حسرتي على شوارع البلد على أول شتوة بتغرق"، واليوم ثمة صوت بداخل كل الأردنيين الشرفاء يقول: "يا حسرتنا على مسؤولين يطبقون مبدأ حاميها حراميها لا بل حاميها لاعن المليح فيها.